اعتراف متأخر بأسباب غزو ليبيا.. فهل يتعظ العرب؟
نشرت مجلة ” فورين بوليسي “الامريكية التي تصدر مرة كل شهرين , وتنشر مرة كل سنة , مؤشر الدول الفاشلة , مقالا قبل ايام تحدثت فيه عن الاسباب التي حدت بحلف شمال الاطلسي الى شن حربه العدوانية اللصوصية ضد ليبيا في العام 2011 مما ادى الى الاطاحة بنظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وقلته و تحويل تلك الدولة العربية الغنية والمستقرة الى دولة فاشلة .
وقد كنا نعرف قبل ما نشرته تلك المجلة الامريكية المتخصصة ان دولة مثل فرنسا التي كان يتولى رئاستها الرئيس الفرنسي الاسبق “نيكولا ساركوزي ” لعبت دورا محوريا في تلك الحرب التي ادت لخراب ليبيا وقتل وجرح عشرات الالاف من ابنائها وتهجير قرابة نصف سكانها البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة والاستيلاء على نفطها ونهب مئات مليارات الدولارات من صندوقها السيادي وغير ذالك الكثير .
كما كنا نعرف بان القوات الفرنسية هي التي القت القبض على القذافي ومن ثم قامت بتسليمه الى مجموعة من عملائها الليبيين الذين قاموا بدورهم بالاعتداء عليه جنسيا قبل قتله بصورة وحشية خوفا من يؤدي تقديمه الى المحاكمة الى كشف , فضائح الرشى التي قدمها القذافي لتمويل حملة ساركوزي الانتخابية وكذلك لرئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كامرون .
وطبقا لما نشرته” فورين بوليسي” فان حرب اسقاط نظام القذافي وقعت بهدف الاستيلاء على النفط الليبي وسرقة احتياطي ليبيا الضخم من الذهب والفضة ( 143طنا من الذهب و150 طنا من الفضة ) ومنع القذافي من انشاء عملة افريقية تعتمد على الدينار الذهبي بدلا عن الفرنك الفرنسي المتداول في جميع البلدان الافريقية الناطقة باللغة الفرنسية .
وحسب المجلة التي استندت في معلوماتها الى نصوص رسائل الكترونية لهيلاري كلنتون نشرتها وزارة الخارجية الامريكية اواخر العام الماضي , فان ساركوزي الذي قاد العدوان على ليبيا وضع امام عينيه خمسة اهداف قذرة وهي الاستيلاء على النفط الليبي , وتامين النفوذ الفرنسي في المنطقة , وتوطيد سمعة ساركوزي داخل فرنسا , وتاكيد القوة العسكرية الفرنسية, ومنع القذافي من التمدد في البلدان الافريقية الناطفة بالفرنسية , وليس بهدف الدفاع عن حقوق الانسان في ليبيا واعادة الديمقراطية الى ربوعها ومكافحة الارهاب كما زعموا لتبرير العدوان.
وهنا وعلى الرغم من حقيقة ان فرنسا ساركوزي لعبت دورا محوريا في تخطيط وتنفيذ العدوان الا ان كل دول الاطلسي , وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية , شاركت فيه بفعالية بالاضافة الى دول عربية مثل قطر ودولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية , في حين ان جامعة الدول العربية بقيادة امينها العام آنذاك عمرو موسى شكلت غطاءا عربيا له كما فعلت في ازمة وحرب الخليج الثانية الا انني لاحظت ان المجلة حاولت التقليل من الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الامريكية في تلك الحرب التي ما كانت لتتم لولا مباركتها ومشاركتها بها رغم ادعاء الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما بانه ندم اشد الندم على تاييده لها .
كما ان” فورين بوليسي ” لم تنبس ببنت شفه عن انه كان من اهداف تلك الحرب التي ادت الى تقسيم ليبيا الى ولايات ودويلات متناحرة , هو صناعة زعامات ليبية مستعدة لتطبيع العلاقات مع اسرائيل وتهيئة الاجواء للاخيرة للتمدد في القارة الافريقية وتهديد الامن القومي والمائي العربي وتحديدا المصري والسوداني من خلال اقامة سد النهضة الاثيوبي الذي اقيم بدعم اسرائيلي معلن وواضح.
