ألمتغير الكبير في مصر والموقف السعودي
أ/ محمد المنصور
ما يجري في مصر وما يراد لمصر خارجيا وما تفصح عنه المواقف الامريكية والغربية ليس حرصا منها على الديموقراطية ولا تعاطفا مجردا مع الاخوان( المظلومين ) ولا خوفا على مصر من مجهول العنف والارهاب والإحتراب الأهلي بل هو في الحقيقة تعبير عن قلق حقيقي من ذهاب مصر بعيدا في التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي يعيد تموضع مصر ودورها الإقليمي والدولي بعيدا عن مواضعات والتزامات مرحلة كمب ديفيد التي رهنت مصر ودورها وقرارها السياسي الوطني والقومي للاعتبارات الصهيو-امريكية في المنطقة والعالم ، أما وقد تراجعت الهيمنة الامريكية في المنطقة وحدثت الثورات الشعبية العربية في مصر وتونس واليمن والبحرين وغيرها واسقطت النظم التي كانت تدور في الفلك الامريكي فلا بد وأن يكون ثمة تغيير حقيقي يعيد لمصر مكانتها ودورها المنشود.
في الموجة الأولى من الثورة المصرية وصل الاخوان الى السلطة بنسبة تفويض شعبي ضئيل – ب51 % فاز مرسي بالرئاسة – وخلال عام من الحكم ارتكب الاخوان – للأسف - من الأخطاء والتجاوزات الداخلية والخارجية ما جعل استمرارهم في الحكم بالغ الصعوبة بل واعتبره البعض تهديدا مباشرا للدولة المصرية ومؤسساتها ، فلم يكن طبيعيا في الحالة الثورية الانتقالية ممارسة سياسات الاقصاء لشركاء الثورة والدخول في معارك مفتوحة مع الشارع المصري والشباب والاصرار على اعلان دستوري يمنح الرئيس حصانة لقراراته ضد القضاء وغيره - ووضع دستور غير متوافق عليه وتمريره وسط رفض غالبية القوى السياسية والوطنية المصرية وفي مقدمتها الأحزاب والنقابات والكنيسة المصرية التي تضم قرابة 15000000مليون قبطي حسب بعض التقديرات .
ولم يكن مناسبا ولا طبيعيا في نظام جديد حملته قوى الثورة الى السلطة ويحمل الصبغة الاسلامية أن يتنكر الرئيس المعزول مرسي ويتنصل من شعاراته في الشراكة وتحقيق اهداف ثورة 25ينايرالعظيمة فبدأ مبكرا بالتفرد بالقرار واستبعاد الشركاء الحقيقين في الثورة واضعا نصب العين استكمال سيطرة الجماعة على كل مفاصل السلطة في مصر من اجل ذلك دخل في معارك مفتوحة مع القضاء المصري العتيد – أهم مكونات الدولة المصرية - والاعلام ومؤسسة الأزهر والمثقفين والنخب المصرية والاقباط ،إضافة الى الفشل الاقتصادي وخلال عام من حكم الاخوان ساءت الاحوال الاقتصادية والمعيشية والأمنية وتراجعت الخدمات كالكهرباء الأمر الذي لم يحدث في عهد حسني مبارك ولا قبل تسلم الاخوان السلطة وشهدت مصر في الشهور الأخيرة انعدام مادتي الديزل <السولار> والبترول الخ .
تحالف مرسي مع الجماعات المتطرفة من جهاديين وسلفيين وترك شبه جزيرة سيناء لعبث تلك الجماعات المشبوهة وأدارة ظهره لبقية القوى والتيارات الوطنية المصرية وانخرط وبسرعة شديدة في الحلف الامريكي الغربي الوهابي المعادي لسورية وايران وحزب الله ،حيث اتضح ان وصول الاخوان للسلطة في مصر لم يعد بفائدة تذكر على القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا فسرعان ما نجح مرسي والاخوان في استدراج حركة حماس الى المحور المعادي لسورية ومحور المقاومة جنبا الى جنب قطر وتركيا والجبهة المعادية للأمة .
وفي حين تجنب نظام حسني مبارك منح الكيان الصهيوني ضمانات امنية مصرية تقيد حركات الحركات المقاومة في غزة فإن محمد مرسي قام بإعطاء الكيان الصهيوني تلك الضمانات وأجبر حركة حماس على توقيع اتفاق أمني بعدم ممارسة أي شكل من المقاومة والتصدي للكيان الصهيوني وذلك عقب العدوان الصهيوني على غزة مطلع العام 2012م.كان منظرا من محمد مرسي والاخوان القيام بتحقيق اختراق في محال السياسة الخارجية القومية لمصر تؤكد التغيير الذي حصل في مصر مثل تحقيق المصالحة الفلسطينية ورفع الحصار عن غزة وإعادة السفير المصري الى طهران ودعم الحل السياسي للصراع في سورية واعادة الجسور المصرية مع عمقها الافريقي والعربي والاسلامي الخ .
