اقتصاد اليمن لا يحتمل الانتظار: فايننشال تايمز: اليمنيون يدفعون ثمناً باهضاً بسبب تعطيل الاصلاحات
عندما كان الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح يتهرب من الضغوط التي مورست عليه لأشهر للتنحي عن السلطة بالرغم من موجة الاحتجاجات الشعبية والازمة الاقتصادية الخانقة، كانت رسالة المانحين الغربيين و الخليجيين واضحة للغاية،وهي ان حزمة المساعدات المالية لانقاذ الاقتصاد الذي ينهار مرهونة بمغادرته السلطة.بعد خمسة اشهر من تنازل صالح عن السلطة، لم تتلقى اليمن الا القليل جدا من الدعم الذي وعدت به. تم اعادة جدولة اجتماعين كان من المفترض ان تعقدها مجموعة اصدقاء اليمن المانحين، من المقرر ان يعقد هذا الاجتماع في 23 مايو في مدينة الرياض. وليس من المعروف حتى الآن ان كان سينتج عنه تقديم أي مساعدات اقتصادية و تبدي الدول المانحة قلقها من السلطة التي مازال يتمتع بها صالح و اقربائه الذين يتقلدون مناصب أمنية و عسكرية قيادية هامة.
و بالرغم من اختيار عبدربه منصور هادي الشهر الماضي، رئيسا للبلاد للفترة الانتقالية، الا ان الرئيس المنتهية ولايته لا يزال رئيسا للحزب الحاكم، و لديه من النفوذ ما يمكنه من عرقلة جهود الاصلاحات خلال الفترة الانتقالية التي تستمر عامين. عندما احتج الاسبوع الماضي اعضاء في الحكومة ينتمون للمعارضة ضد ما سموه السياسات التدميرية لحكم صالح الذي امتد 33 عاما، هدد صالح بسحب أعضاء حزبه من حكومة الوحدة الوطنية. و قال البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية البريطانية يوم الجمعة و الذي حدد موعد الاجتماع القادم لأصدقاء اليمن “ان التدهور الأخير الذي شهده التوافق السياسي في اليمن يبعث على القلق، و ندعو جميع القوى الى الانخراط في العملية الانتقالية بشكل بناء”.
لكن نقادا يقولون ان اليمن لا يستطيع تحمل الانتظار حتى انهاء المشاحنات السياسية و استعادة الأمن، وهو الشرط الذي وضعته الدول المانحة لتلقي المساعدات. البلاد تواجه كارثة اقتصادية، بينما يستغل مسلحو القاعدة الاضطرابات السياسية و الاقتصادية و الأمنية للسيطرة على مزيد من المناطق، و يعاني المتعاطفون معهم من الهجمات التي تشنها طائرات امريكية بدون طيار تعمل بدون قيود على مهاجمة عناصر القاعدة.
وتخشى الولايات المتحدة و المملكة العربية السعودية من ان يساعد انتشار الفوضى تنظيم القاعدة في السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي، وبالتالي خنق امدادات النفط. و يقول احد الخبراء الماليين المقربين من الحكومة “اليمن يغرق، و ما نحتاجه الآن هو تقديم الدعم للميزانية على وجه السرعة، و الا سنضطر الى طباعة المزيد من العملة. التضخم سيرتفع بشكل كبير و الريال سينهار و سيشعر كل مواطن بذلك”. يقول مسؤولون يمنيون ان السعودية فقط هي الوحيدة التي هبت لانقاذ اليمن خلال العام الماضي، و قدمت ما مجموعه مليار دولار على شكل نفط ومشاريع و مساعدات مالية.كما ان الامارات العربية المتحدة ارسلت ديزل الى اليمن. لقد كانت هناك وعود لليمن بتقديم حزمة مساعدات مالية تقدر بنحو 6 مليار دولار لبدء برنامج الاصلاحات الاقتصادية الذي يهدف الى تنويع الاقتصاد و جذب الاستثمارات الأجنبية.