بكلمات اكثر وضوحا فان حرب 2011 على ليبيا كانت عدوانا امريكيا اطلسيا اسرائيليا الهدف منه اضافة الى النهب والسيطرة وتجزئة المجزأ هو القضاء على اي قوة عربية تحاول التطور والنهوض والتغريد خارج سرب التبعية للغرب .
وما اشبه اليوم بالبارحة , ففي نهاية القرن التاسع عشر شن المستعمرون الامريكيون حربا حقيقية على ليبيا بذريعة حماية السفن الامريكية التي كانت تمخرعباب المتوسط في رحلاتها التجارية من خطر القراصتة العرب في حين كان الهدف الحقيقي هو حماية حرية حركة السفن الامريكية التي كانت تنقل الافيون الفتاك من موانىء الامبراطورية العثمانية الى الصين , ومن هناك تجلب الشاي وبعض المنتوجات الاخرى لبيعها في السوق الامريكية الامر الذي كان يدر على الخزينة الامريكية ارباحا طائلة توظف في الصناعة والتجارة.
فتلك الحرب وقعت بين اعوام ( 1801-1805) لان حاكم ليبيا آنذاك يوسف كرملي تجرأ وطالب ببعض الرسوم المالية الاضافية من السفن الامريكية التي كانت تبحر في مياهه الاقليمية , فما كان من الاسطول الامريكي الا وان حاصر عاصمتها طرابلس الغرب لاجبار كرملي على التراجع عن مطلبه الذي هو حق سيادي.
,ولاجل تحقيق هذا الهدف فقد تعاونت مع شقيقه حامد كرملي الذي كان يقيم في القاهرة لخلافه مع شقيقه حيث وفرت له مجموعة من المرتزقة الذين زودتهم بالمال والسلاح ودعمتهم بفصيله من مشاة البحرية الامريكية لتشرع بعد ذلك البوارج الحربية الامريكية بمحاصرة طرابلس وقصفها بمدافعها .
وبعد ذلك قامت القوات الامريكية بعملية انزال على مدينة “درنة” الليبية ورفعت العلم الامريكي على قلعتها مما اجبر حاكم طرابلس على التراجع عن طلبه بزيادة رسوم مرور السفن الامريكية , والتوقيع على معاهدة مذلة له , ولكنها ملائمة للجانب الامريكي وبذلك واصل التجار الامريكيون رحلاتهم البحرية من دون ان تتأثر ارباحهم .
وقد خلدت هذه الحرب في مطلع نشيد مشاة البحرية الامريكية , الذي تقول كلماته الاولى , “من تلال مونتيسوما الى سواحل طرابلس في السماء وفي البحر وعلى الارض خضنا معارك الدفاع عن الوطن ” التي هي في الواقع معارك قذرة من اجل الاتجار بالافيون وتحقيق الارباح بتلك الطريقة الاجرامية .
وبعد اكثر من 175 عاما , وتحديدا في منتصف ثمانينات القرن العشرين عادت واشنطن للتحرش بليبيا حيث شنت الطائرات الحربية الامريكية عدوانا عليها مما ادى الى استشهاد وجرح مئات الليبيين تارة بحجة توسيع ليبيا لمياهها الاقليمية وتارة بذريعة دعمها لهجمات فلسطينية على مطار ايطالي وتارة ثالثة بحجة ضلوعها باسقاط طائرة ” بان اميركان” الامريكية فوق مدينة لوكربي ” الاسكتلندية مرورا بفرض حصار اقتصادي عليها واجبارها على نزع سلاحها الكيماوي وصولا لاسقاط نظام الرئيس الليبي معمر القذافي في عام 2011 .
بقي القول بان من يحاصرون البلدان ويقتلون البشر من اجل تحقيق الارباح وسرقة الثروات ونهب الاموال , هم ومن والاهم المسؤولون عن اعاقة تطور الشعوب العربية لان لغة المصالح هي فوق لغة الانتماء القومي او الديني او المذهبي .
وبدون ان يدرك فقراء الامة ذلك وينهضون للدفاع عن مصالحهم الحقيقية , ويضعون معسكر الاعداء في خانة واحدة , فان الاستعمار عائد الى المنطقة حتى بشكله القديم .
كاتب فلسطيني
- قرأت 233 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