مقدمة من مقالة بعنوان "الرواية اليمنية "الجديدة" والفئات المهمشة

النساء , السود , الغرائبية

 
مقدمة:لقد تغير الخطاب الروائي في اليمن وفقا لتغيرات السياسة ،ففي رواية "واق الواق "لمحمد محمود الزبير "كان الخطاب الروائي يعكس خطاب "الاحرار اليمنيين ،والذي تركز على ضرورة اخراج اليمن من ثلاثي "الظلم والجهل والمرض "،حسب منطوق ادبيات الاحراراليمنيين آنذاك،ومنشوراتهم في صحيفة "فتاة الجزيرة"وهذه الرواية التي صدرت اواخر الخمسينيات ،وان كانت ضعيفة من الناحية الفنية،الاّ أنها تعكس بوعي مطالب الاحرار في قالب سردي ،هذا الوعي الذي جسدته كتابات النعمان والزبيري ومطيع دماج والشامي والموشكي والفسيل ،في كتاباتهم وبياناتهم ...وبعد قيام ثورة 26سبتمبر 1962م ،أتت الرواية لتعبر وتتأثر وتسهم بوعي سبتمبري،واحيانا لتكون اشبه ببيان سبتمبري ،يعكس خطاب السردية المنتصرة ،ومتخيلا صورة مشيطنة للسردية المنهزمة ممثلة بالمملكة المتوكلية ،التي انتهى حكمها بقيام ثورة سبتمبر ،ففي رواية" الرهينة "يتم استعادة صورة الامامة في اربعينيات القرن العشرين ،ولكن من خلال ذاكرة" نسبة الى ثورة سبتمبر وما انتجته من وعي واهداف سبتمبرية "وفي هذا السياق تأتي روايات وقصص "محمد احمد عبد الولي "لتجمع بين السياسي من وجهة نظر الثورة اليمنية ،الى جوار الاجتماعي ،حين يعيد تخيل صورة الغريب الذي ولد في الحبشة"المُولَد"كما يسمى في الاوساط لشعبية ،والموقف السلبي تجاهه،ليصور مايتعرض له "المولد"من إقصاءلهويته ،إضافة إلى قضايااجتماعية نمثل المرأة الريفية ،والهجرة ...لقد شكل محمد عبد الولي اضافة نوعية للسرد اليمني ،بل إننا نلاحظ انفتاح محمد عبد لولي على الفن السينمائي ،حين يختار لروايته "صنعاء مدينة مفتوحة "هذا الاسم الذي اختاره في فترة قريبة من عرض الفيلم الايطالي "روما مدينة مفتوحة "،وهو مايجعل محمد عبد الولي ،رائدافي مجال الانفتاح على الفن السينمائي ،يمنيا ...كذلك تأتي اعمال "احمد محفوظ عمر ،عاكسة للمحمول السياسي والاجتماعي ،وبوعي يساري ،في بعض اعماله ...إن الرواية من وجهة نظري شكلت قفزا فنيا ،لدى السرديين التسعينيين،ذلك أن الرواية التسعينية ومابعدها ،غادرت نوعا ما ،الاحتفاء باللغة الشعرية التي تميز قصص محمد سعيد سيف وعز الدين سعيد احمد ،على سبيل المثال في "شارع الشاحنات" لسيف و"وجوه وامكنة" لعز الدين،وهما من كتاب الثمانينات ،هذا الجيل الذي كان يجمع بين شعرية اللغة وواقعية الاحداث ...لقد مثل سرد احمد زين ،ووجدي الاهدل وعلي المقري ونادية الكوكباني وسمير عبد الفتاح وياسر عبد الباقي ونبيلة الزبير وغيرها من الاسماء التي ظهرت في العقدين الأخيرين قطيعة نسبية مع الخطاب والنص السردي السابق ، وتأتي اعمال محمد عبد الوكيل في روايته "نهايات قمحية "ومجموعاته القصصية ،لتعبر عن هذا التجسير والتواصل مع سرد السبعينيين والثمانينين ...
إنني في هذه القراءة سوف اتناول ،ثلاثة اعمال هي "طعم اسود رائحة سوداء "لعلي المقري ،و"عقيلات "ل "نادية الكوكباني "و"بلاد بلا سماء "لوجدي الاهدل
....................................................................................................
 
 
هناك تلازم واضح بين الحكي والحياة , لدى المرأة , والسود واستحضار الغرائبي من أجل الانعتاق من سطوة المجتمع والسياسة , الأب والأخ والزوج والمستبد وكافة الأنساق الاجتماعية , التي تحولنا إلى أشياء تستهلك وترمى , هكذا شهرزاد تقاوم السطوة بالحكي المتنوع والممزوج بالغرائبية لإثارة الدهشة لدى المتلقي "شهريار" ولتفدي نفسها من سطوة الحاكم , وهكذا في " عقيلات" و" طعم أسود .. رائحة سوداء " وبلاد بلا سماء " يأتي السرد في سياق الرغبة في التحرر من سطوة المجتمع , عاداته , تقاليده , وقواه المهيمنة تروى حكايات وشعارات متشابهة ومنمطة بغرض الانعتاق من سطوة السياسة والمجتمع, إلا أن التماثل والتكرار واللغة المقالية التي تتناول سطح الأشياء , يجعل الرواية أشبه ببيان سياسي في " طعم أسود ..رائحة سوداء أو إحساس بالغبن الاجتماعي و "عقيلات " أو توليفة تجمع بين الغرائبية والواقعية بطريقة أشبه بالتلصيق في " بلاد بلا سماء " .
عند قراءة الأعمال الروائية "الجديدة " وتحديداً "عقيلات" لـ " نادية الكوكباني" "طعم أسود ..رائحة سوداء" لـ "علي المقري " " بلاد بلا سماء " لـ "وجدي الأهدل" نجد مزجاً للسيرة الذاتية بالمتخيل الروائي وهذا المتخيل هو شكل مواز ومماثل للواقع كما هو شأن "عقيلات" ونجد اهتماماً بالتفاصيل الصغيرة وعلاقة سلبية مع الهوية عند "طعم أسود .. رائحة سوداء" ولغة شعرية لدى الروايات الثلاث، وإبهام بتعددية صوتية , رغم الخطاب الأيديولوجي الواحد .
وانحياز الراوي الخارجي , باستمرار إلى جانب الشخصيات الروائية التي تحمل قناعات وخطاب المؤلف , وبشكل لا تحتمله ثقافة الشخصيات في البناء الروائي , وهو ما نلاحظه في روايتي "طعم أسود .. رائحة سوداء " و "عقيلات" .
إذا كانت الرواية التقليدية تتميز بالادعاء بالمنطقية والانتظام والبديل المرغوب , فإن الرواية "الجديدة" في اليمن وتحديداً في الروايات التي نحن بصدد قراءتها , ليست بعيدة عن السمات الأسلوبية للرواية التقليدية , فإذا كانت الرواية العربية في مصر قد واكبت تحولات الرواية العالمية , التي تطورت في أوروبا منذ سقوط الإقطاع , وعاشت تحولات بنيوية موازية لتحولات تلك المجتمعات , لكن المجتمع اليمني منذ ثورة 26 سبتمبر وحتى اليوم , يعاني من ارتدادات أكثر منه تحولات بنيوية , مما يجعل الرواية انعكاساً لهذه الارتدادات والتشوهات , فتصبح الرواية "الجديدة " ليست تعبيراً عن الجديد وإنما توافقاً مع أزمات السياسة والمجتمع .

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
6 + 13 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.