تـحولات الــثــــقافـــــة الحـــــوثيـــــة من الــحرب إلى الحــوار : عبد الله صبري
ليست الحوثية مذهباً دينياً، أو حزباً سياسياً، أو حتى تنظيماً مسلحاً مجرداً، حتى نغوص بسهولة في عمق عقيدة الجماعة و تحليل أبعادها، و لكنها خليط من هذا كله، إذ تكونت الجماعة في ظل المظلومية التي تعرضت لها الزيدية في شمال اليمن، ثم سرعان ما تحولت إلى تنظيم مسلح في مواجهة الحروب الستة التي شنها النظام السابق على صعدة.
وفي تحول مفاجئ انظم الحوثيون إلى ساحات الثورة الشعبية التي انطلقت في فبراير 2011، وبرغم معارضتهم للمبادرة الخليجية و للتسوية السياسية التي انبثقت عنها، فقد انخرطوا في مؤتمر الحوا الوطني كأحد مكوناته الرئيسية و غدا رئيس المجلس السياسي لأنصار الله نائباً لرئيس مؤتمر الحوار.
على مدى عشر سنوات تقريباً كان على جماعة الحوثي أن تعيش جملة من التحولات التي صبغت فكرها و ثقافتها، و أثرت على العلاقات الداخلية التي نسجتها مع مختلف القوى السياسية و الإجتماعية، في ظل اتهامات متوالية من داخل و خارج النظام السابق تؤكد تبعية الجماعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتلقيها دعماً من مؤسسات شيعية في لبنان و عدد من دول الخليج وبالذات الكويت و البحرين.
في البدء حاول مؤسس الجماعة السيد حسين بدر الدين الحوثي استنهاض الزيدية، عبر تربية بعض شبابها في صعدة على ثقافة المقاومة للظلم الداخلي و للاستكبار العالمي ممثلاً في هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية. و أراد حسين الحوثي للزيدية أن تخرج من إطارها التقليدي و من طابعها المهادن للنظام السابق، الذي عمل على محاصرة الزيدية مذهباً و ثقافة، في مقابل تسهيل نشر الوهابية السلفية المدعومة أنشطتها من قبل الجارة السعودية و عدد من الدول الخليجية.
في سبيل هذا الهدف وجد حسين الحوثي في الثورة الإيرانية و في سيرة الإمام الخميني كما في تجربة حزب الله اللبناني، نموذجاً يمكن استلهام دروسه المشفوعة بالعزة و الكرامة و إثبات الذات. و ساعده على ذلك أن الزيدية كمذهب شيعي، قريبة إلى نهج الثورة و المقاومة، بل وسباقة في هذا المضمار، حيث أن الإمام بشروط الزيدية يجب أن يكون محارباً، وعرف عن الزيدية أنها مذهب الخروج المسلح على الإمام الظالم، وقد كان زيد بن علي عليه السلام أول من اقتفى أثر جده الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، على درب الشهادة في سبيل إصلاح أمر أمة محمد، و الحد من طغيان و استبداد الأنظمة الحاكمة.
في الزمن المعاصر جاءت الثورة الإيرانية بقيادة روح الله الإمام الخميني الموسوي، فكانت منعطفاً في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث برزت إيران كمحور دولي تتعزز قوته يوماً بعد يوم. وعلى صلة بهذه الثورة، جاء حزب الله كمقاومة إسلامية جلبت النصر و العزة للأمة العربية و الإسلامية في وجه العدو الصهيوني.
غير أن الوضع العربي خارج نجاح المقاومة، كان – و لا يزال – يثير الحسرة و الألم في شتى المناحي، بلغ ذروته مع الاحتلال الأمريكي للعراق، وهي الحالة التي وجد فيها حسين الحوثي فرصته لاستنهاض الزيدية و عموم اليمنيين محذراً من خطر الاحتلال الأمريكي لليمن تحت مبرر مكافحة الإرهاب.
كان لافتاً أن حسين الحوثي ذو الخلفية الزيدية الشيعية كان مستنكرا استهداف الإسلاميين ذو الخلفية السنية السلفية من قبل واشنطن و من معها في الحرب على الإرهاب، وسجلت محاضراته مواقف دفاعية عن الشيخ عبد المجيد الزنداني ( قيادي إخواني سلفي )، ضد الاتهامات الأمريكية.
و انطلاقا من مواقفه المناهضة لسياسات البيت الأبيض، دعا الحوثي تلاميذه في محافظة صعدة المحاددة للسعودية، إلى إطلاق الصرخة ضد اسرائيل و أمريكا: الله أكبر. الموت لأمريكا. الموت لإسرائيل. اللعنة على اليهود. النصر للإسلام.