وتأكد الالتزام الإخواني السلفي لأمريكا والغرب بأمن الكيان الصهيوني والمصالح الامريكية والغربية في مصر والمنطقة والحرب على محور المقاومة والدفع بالحرب المذهبية القذرة وبمختلف المستويات السياسية والاعلامية والأمنية والتعبوية الذي اصبح واضحا – للأسف – في سورية والعراق ولبنان واليمن وغيرها من دول المنطقة .
وخلال الفترة المنصرمة من وصول جماعات الاخوان الى السلطة في مصر وبعض دول المنطقة تبين انهم بلا مشروع حقيقي للحكم وادارة شؤن الدولة وبرهنوا فقط على الرغبة في الاستحواذ على السلطة والبقاء فيها وممارسة الاقصاء ضد الآخرين ، وتبين انهم – للأسف – قد فشلوا في امتحان المصداقية في محك التجربة العملية وسقطوا في عيون الجماهير التي عولت عليهم لتقديم نموذج ناجح ومختلف يستمد من الاسلام العظيم الرحمة والعدل والمساواة الايثار والصدق والنزاهة وتحرير الأوطان من الهيمنة الاجنبية السياسية والاقتصادية والثقافية وانهاء الوصاية الامريكية تماما كسبيل وحيد للتقدم والنهضة وتقديم النموذج المستمد من الاسلام على أرض الواقع .
ازاحة مرسي والاخوان من الحكم في مصر كان متوقعا بنتيجة ممارسات عام من الاخفاق في تقديم النموذج ، وكان متوقعا تدخل الجيش المصري في اخراج المشهد المصري على النحو الذي بدا عليه وشكل مفاجأة من العيار الثقيل للإخوان انفسهم الذين لم يحسنوا القراءة مثلما لم يحسنوا التعاطي مع الأزمة بعد ما اسموه الانقلاب على الشرعية .ولعل لجؤهم الى الخطاب التعبوي الديني والاستعداد للمضي في خيار مواجهة الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة المصرية والشعب المصري واللجوء الى خيار العنف يتوج عاما من الفشل لا تنفع معه – اليوم - المواقف الامريكية والغربية التي تخشى من خروج مصر من حقبة كمبد يفد لانها تعرف جيدا أهمية مصر الاستراتيجية وتحرص على ضمان مصالحها في مصر والمنطقة ، أما المواقف التركية والقطرية والتونسية فإنها مجرد مواقف متعاطفة مع الاخوان من منطلق ايديولوجي صرف لا تقدم ولاتؤخر .
عن الموقف السعودي :
ليس غريبا للكثير من المراقبين الموقف السعودي من الاخوان المسلمين في مصر الذي يبدو متنا قضا مع موقفهم منهم في سورية فموقفها المؤيد للإطاحة بمرسي يفسره قلق سعودي حقيقي من وصول الاخوان الى الحكم في مصر منذ وبعد وصول مرسي للسلطة ذلك لان موقع مصر وحيوية دورها في المنطقة ووجود التنظيم الدولي الاخواني حاكما في أكثر من قطر عربي واسلامي وبغطاء امريكي وغربي واضح وبوجود امكانات مالية وتنظيمية واعلامية كبيرة قد جعل النظام السعودي يستشعر الخطر على مشروعية ادعاءه تمثيل السنة في العالم والذي سيؤول الى الاخوان المسلمين الحالمين بإعادة دولة الخلافة في مصر ،ولا يستبعد المراقبون مخاوف الحكم السعودي على وجوده من خلال امكانية قيام اخوان السعودية بالإطاحة بالأسرة الحاكمة السعودية بدعم واسناد اخوان اليمن ومصر وتركيا و...ولن تمانع حينئذ اية ادارة امريكية من التخلي عن النظام السعودي اذا وجدت بديلا يضمن مصالحها والتجربة الامريكية التاريخية في تخليها عن حلفائها معروف ومتواتر فقد تخلت من قبل عن شاه ايران وحسني مبارك وزين العابدين بن علي .
وعلى ما سبق لم تكن السعودية لتنتظر بروز محور مصري تركي سني حاكم ومهيمن على المنطقة يسلبها الدور والتاثير الذي كان مال لصالح قطر لذلك جرى بطلب سعودي وبرضى امريكي التضحية بأمير قطر ووزير خارجيته – بعد أن احترقت ورقتهما - وسحب الملف السوري من قطر ليغدو بيد السعودية وبندر بن سلطان ، وفي صدد تفسير الموقف السعودي الداعم للإطاحة بالإخوان في مصر يمكن القول من وجود مخاوف سعودية من حشر مصر ونظامها الجديد في زاوية العقوبات والحصار الذي تدعوا اليه تركيا وبعض دول أوربا خوفاً من تكرار تجربة عبد الناصر في الخمسينات فالسعوديون يدركون أكثر من غيرهم صلابة وعناد الشعب المصري أمام ما يمس كرامته واستعداده للمضي بعيدا اليوم في التصدي للرغبات والاملاءات الامريكية والغربية بخصوص الأزمة الحالية .
