خلود الشهداء

الشهيد وقف بوجه العدو بكل شموخ وانتصر للحق في وجه الباطل وضحى بروحه لتحيى الأمة ولا ينحصر عمل الشهيد في هذا فقط فدم الشهيد لا يذهب هدرا دم الشهيد لا يراق على الأرض ليضيع بين ترابها .. كل قطرة من دم الشهيد تتحول إلى آلاف القطرات بل إلى بحر من الدماء يدخل إلى جسد الأمة ليبعث فيه الحياة العزيزة الكريمة .. كل قطرة تتحول إلى مسك يوم يبعث بين يدي الله ومن هنا قال الرسول ( صلوات الله عليه وعلى آله) ((ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دم في سبيل الله)) الشهادة بعث لجسد الأمة بدم جديد والشهداء يضخون في شرايين المجتمع دما جديدا ولذلك يقول الإمام علي ( عليه السلام) (( إن أكرم الموت القتل والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش في غير طاعة الله )) . الشهيد يسجل بدمه ملحمة يحيى بها روح العزة والحماس في مجتمع ماتت فيه روح الحماسة والعزة وخاصة العزة الإلهية. ولهذا فالإسلام بحاجة دوما إلى دماء الشهداء . ومن يريدون إسلاماً وديناً لا يكون فيه جهاد, لا يكون فيه شهادة, لا يُقدم فيه الشهداء, لا يكون فيه تضحيات, لا يكون فيه مواقف, لا يكون فيه مسؤولية, لا يكون فيه بذل وعطاء إلى هذا المستوى من البذل والعطاء هم بعيدون, بعيدون يجدون أنفسهم بعيدين عن القرآن الكريم.
الشهيد يخلد دمه في المجتمع عن طريق الدم الجديد الخالد الذي يهبه شرايين المجتمع وبعبارة أخرى يكتسب الشهيد صفة الخلود عن طريق تقديم كل وجوده وحياته .
وما يهيأ الإنسان - أيها الإخوة الأعزاء - أن يكون على هذا المستوى من البذل والتضحية والعطاء, وأن يكون مستعداً للرحيل من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى, إلى لقاء الله سبحانه وتعالى, مستشعراً قرب لقاء الله في كل وقت هو الكثير من القيم, زكاء في النفس, طهارة في القلب, استقامة في السلوك, أمل في الله, رجاء فيما عند الله, رغبة فيما عند الله, تطلُّع إلى ما عند الله, وتحرر من توجه النفس بشهوات هذه الحياة ورغبات هذه الحياة, وإيثار لما عند الله فوق كل ذلك, وهذه القيم والتي منها أيضاً الإباء والشجاعة والشهامة والمعروف.
إن الشهداء هم سادة الأمة وكبارها وشرفها وعزتها ولو فقد مجتمعنا هذه النوعية من الرجال الذين لديهم الاستعداد أن يبذلوا أنفسهم, الذين لديهم الاستعداد أن يواجهوا العدو مهما كان جبروته, مهما كانت قوته, مهما كانت إمكانياته, لديهم الاستعداد أن يقدموا أنفسهم في سبيل الله, لو لم يكن لمجتمعنا هذه النوعية من الرجال لكان مجتمعاً هيناً وذليلاً ومستعبداً.
يجب أن نعرف جميعاً أن هذه النوعية من الرجال, من الشهداء, ومن الحاضرين والجاهزين والقائمين الذين هم في كل لحظة, في كل وقت على استعداد تام أن يقدموا أنفسهم ليلحقوا بركب الشهداء وبقافلة الشهداء, هذه النوعية من الرجال هي ذخر للأمة, وهي عز للمستضعفين, وبها يدفع الله عن عباده المستضعفين استعباد الطغاة, وهيمنة الطغاة, والكثير من الظلم والهوان والإذلال.
الشهداء قد وفقهم الله وتقبلهم الله عنده, تقبلهم وجعل من تضحياتهم سبباً للنصر وسبباً للعزة, وسبباً لقوة المستضعفين, وسبباً لتحرر المستضعفين من هيمنة الطغاة.
الشهيد قد حقق بشهادته نصرين: نصر على المستوى الشخصي, ونصر للقضية التي ضحى من أجلها وما أجمل ما قاله السيد حسين (رضوان الله تعالى عليه) وهو يخاطب الشهيد بقوله:
ربما قد يكون مكتوب لك أن تكون من الشهداء، هذا هو النصر الشخصي، النصر الشخصي بالنسبة لك حتى لو لم تكتمل المسيرة، أو جُبن الآخرون من ورائك، أما أنت فقد حققت النصر، قمت بالعمل الذي يراد منك أن تقوم به، وبذلت كل ما بإمكانك أن تبذله، فأنت قد نصرت القضية على أعلى مستوى، وتحقق لك النصر، أوليس نصراً عظيماً أن تكتب عند الله من الشهداء الذين قال عنهم: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (آل عمران:169 - 170) أليس هذا هو نصر؟.
ثم يؤكد بأن الحصول على رضى الله يجب أن يكون هو الغاية لدى المؤمن وهو في مسيرته الجهادية فيقول:
المؤمن هدفه هو أن يحصل على رضى الله، وأن يكسب رضى الله، وأن يكون في أعماله ما يحقق رضا الله، وأن النصر الذي يريده، النصر الذي ينشده هو نصر القضية التي يتحرك من أجلها، هي تلك القضية التي تتطلب منه أن يبذل نفسه وماله، فإذا كان مطلوب منك أن تبذل نفسك ومالك فهل ذلك يعني بالنسبة لك نصراً مادياً شخصياً؟ الذي يبذل ماله ونفسه فيقتل في سبيل الله، هل حصل نصر مادي له شخصي؟ هو انتصر للقضية، هو حصل على الغاية التي ينشدها، حتى وإن كان صريعاً فوق الرمضاء، ألم يصبح شهيداً؟ حظي بتلك الكرامة العظيمة التي وعد الله بها الشهداء، دمه ودم أمثاله، روحه وروح أمثاله، أليست هي الوسيلة المهمة لتحقيق النصر للقضية؟.
المؤمن لا ينظر إلى نفسه، النصر الشخصي، المقصد الشخصي، قضيته الخاصة، خِطته المعينة، موقفه الخاص. المسيرة هي المسيرة الطويلة: العمل على إعلاء كلمة الله، النصر لدين الله, في هذه المرة أو في المرة الثانية أو في المرة الثالثة، إن لم يكن على يديك أنت فقد يكون على يد آخرين ممن هيأتهم أنت، وهكذا.. حتى تنتصر، ولا بد أن يتحقق النصر.

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
4 + 6 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.