عمل الحوثي ابتداءً على نزع " الخوف" و" التردد " من قلوب الشباب من حوله، متسائلاً: هل نحن نُحِسّ بخوف في أعماق نفوسنا؟وخوف ممن؟. بالطبع قد يكون الكثير يحسون بخوف أن نجتمع لنتحدث عن أمريكا وعن إسرائيل وعن اليهود وعن النصارى, ولكن ممن نخاف؟. هل أحد منكم يخاف من أمريكا؟. لا. هل أحد منكم يخاف من إسرائيل؟
ثم يستطرد:
ممن تشعر بأنك تخاف منه؟. من هو الذي تشعر بأنك تخاف منه؟. عندما تتحدث عن أمريكا، عندما تتحدث عن إسرائيل، عندما تلعن اليهود والنصارى، إذا شعرنا في أعماق أنفسنا بأننا نخاف الدولة فإننا نشهد في أعماق أنفسنا على أن هؤلاء ، هم أولياء لليهود والنصارى!!!
وكتوضيح أكثر يخاطب الحوثي السلطات وأجهزتها :إذا كنتم لا تريدون من خلال ما تعرضون أن نصرخ في وجه أولئك الذين يصنعون بأبناء الإسلام ما تعرضونه أنتم علينا في وسائل إعلامكم، فإنكم إنما تخدمون اليهود والنصارى وتخدمون أمريكا وإسرائيل بما تعرضون لأنكم إنما تريدون حينئذٍ بما تعرضون أن تعززوا في نفوس أبناء الإسلام في نفوس المسلمين الهزيمة والإحباط والشعور باليأس والشعور بالضَّعَة .
إذن، فالبراءة من اليهود والنصارى ومن والاهم، هي المقدمة الأولى للصرخة الحوثية، وإطلاق شعارهم المعروف فيه محاكاة لتجربة الثورة الإسلامية في إيران، و لا يتردد حسين الحوثي عن توافقه مع دعوة الإمام الخميني للبراءة من أمريكا وإسرائيل، خصوصاً في موسم الحج:
" الذي عرف الحج بمعناه القرآني، هو من عرف كيف يتعامل مع الحج فوجه – أي الإمام الخميني- الإيرانيين إلى أن يرفعوا شعار البراءة من أمريكا، البراءة من المشركين، البراءة من إسرائيل، ونحن هنا كنا نقول: لماذا يعمل هؤلاء، ولم ندرِ بأن أول عَمَلٍ لتحويل الحج إلى حج إسلامي تَصَدَّر ببراءة ٍقرأها الإمام علي (عليه السلام) ـ إمامُنا ـ العشر الآيات الأولى من سورة براءة هي بداية تحويل الحج إلى حج إسلامي ".
اعتمد الحوثي على البراءة من المشركين ليطلب من أتباعه موقفاً واضحاً: ترديد الشعار بعد صلاة الجمعة " حتى نرضي الله سبحانه وتعالى عنا ... و يعرف الأمريكيون أن هناك من يكرههم و يسخط عليهم " .
ولأن " الحوثية " صرخة في وجه الاستكبار العالمي، وشكلاً من أشكال المقاومة ، فقد حاول مؤسسها تفكيك مفهوم الإرهاب كمصطلح غربي يستهدف إذلال المسلمين و تشويه صورة معتقدهم، فرأى حسين الحوثي أن الجهاد بمفهومه القرآني هو الإرهاب رقم واحد من وجهة نظر أمريكا.
أما أحداث سبتمبر وقصة أسامة بن لادن وطالبان ، فهي من وجهة النظر الحوثية مجرد تمثيلية، فقد يكون ما حدث في نيويورك من صنع المخابرات الأمريكية، لصنع الأجواء والمبررات لضرب الشيعة الذين يشكلون خطرا حقيقياً على أمريكا.
فاليهود – بنظر حسين الحوثي- يعرفون بأن السنة لا يشكلون أي خطر عليهم. ومستنده في ذلك أن زعماء العالم الإسلامي – وجلهم من السنة- لا يحركون ساكناً!!
أما خلفية الموقف، فتعود في نظر الحوثي إلى (علماء السوء أو مؤرخي السوء الذين عملوا على تَدْجِيْنِ الأمة بقولهم: يجب طاعة الظالم ، ولا يجوز الخروج عليه).
( وكما كنتم تقولون لنا أسكتوا لا ترفعوا كلمة ضد هذا الخليفة أو هذا الرئيس ، أو ذلك الملك أو هذا الزعيم. هم اليوم يقولون لنا: اسكتوا لا تتحدثوا ضد أمريكا وضد إسرائيل.)
من هذا المنطلق يرى الحوثي في رفع الشعار عملاً عظيماً فيه مرضاة الله و مواجهة المنافقين وأهل الباطل.
ولكي يستحث أنصاره على التمسك بالشعار، يصوب الحوثي الأنظار إلى البحار و مختلف بقاع الدنيا حيث ( نرى اليهود والنصارى مقاتلين يحملون أسلحتهم، طائراتهم، دباباتهم، قواعدهم العسكرية برية وبحرية ،فرقاً من الجنود من أمريكا ومن ألمانيا ومن فرنسا وأسبانيا وكندا و مختلف بلدان العالم الغربي هم من ينطلقون فاتحين ،هم من يتحركون ويحملون أسلحتهم في مختلف بقاع الدنيا).
