السعودية وخصومتها مع التغيير
في عام 1934م قبلت المملكة بانضمام الادريسي إليها شرط إبقائه في حكم عسير ونجران وبعض تهامه ،لكنها سرعان ما غدرت به ،ثم باشرت بحرب ضد الإمام يحي الذي بدأ يسترد انفاسه من ضربات الطائرات البريطانية أواخر العشرينات ،والتي ترتب عليها سقوط الضالع وغيرها من المحميات التي كان الإمام يحي قد قام باستردادها مع انسحاب الأتراك من اليمن بسبب هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى ...وبسبب حذر الإمام يحي من التدخلات والأحلاف الخارجية ،كانت السعودية بحلفها مع بريطانيا قد أصابت المملكة المتوكلية بهزيمة فرضت على الإمام القبول باتفاقية الطائف ،والاعتراف بسيطرة السعودية على نجران وعسير وجيزان ...وفي نفس العام قامت بريطانيا بشن حرب جديدة ضد المملكة المتوكلية لإجبارها على عقد اتفاقية تعترف فيها المملكة المتوكلية بالحدود الشطرية التي وقعتها الدولة العثمانية مع بريطانيا ،لكن الإمام قبل بعقد هدنة مع بريطانيا ،واستمر في رفضه الاعتراف بحدود شطرية من صنع الانجليز والعثمانيين ،وكان وقتها لسان حال اليمنيين ،أن العثمانيين أعطو ا ما لا يملكون لمن لا يستحق !
لم تتوقف مطامع السعودية في الجغرافية اليمنية ،واستمر هدفها في إضعاف الدولة في اليمن ،ففي حركة 1948م كانت السعودية قد اغرت قيادات الحركة على الثورة ضد الإمام يحي ،وكان هدفها أضعاف الدولة ،حتى لا تقوى على تغيير بنود اتفاقية الطائف ،والمطالبة باسترداد الأراضي اليمنية ،وتحقق لها هدفها حين سقطت اليمن في نزيف دم ،ودولة تتأجج فيها الصراعات حتى وصل الأمر بنقل التناقضات إلى داخل بيت حميد الدين ،وتجلى ذلك في انقلاب 1955م ...وحين قامت ثورة 26سبتمبر 1962م ،كان موقف الأمير فيصل قد وصل للكثير من الأحرار عام 1960 م ومنهم القاضي عبد الرحمن الإرياني ،مفاده "أن المملكة السعودية لن تقبل بتغيير يؤدي إلى إعلان جمهورية ،وأنها -أي المملكة مستعدة للحرب حتى النهاية "ويبدو أن السعودية كانت واضحة مع هدفها المعلن ،فقد استمرت بالحرب طيلة 8سنوات ،فهي بالرغم من اسقاطها للرئيس السلال ،فقد واصلت دعمها للملكيين من أجل اسقاط صنعاء ،في حصار السبعين يوما ،وحين عجزت عن اسقاط صنعاء بجحافل الملكيين نجحت بجحافل القوى التقليدية الممثلة بقوى "مؤتمر خمر "وكان تنسيقها معهم لتصفية الجيش من اليسار ،فكان لها ما أرادت ،وبعدها بدأت معركتها مع الجمهوريين المحافظين ،فتخلصت من العمري ثم وصل الأمر بها إلى إسقاط الرئيس الإرياني من خلال حركة 13 يونيو 1974م ...لكن السعودية وجدت نفسها وقد سخر بها الرئيس إبراهيم الحمدي حين تذاكى عليها ،وأضمر تحقيق التغيير بما يؤدي إلى بناء الدولة المركزية ،من بناء جيش على أسس وطنية ،وتحقيق التنمية ،وتحقيق الوحدة اليمنية ،والطلب من السعودية عبر القاضي الحجري بتوقيف اعتماداتها للمشايخ ...الخ كل ذلك جعل السعودية ترتب لانقلاب يعكس درجة الغل لدى المملكة من رجل توهمته بأنه رجلها فخدعها وبدأ في الشروع نحو بناء اليمن الحديث ،لهذا كان مقتله بتلك الطريقة التي تفتقر لأدنى الأخلاق ...
في عام 90م كان التحول في اليمن مقلقا للسعودية ،لهذا سعت لدعم الأفرقاء ،وصولا إلى حرب 94م ...وفي ثورة الشباب 2011م كانت المملكة جاهزة بصياغة التسوية بطريقة تجعل الفرقاء في حالة ضعف ،واحتياج وتسليم دائم بالقرار السعودي ،فثلما صاغت المصالحة الملكية الجمهورية عام 70م بما يعيق بناء الدولة -جاءت التسوية عام 2011م لتجعل الدولة في حدها الأدنى حلما ثوريا !
لقد استطاعت السعودية أن تحتوي ساحة الستين والسبعين ،وأن تجعل من الضعف سمة للمتحاربين والمتحاورين ،ولكي تحقق هدفها في الغاء فكرة التغيير نحو بناء دولة سيادية بكل مقوماتها في التنمية والجيش والوحدة ،تلوح بعصا المغتربين ،إلى جوار قواها التقليدية ،كي يكون الحوار ليس أكثر من تعارف يطول أمده ،وتوصيات تظل أماني مستقبلية ،لكن الحاضر المعاش والمنظور يظل مسيطرا عليه أكان ذلك في الساحات ،أو التسويات أو الحوار ...العنصر الوحيد الذي يمكن لقوى الحداثة أن تراهن عليه ،هو التباين بين رغبات المملكة السعودية ،وبين الإرادة الدولية الراغبة بالاستقرار وتأسيس دولة تؤدي وظائفها بما يحقق هذا الاستقرار ..
- قرأت 640 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