" الدستور أولاً " : أولى المهام المناطة بمؤتمر الحوار الوطني :

• الوقت يمر ومؤتمر الحوار الوطني قادم، ويبدو لي من أولى المهام المناطة بمؤتمر الحوار الوطني هي التوافق على تشكيل الإطار المعني بصياغة الدستور أو إضفاء تعديلات أساسية على الدستور النافذ، رغم إني أكاد أن أجزم أن الأفضل لليمن بعد تلك المراحل والأحداث الصعبة التي مرت ولا زالت تمر بها اليمن ، والتي لا يزال الشعب اليمني يعاني منها بشطريه تتطلب صياغة دستور جديد متوافق عليه، بحيث تكون مواده من الصعوبة بمكان إلغائها أو تعديلها إلا بعد استفتاء شعبي عام. هذا وتسمى هكذا مواد بالقواعد "الدستورية الجامدة". كالدستور الألماني النافذ على سبيل المثال لا الحصر.
• أعتقد أن أكثر فئات المجتمع أماناً في وضع وصياغة الدساتير هم البعيدون عن المواقع السياسية القيادية وتحديداً الخبراء المخلصون والمستقلون، ومنهم تحديداً الفقهاء والأساتذة القانونيون المستقلون وعلماء السياسة والاجتماع والفقه والشريعة الإسلامية وممثلي منظمات المجتمع المدني المستقلة والاتحادات المهنية المختلفة النوعية منها والعامة وتحديداً المستقلة منها، وهم كُثر، ذلك لأنهم أناس ليسوا ذوي مصالح أو مطالب حزبية أو مادية أو مناطقية أو قبلية عشائرية ضيقة، بقدر ما تهمهم المصالح العليا لوطنهم وللأجيال القادمة ومن أهمها على سبيل المثال لا الحصر، نظام الحكم، النظام الانتخابي، المواطنة المتساوية، التداول السلمي للسلطة وحرية إنشاء الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، كل ذلك وفقاً للمواثيق والاتفاقات والعهود والبرتوكولات والإعلانات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان الأساسية وبدرجة أساسية تلك ذات العلاقة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية .
• أثق أن لدى بلدنا الكثير من هؤلاء المخلصين العالمين بتجارب وضع الدساتير، وببواطن العديد من الدساتير ليس على مستوى الوطن العربي بل على المستوى الدولي، خاصة في الدول التي تم فيها وضع وصياغة دساتير ما بعد مرحلة الصراعات السياسية.
• ومن تجارب العديد من الدول، فقد تم الاستعانة بشكل واسع بخبرات الكوادر والقدرات الوطنية المستقلة في المشاركة في وضع وصياغة الدساتير. وهذا لا يعني عدم مشاركة ممثلي الأحزاب والقوى الوطنية الأخرى في وضع وصياغة الدساتير، إنما يتطلب ذلك وضع الضوابط بحيث لا يستحوذ حزب أو تحالف حزبي على أغلبية أعضاء الإطار الذي سيتم تحديده مستقبلاً.
• ومن تجارب البلدان في مجال وضع وصياغة الدساتير تشكيل لجان تسميها بعض البلدان باللجان التأسيسية للدستور، أو البعض منها تسميها بالجمعيات التأسيسية للدستور، يتم بعد التوافق عليها عرضها على الشعب للاستفتاء العام عليها. وهناك بعض التجارب الأخرى، حيث يتم التوافق على تشكيل لجان فنية متخصصة لوضع وصياغة مسودة للدستور، وبعد التوافق عليها يتم عرضها للشعب للاستفتاء العام عليها.
•  ومن التجارب الحديثة المستفاد منها في البلدان الأخرى، تظهر أمامنا تجربة مصر وما تعانيه، على سبيل المثال لا الحصر، والتي يجب أن يستفيد منها مؤتمر الحوار الوطني بأن لا يتم، التوافق على إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة، وبأن لا يتم التوافق على أن تناط مهمة تشكيل اللجنة الفنية المتخصصة لصياغة الدستور الجديد أو تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد من قبل البرلمان القائم والعتيق الذي يزيد عمره الافتراضي عن عمر كل برلمانات العالم، إلا بعد التوافق على الدستور الجديد وعرضه على الشعب للاستفتاء العام.
• أثق، بأنه إذا صدقت نوايا المتحاورين، فإن الخطوة الأولى الناجعة نحو نجاح المهام المناطة بمؤتمر الحوار الوطني هي التوافق على مسودة الدستور القادم أولاً، وفي حالة الانتهاء منها، ستتفكك كل القضايا والإشكاليات الأخرى.
د. جعفر عبدالله شوطح
استشاري قانوني