وكان واضحا الموقف الروسي المساند للشعب المصري والذي ارسل اشارات متعددة وذات دلالة على الاستعداد لتعويض مصر عن الأسلحة إذا ما قررت امريكا تصعيد مواقفها العقابية ضد مصر ولا يجب أن ننسى رغبة روسيا في استعادة موقعها ومكانتها في مصر التي فقدتها على يد السادات لصالح الامريكان خلال سعيه المنفرد للصلح مع الكيان الصهيوني .
وثمة حقيقة قد لا يدركها البعض اليوم خلال تواتر الأحداث والتطورات المتسارعة في مصر والمنطقة والعالم مفادها اننا نعيش اليوم عالما متعدد الأقطاب لم تعد امريكا هي اللاعب الوحيد فيه فالى جانب روسيا فان الصين ودول البريكس وغيرها أخذت تلعب دورا موازنا الى حد كبير ومن خلال الأزمة في سورية تبين تأثير تلك الدول في منع تدويل الأزمة السورية والتدخل العسكري الأطلسي فيها . السعودية تدرك تلك العوامل والمتغيرات جيدا لذلك سارعت الى دعم الاطاحة بمرسي والاخوان لان البديل سيكون بحال تركت مصر للحصار الغربي والعنف الداخلي هو الاسوأ ، إنه نوع من الاستثمار وضمانة للمستقبل لا يعني بحال تجيير الدور المصري وتوجهاته الجديدة للسعودية حسب قراءتي المتواضعة.
ويمكن ان نشير الى ان الموقف الاماراتي الرسمي المعادي للإخوان قبل وبعد الاطاحة بمرسي معروف وينطلق من نفس الاعتبارات والمخاوف السعودية من تنظيم الاخوان على كرسي الحكم في الامارات ، لذلك كان دعم السعودية والامارات والكويت للنظام الجديد في مصر سياسيا واقتصاديا واعلاميا قويا وواضحا حتى وان بدت مواقف السعودية ودول الخليج مما يجري في مصر تختلف عن مواقف ادارة اوباما وبعض العواصم الغربية .السعودية تدعم وجود السلفيين في مصر ودول المنطقة من اجل موازنة دور وحضور جماعات الاخوان وهذا التوجه احد اسباب افتراق الموقفين السعودي والقطري وكلاهما بالطبع تحت المظلة الاستراتيجية الامريكية .
تحتفظ الذاكرة السياسية السعودية للإخوان المسلمين بمواقف غير منسجمة مع سياساتها في أكثر من مناسبة وقضية والسعودية تدرك جيدا أن ولاء جماعة الاخوان الأول والأخير هو للجماعة والمرشد برجماتية وزئبقية الاخوان وتقلب مواقفهم من النقيض الى النقيض ووجود التنظيم هي ما يخيف السعودية من الاخوان التي تفضل السلفيين الذين يفتقدون حس التنظيم ويمكن وبسهولة تسييرهم بالفتوى واشارة ولي الأمر.
المؤشرات كثيرة على أن الاطاحة بحكم الاخوان كان مطلبا شعبيا مصريا ومطلبا للقوى الوطنية المصرية وبضمنها الجيش المصري والنخب وان مشهد خروج الملايين الكبيرة من المصريين يوم ال30من يونيو كان ذروة التعبير عن فشل ادارة الاخوان للحكم في مصر وسقوط لنموذج الحكم الإخواني في مصر والمنطقة للأسف .
ومن خلال رد الفعل الامريكي والغربي السياسي والاعلامي على عزل مرسي يتضح عامل المفاجأة وهو ما يحسب للجيش المصري الذي فاجأ الامريكان والغرب ولم يضع نفسه موضع الحاكم بل موضع المشرف على تنفيذ المرحلة الانتقالية وما اسماه خارطة الطريق .
مصر اليوم امام متغير جديد وكبير عنوانه الاستقلال والكرامة وضرورة استعادة الدور والمكانة والاستعداد لتفكيك منظومة الهيمنة الامريكية والتحرر من الحاجة المذلة للقروض والأعطيات الأمريكية والغربية ، ذلك يتضح في خطاب الجماهير والنخب المصرية للمرة الأولى منذ وفاة الزعيم الكبير جمال عبد الناصر مما يؤسس لمرحلة جديدة من النهوض والتحررفي المنطقة العربية والاسلامية بالضرورة، ة نتمنى ان تطوى مشاهد العنف المدانة والمرفوضة في مصر وان يعيد الاخوان – في مصر والمنطقة - الحسابات وتقييم المرحلة الماضية وبأسرع ما يمكن لان الرهان على العنف خيار فاشل ثبت فشله تاريخيا ،وكذلك الرهان على امريكا والغرب وتدخلهم لصالح هذا الطرف أو ذاك هو رهان خاسر كذلك .
- قرأت 544 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