ثقافة التسول في اليمن
الكرامة والعزة بالنفس والحرية لا تولد بشكل فطري, فعندما يجد الانسان نفسه في اسرة مستعبدة مثلاً فإنه يعتقد أن ذلك قدره, ويتقبله غالباً برحابة صدر.
تلك الصفات تُكتسب من البيئة المحيطة بالإنسان, ابتداءً بالأسرة ومن ثم المجتمع, لذلك نلحظ أن هناك فرقاً بين الأفراد وبين حتى الشعوب في مدى تمسكهم واعتزازهم بتلك الصفات تبعاً للثقافة الاجتماعية السائدة.
كنت مع الاستاذ علي الصراري قبل أيام, نتجول بالسيارة وتوقفنا لتناول طعام الغداء, وطلب مني أحد الاخوة الصوماليين أن يقوم بغسل سيارتي, فقلت له لا داعي, فطلب منه علي الصراري أن يغسلها, وبعد أن عدنا الى السيارة قرر الصراري ان يدفع الحساب بنفسه, سلم للشابين مبلغ ألف ريال, فقلت له هذا كثير, فقال لي أنا أحب الصوماليين لأن عندهم عزة نفس ولا يلجؤون الى التسول, بل يعملون في أي مهنة, وهؤلاء شباب في عمر الزهور قذفت بهم الحروب الى تلك الظروف.
لاحظت أن كلام الصراري عن الصوماليين صحيح, بعكس الكثير من اليمنيين, الذين نجد العشرات منهم في الجولات, كما أننا بدأنا نُصدر متسولين الى الدول المجاورة, مما جعل الكثير من المواطنين بل والسلطات في تلك الدول تنظر باحتقار الى اليمنيين وتعاملهم بشكل غير لائق, واذكر كيف تم التعامل مع الأديبة والروائية اليمنية بشرى المقطري في أحد مطارات تلك الدول بعد عودتها قبل شهر تقريباً من استلام جائزة عالمية, أذكر ذلك وأسأل نفسي اذا تعاملوا مع بشرى بتلك الطريقة وهي تحمل كل تلك الجوائز, فكيف يتعاملون مع المواطن العادي؟
وبدأت أبحث في الأسباب التي أدت بنا كيمنيين الى تقبل تلك الأوضاع وعدم الانتفاض ضدها والبحث من مسبباتها ومحاولة علاج تلك المشكلة, كما عالج العُمانيون نفس المشكلة مع تولي السلطان قابوس حكم البلاد.
يجب أن نعترف أن هناك " ثقافة تسول " في اليمن وليست حالات فردية أو أنها نتيجة عن أوضاع معيشية, فأغلب المسؤولين والمشايخ بل وحتى السياسيين لديهم مرتبات من الشقيقة السعودية, ومن قطر مؤخراً, وبدأت ايران تتجه الى تلك الطريقة تماشياً مع ثقافة التسول اليمنية.
عندما يعترف كبار المشايخ والنافذين والسياسيين أنهم يتلقون مرتبات من اللجنة الخاصة السعودية أو من غيرها دون أن يخجلوا من ذلك, فان تلك مشكلة اجتماعية يجب أن نتوقف عندها, بل ونكلف الباحثين بدراستها خصوصاً أنها بدأت تتحول الى ظاهرة.
استغرب من سلطات البلدية عندما تقوم بحملات ضد بعض المتسولين في الجولات في الوقت الذي يستلم فيه رئيس الدولة السابق مرتب الى اليوم من السعودية, ومعه كبار مشايخ البلاد والنافذين المدنيين والعسكريين, اليس هؤلاء أولى بحملة البلدية.
عندما يسافر أغلب المسؤولين الرسميين في بلادنا الى الخارج, ابتداءً من رئيس الدولة الى وكيل الوزارة, فإنه يطلق صيحات الاستغاثة والتسول وهو لا يزال في مطار صنعاء, يعلن أنه ذاهب في مهمة "شحت وطنية" و "تسول دولي", فلا يوجد في ملف المباحثات الا بند التسول ويقابله ملف "الأوامر" من صاحب اليد العليا.
ثقافة التسول تدفع الكثير من الجهات الرسمية الى اطلاق الكثير من التهم ضد بعض الدول بانها تُرسل بواخر اسلحة وتنشئ خلايا تجسس وغيرها من التهم, وكل ذلك من أجل دعم حملة التسول الرسمية في دول الخليج وغيرها, أصبحت تدار علاقاتنا الدولية بابتذال للأسف الشديد, ونُدخل انفسنا في صراعات ليس لنا علاقة بها.
التصريحات "التسولية" - تتهم دولاً أجنبية وأطرافاً داخلية بالكثير من الجرائم الغير منطقية في أحيان كثيرة - التي تطلق من الأجهزة الرسمية أو من الشخصيات السياسية المجهولة لبعض الصحف الخليجية كل اسبوع تقريباً, بعد أن كانت سنوية أيام علي صالح, وشهرية في بداية عهد هادي.
انه لمن المخجل أن يصدر تصريح من وزارة الداخلية تعلن فيه انه تم ضبط سفينة ايرانية " جيهان 2 " وبعد ساعات يصدر تكذيب لذلك الخبر, ليس لأن ضميرهم استيقظ, لكن لأن صياغة الخبر فضيحة في حد ذاتها, فهل يعقل أن ترسل ايران السفينة الثانية أثناء التحقيق مع طاقم السفينة الأولى؟ وهل يعقل أن لا تجد ايران الا اسم " جيهان " لتطلقه على السفينة ؟ ومن ثم تضيف اليه رقم "2 " لتميز بين السفينتين, دائماً ما نسمع عن تصريح لمصدر مسؤول, لكن التصريح وصيغته تدل على أنه غالباً مصدر "مصطول".
ثقافة التسول لم تعد مشكلة بل أصبحت ظاهرة يجب علينا الاعتراف بها ومعالجتها, حتى يصبح عند مسؤولينا ومشايخنا ونافذينا كرامة ككرامة اللاجئين الصوماليين, فاذا لم يتغير هؤلاء الذين يملك بعضهم المليارات, فكيف يمكننا تغيير تلك الثقافة لدى الطبقة الكادحة.
" اذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص"
- قرأت 396 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