اليمن التي تواجه نسبة بطالة تصل الى 70 بالمائة بين الشباب، أقرت هذا الشهر ميزانية بما يعادل 10 مليار دولار، و كان هناك عجز في الميزانية يقدر ب 2,4 مليار دولار. معظم الميزانية تذهب في رواتب الخدمة المدنية و دعم مشتقات النفط و لا يتبقى الى القليل للنفقات الأخرى. كثير من الناس فقدوا وظائفهم في القطاع الخاص، حيث فشلت الحكومة في دفع الاموال للمقاولين، ويهدد ذلك بالمزيد من المشاكل الاجتماعية و الأمنية في بلد يصل معدل البطالة (الكلية) فيه الى 40 بالمائة، و ترتفع فيه معدلات الفقر و الانجاب. و تشكل صادرات النفط المستمرة في التراجع 70 بالمائة من العائدات، كما انها تمثل 25 بالمائة من الناتج المحلي للبلاد الذي يقدر ب 36.7 مليار دولار. لكن انابيب النفط توقفت عن الخدمة منذ اكتوبر الماضي بسبب الهجمات التي يقوم بها رجال القبائل الناقمين.
و تقدر الخسائر في قطاع النفط ب 250 مليون دولار شهرياً. يقول عبدالعزيز العويشق كبير الاقتصاديين في مجلس التعاون الخليجي “اصدقاء اليمن لم يهبوا لمساعدته ، يجب ان تذهب الاموال فورا لمساعدة اليمن لكي يتمكن من الوقوف على اقدامه مرة أخرى”. واضاف “.. المفترض ان يقدم الى اليمن جزء من المساعدات التي تكفلت بها الدول المانحة، لكن هناك ميولا لدى الحكومة في القاء اللوم على الخارج، عليهم ان يؤمنوا خطوط انابيب النفط اذ لا ينبغي على أي حكومة ان تسمح لشريان حياتها ان يكون رهينة للآخرين، او على الأقل ان يقوم بعض الحلفاء بتأمين أنابيب النفط”. العويشق الذي يعمل ايضا مساعدا للامين العام لشؤون المفاوضات و الحوار الاستراتيجي، اشار الى ان تحصيل الضرائب انخفض بنسبة 20 بالمائة و ان الأسواق الداخلية تأثرت كثيرا بفعل المخاوف الأمنية، مما حد من قدرة الحكومة على الحصول على قروض مالية.
و قد انكمش الاقتصاد بمعدل 17 بالمائة العام الماضي، وفقا لما قاله العويشق. و يتوقع المزيد من الانكماش هذا العام ايضا ، ويضيف قائلا “يجب استعادة الأمن و تحصيل الضرائب و إلا ستتعرض الحكومة للافلاس” اليمنيون المطلعون على المفاوضات مع مجموعة أصدقاء اليمن يقولون ان الولايات المتحدة تحاول الضغط على جيران اليمن الاغنياء ان يقوموا على الاقل بدعم الميزانية، لكنها لا تقوم بعمل شيئا لتخفيف الأعباء المالية. وقد تعهدت دول مجلس التعاون الخليجي بتقديم الدعم، الا انها تراجعت وأصرت على إيجاد آلية شفافة، بحسب قولهم. يقول احد الخبراء الاقتصاديين اليمنيين “لقد قلنا لهم، اذا كان لديكم مخاوف من دفع الرواتب, خصصوا اثنين مليار دولار لمحفظة شفافة للنفقات الراسمالية”.
و يشكو مسؤولون غربيون و خليجيون من الخدمات المدنية و رواتب الجيش التي يجري تضخيمها لكي تشمل موظفين وهميين لدعم نظام المحسوبية. لكن المواطن اليمني العادي لا يستطيع تحمل الانتظار حتى يعود الوضع السياسي والأمني للاستقرار. وحذر برنامج الغداء العالمي في 14 مارس من أن النقص الحاد في الغذاء يهدد حياة 5 ملايين مواطن يمني بما يمثل 22 بالمائة من عدد السكان، وهناك 5 ملايين آخرون يواجهون نقصاً متوسطاً في الغذاء.
ترجمة/ مهدي الحسني.
- قرأت 992 مرة
- Send by email