وإذ لا يستسيغ الحوثي هذا الواقع المرير، فإنه يتساءل عن دور العرب كخير أمة أخرجت للناس، كما جاء في القرآن الكريم، ويخلص بمرارة إلى أن أمة العرب قد تخلت عن الرسالة والسيادة ، وفشلت في الاستفادة من موقعها الجغرافي المهم ومن خيرات البترول: العرب ضيعوا كل هذا فكان ما يحصل في الدنيا هذه من فسادٍ العربُ مسئولون عنه، لو استجبنا – يقصد العرب- وعرفنا الشرف الذي منحنا إياه ،الوسام العظيم الذي قلدنا به{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران: من الآية110) لو تحركنا على هذا الأساس ، لكان العرب هم الأمة المهيمنة على الأمم كلها، ولاستطاعوا أن يصلوا بنور الإسلام إلى الدنيا كلها(.....) فالعرب هم من كان يُراد منهم أن يتحملوا مسئوليتهم التي هي شرف عظيم لهم كما قال الله في القرآن الكريم:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} شرف عظيم لك و لقومك { وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} (الزخرف:44) سوف تسألون عن هذا الشرف الذي قلدناكم إياه ثم أضعتموه..عندما أضاع العرب مسئوليتهم تمكن اليهود.
استجاب تلاميذ الحوثي للصرخة فرددوها في اجتماعاتهم، و في جوامع صعدة، وصولاً إلى الجامع الكبير بصنعاء، حيث بدأت الصرخة كل يوم جمعة. و في المقابل عمدت الأجهزة الأمنية إلى اعتقال كل من يطلق الصرخة في العاصمة صنعاء، قبل أن يشن عليهم النظام الحروب الستة، التي قتل في جولتها الأولى حسين الحوثي، لتنتقل قيادة الجماعة إلى أخيه عبدالملك بدر الدين الحوثي.
هكذا تشكل البعد الجهادي لجماعة الحوثي، فأضطروا إلى ملازمة السلاح في حروبهم مع الجيش، و في بعض مواجهاتهم مع القبائل و المليشيات المسلحة المسنودة من نظام صنعاء أو المدعومة من الرياض. و باتت و سائل الإعلام تتحدث عن جماعة الحوثي كتنظيم مسلح يحاكي حزب الله الذي تصدى للعدو الصهيوني مستلهماً حرب العصابات, وكذلك فعل الحوثيون.
مزج الحوثيون بين حالة الحرب التي فرضت عليهم و بين ثقافتهم الدينية و مقاومتهم الفكرية للهيمنة الأمريكية في المنطقة، فتمسكوا بالشعار/ الصرخة، مؤكدين على مساندة المستضعفين و حقهم في نشر فكرهم ومذهبهم، و تمكينهم من ممارسة أنشطتهم العقائدية و الثقافية و السياسية أيضاً.
و عندما قامت الثورة الشعبية اليمنية في 11 فبراير 2011، سارع الحوثيون للالتحاق بساحات الثورة، و انخرطوا مع الشباب في مسيرات سلمية في كثير من المحافظات، ووجدوا في هذا المناخ الجديد فرصة لنشر ثقافتهم و شعارهم بعيداً عن السلاح و ميادين الصراع بالعنف إلا في بعض المناطق التي وجدوا أنفسهم مضطرين فيها للمواجهة المسلحة.
و من خلال التفاعل مع الساحات الثورية، بات على الحوثيين تقديم رؤاهم السياسية بشأن الدولة الجديدة، فأعلنوا في أكثر من موقف عن دعمهم للدولة المدنية الديمقراطية، مطالبين بالحرية الدينية، و بتعزيز الجبهة الداخلية لليمن من خلال التصدي للتدخل الخارجي و انتهاك سيادة الأراضي اليمنية من خلال سلاح الجو الأمريكي الذي باشر العدوان على اليمن بشكل مفرط بذريعة ملاحقة عناصر تنظيم القاعدة، و بتواطؤ النظام اليمني.
أعلن الحوثيون في ظل الثورة عن تسمية جديدة للجماعة باسم " أنصار الله "، كما شكلوا مجلساً سياسياً، و أعلنوا مشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني القائم في اليمن، و أصبحوا مكونا رئيساً من مكوناته، و جرى تعيين رئيس المجلس السياسي لأنصار الله صالح هبرة نائباً لرئيس المؤتمر.
و اليوم، فإن مستقبل " أنصار الله " رهن نجاح مؤتمر الحوار الوطني، و إمكانية تحول الجماعة إلى حزب سياسي، و هو ما يعني أن ثقافة و عقيدة الجماعة ليست جامدة على النحو الذي عرفت به خلال انطلاقتها الأولى.
- قرأت 1004 مرات
- Send by email
أضف تعليقاَ