-( لست وحدك يا بشرى فكلنا كفار )-

-( لست وحدك يا بشرى فكلنا كفار )-
.....................................................
إيماننا بحرية التفكير توجب علينا الِإيمان بحرية التكفير
كثر الحديث هذه الأيام عن فتاوى التكفير التي صدرت عن الزنداني والديلمي وغيرهم بحق بشرى المقطري وفكري قاسم وآخرين .
والسؤال الذي يجب أن نطرحه هو : هل يجوز لعالم أن يكفر غيره ؟
وجوابه من وجهة نظري : نعم يجوز له إذا أنكر ذلك الشخص أو قال أو فعل ما يوجب التكفير بحسب قناعات العالم .
فالتكفير جزء لا يتجزأ من حرية الاعتقاد .
كيف نطالب بالحرية ونمنعها في نفس الوقت ؟
تم تشويه كلمة كافر إلى درجة أنها أصبحت ترعب كل من تطلق عليه , مع أن معناها الإنكار أو عدم الإيمان بشيء محدد أو قول شيء أو فعل عمل يعتبره الغير كفراً , ولأن لكل قناعاته التي تختلف عن الآخرين فهو كافر في حدود ما أنكر من معتقداتهم , وبهذا المفهوم للكفر يعتبر كل من على الأرض كافراً , فالمسلمين يعتبرون كل من لم يؤمن بدينهم كافراً والعكس صحيح , وحتى داخل الدين الواحد كل مذهب لديه ما هو معلوم من الدين بالضرورة ومن أنكر هذا المعلوم يعتبر كافراً , ونجد أغلب – إن لم يكن كل - المذاهب في حقيقتها تكفر الكثير من معتقدات وأقوال وأفعال المذاهب الأخرى وإن كان بعضها لا يصرح بذلك علناً خوفاً من الفتن .
من حق أي إنسان أن يعتبر أن قناعاته هي الحقيقة وأن من يخالفها أو ينكرها كافراً وسيدخل النار وهذا حق أصيل من حقوق الإنسان لأنه مرتبط بحرية الاعتقاد , فمن اعتقد بكفر غيره فهو حر في ذلك ولا نستطيع إجباره على تغيير تلك القناعات ولا يجوز لنا التهجم عليه , فإيماننا بحرية التفكير توجب علينا الِإيمان بحرية التكفير .
إذاً أين المشكلة ؟
ولماذا كل تلك الضجة ؟
ولماذا كل هذا الرعب من التكفير ؟
المشكلة الحقيقية ليست التكفير بحد ذاته , بل هي ما بعد التكفير وهو حد الردة !
حد الردة لا أصل له في الإسلام السماوي بل وعلى العكس من ذلك فعشرات الآيات القرآنية الواضحة التي لا لبس فيها تبيح حرية العقيدة سواء قبل الإسلام أو بعد الدخول فيه .
إذا تم إسقاط حد الردة عبر العودة إلى حرية العقيدة التي جاء بها القرآن وكذلك بعدم الاعتراف بالروايات الآحاد التاريخية التي تناقض محكم القرآن فلن نحتاج إلى مناقشة موضوع التكفير من الأساس لأنه سيصبح مجرد خلاف فكري فلسفي لا ضرر منه . وسنفتح المجال أمام تصحيح الفكر الإسلامي ليعتمد على الحجة بدلاً من التخويف بالردة , ليعتمد على الإقناع بدلاً من الفتوحات .
حد الردة تم اختراعه لأغراض سياسية للقضاء على الخصوم , وبالرجوع إلى التاريخ الإسلامي نكتشف أنه كان يتم استدراج الخصوم إلى بعض المعارك الكلامية مثل خلق القرآن والتجسيم وغيرها ومن ثم يتم التخلص منهم بذلك الغطاء الديني .
لا مشكلة في أن يكفر الديلمي أبناء الجنوب جميعاً , المشكلة في أن يهدر دماء نسائهم وأطفالهم لأغراض سياسية كما حدث في غزوة عدن الكبرى في 94 م .
لا مشكلة في أن يكفر الزنداني بشرى المقطري أو فكري قاسم فهذا حقه في الاعتقاد بكفرهم لكن المشكلة هي اعتقاده بحد الردة وعلمه أن هناك من سيسعى إلى التقرب إلى الله بقتلهما معتمداً على فتواه , وبذلك يعتبر مشاركاً في الجريمة عبر التحريض .
لا نستطيع أن نمنع الزنداني من الاعتقاد بكفرهما لكن نستطيع أن نمنعه عبر القانون من التحريض على قتلهما .
على الدولة وحسماً للموضوع أن تسن قانون تعاقب بموجبه كل من أفتى بتكفير شخص آخر مع اعتقاده بحد الردة , وتعتبر فتواه تلك تحريضاً صريحاً على القتل , وتعامله كأي مجرم حرض غيره على القتل , وفي نفس الوقت تجيز لمن لا يؤمن بحد الردة أن يكفر من يخالف قناعاته بشرط أن يذيل فتواه بالتأكيد على حرية العقيدة الوارد في القرآن الكريم وعدم اعترافه بحد الردة .
قد يأتي من العلماء من يقول أن تطبيق حد الردة منوط بالإمام العادل وهذا الكلام لا يعفيه من مسؤولية التحريض لأن من العوام من سيقول في نفسه طالما لا يوجد إمام عادل بحسب مواصفاته وقناعاته – وهذا حال بلداننا - فواجب عليه تطبيق شرع الله بيده ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
كثير من العلماء لا يؤمنون بهذا الحد وقد ناقشت بعضهم لكنهم يخشون من مصارحة العامة خوفاً من ردة الفعل أو فقد منزلتهم لصالح علماء آخرين فأصبحوا أسرى للموروث التاريخي أكثر من كونهم باحثين , أصبحوا للأسف مجرد حفاظ لا فرق بينهم وبين أي كتاب على الرف .
إذا ً فمعركتنا ليست مع التكفير بل مع حد الردة , يجب علينا أن ننكره جميعاً معتمدين على ما جاء في القرآن , لنقل وبصوت واحد نحن منكرين لحد الردة , كلنا كفار بحد الردة المناقض لحرية العقيدة الوارد في القرآن الكريم .
من حقنا أن نعتقد عن الآخرين ما نشاء بما في ذلك كفرهم , لكن ليس من حقنا التحريض على قتلهم .
من حقنا أن نكفر بكل تأويلاتهم للنصوص , من حقنا أن ننكرها فهم بشر يخطئون ويصيبون .
من حقهم أن يؤولوا ويعتقدوا ويكفروا , ومن حقنا أن ننكر ونكفر بما اعتقدوا , ومن واجب الدولة أن توجد صيغة قانونية لهذه المعادلة .

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
5 + 8 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.