فشــــــــــــل مُدَبَّـــــــــــــــل

معالي وزير الكهرباء الدكتور صالح سميع لا يكتفي فقط بكونه وزيراً لا يؤدي مهمته في وزارته، بل يتم تكليفه بمهام حكومية أخرى في ظل عدم قيامه بمهمته الحكومية الأساسية!
بينما كانت العاصمة صنعاء وأغلب المدن الأخرى تغرق في الظلام خلال الأيام الماضية في ظل انقطاع شبه دائم لخدمة الكهرباء جراء الإعتداءات على محطات توليد الطاقة وخطوط النقل، بماذا كان وزير الكهرباء مشغولاً يا ترى؟ لم يكن مشغولا بإعادة الخدمة الحيوية إلينا طبعاً، بل بأداء مهمته داخل اللجنة الوزارية المكلفة بتقصي حقائق أحداث العنف التي شهدتها محافظة حضرموت على خلفية أحداث 21 فبراير الدامية في عدن! وكيف أدى مهمته الثانوية هذه يا ترى؟
الإثنين الماضي، اجتمع أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة بتقصي حقائق أحداث حضرموت في لقاء خصص لمناقشة التقارير المنفردة التي قدمها كل عضو في اللجنة على حِدة بهدف العمل على ضمها في تقرير نهائي واحد لتقديمها إلى جلسة مجلس الوزراء الدورية التي انعقدت اليوم التالي لذلك اللقاء، بحسب ما نشرته صحيفة "الأولى" الثلاثاء نفسه. وقد قدم سميع تقريره الأولي مثل البقية، لكنه أثار مشكلة داخل اللقاء.
الوزير الذي يقود وزارة غارقة في المشاكل كان قد قام بتسريب مقتطفات من تقريره الأولي الخاص لبعض وسائل الإعلام باعتبار أن هذه المقتطفات هي التقرير النهائي للجنة، وقد احتج بعض الوزراء الأعضاء في اللجنة على هذا التصرف داخل اللقاء معتبرين أن تلك الفقرات المنشورة والمسربة هي وجهة نظر عضو واحد في اللجنة (سميع)، بحسب الصحيفة.
صالح سميع يذهب إلى حضرموت في مهمة تقصي حقائق لأحداث العنف هناك ويعود إلى صنعاء لكي يعد تقريرا أوليا يحمل تقييمه الخاص لتلك الأحداث! أَلَمْ يكن الأحرى به أن يذهب إلى "مأرب" و"نهم" من أجل تقصي الحقائق بشأن مسألة الإعتداءات المستمرة على الكهرباء والخروج بمشروع حل لهذه الكارثة المستمرة في التفاقم؟ إن هذا يأتي في صلب مهمته كوزير الكهرباء، وهي مهمة يتعين على سميع تحديدا انجازها نظراً لأنه تولى قيادة وزارة الكهرباء تحت مبرر أن لديه علاقات قبلية واسعة في المناطق التي تشهد اعتداءات على الكهرباء يمكن استثمارها في وضع حد لهذه الاعتداءات المستمرة بل والمتصاعدة.
لكن، وفيما كنا نمر خلال الأيام الماضية بواحدة من أسوأ لحظات انقطاع الكهرباء منذ بدء المرحلة الإنتقالية قبل أكثر من عام، لم يبدر عن سميع أي تصرف مسؤول يعكس أدنى شعور لديه بالمسئولية ولم نسمع منه حتى تصريحا واحدا يحاول فيه أن يعبر عن إهتمامه، في حدود علمي على الأقل. بدلاً من ذلك، كان المسئول الحكومي الأول عن توفير خدمة الكهرباء للشعب مشغولا بمهمة أخرى أعتقد أن من الســفَه والعَتَه تكليفه بها ليس في ظل فشله وتقصيره في حل كارثة الكهرباء فحسب، وإنما حتى لو كان صاحب سجل ناجح في وضع حلول لهذه الكارثة!
وكيف يمكن أن يقوم وزير كهرباء فاشل مثل سميع بمهمة إضافية كمهمة تقصي حقائق أحداث العنف في حضرموت؟ يتحايل ويلتف على زملائه الوزراء في الحكومة واللجنة ويقوم بـ"تسريب" تقريره الأولي الخاص الذي يحمل وجهة نظره المتعلقة بأحداث حضرموت لوسائل الإعلام (المحسوبة على تياره السياسي) باعتباره تقرير اللجنة الوزارية في صيغته النهائية، وقد فعل هذا قبل انعقاد اللقاء المخصص للخروج بصيغة نهائية! وهكذا، قدم الرجل مثالا على الفشل المزدوج، فشله كوزير كهرباء وفشله كعضو لجنة وزارية مكلفة بتقصي الحقائق، أو مثالا على الفشل المُدَّبَـل، بعبارة أخرى.
يا دكتور صالح، نحن لا نريد منك أن "تُسَـرِّب" لنا معلومات صحفية تعزز وجهة نظرك حول أحداث حضرموت أو أحداث كوكب المريخ. كل ما نريده منك هو أن "تسـرِّب" الكهرباء إلى بيوتنا ومدننا. فمهمتك لا تتمثل في "تسليط الضوء" على حقائق وأسرار أحداث العنف في حضرموت أو أي منطقة أخرى، بل في "تسليط الضوء" على حياتنا اليومية. غير أنك كما يبدو لا تسمع، ويبدو أنك لا تفهم أيضاً للأسف.
الفشل المُدَبَّل لدى سميع يتمثل في أنه وزير كهرباء فاشل وعضو لجنة تقصي حقائق فاشل لأحداث عنف أمنية وسياسية. ويبدو أن هذا الفشل المدبل ثمرة شخصيته الوظيفية المُدَبَّلة أصلا، فهو أتى إلى الوزارة من الأمن.
وعليه، أعتبر هذا المقال بلاغا عن حالة إزدواج وظيفي، وأدعو وزارة الخدمة المدنية أن تطبق على هذه الحالة التي يمثلها صالح سميع نظام البصمة. كما أدعو صالح سميع نفسه أن يترك الجنوب وأحداثه مع الحراك الجنوبي المطالب بفك الإرتباط جانبا وينشغل بحل مشكلة الإزدواج الذي يعاني منه، إنه بحاجة ماسة لأن يقوم بعملية فك ارتباط ذاتية داخل شخصيته ووظيفته، عليه أن يفك الإرتباط بين شطره الوزاري وشطره الأمني ويكتفي بأحدهما، عليه أن يكتفي بفشل واحد بدلا من "التمتع" بفشلين.
"صاحب المِهْرَتَيْن كذَّاب"، إذا كان هذا المثل الدارج في اليمن قد عرّف من يظن أن بإمكانه القيام بـ"مِهْرَتَيْن" معا ككذاب، فبماذا سنعرف صاحب ثلاث "مِهَـر" وربما أكثر مثل صالح سميع الذي- الى جانب مهرتيه كوزير وكرجل أمن- يتمتع بـ"مهرة" أو درجة أستاذ في كلية الشريعة والقانون؟!

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
5 + 8 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.