التهمة الطائفية في إسقاط الجرعة

يروج قائمة من المحللين البهلوانيين في إدارة الأزمات، الأبعاد الطائفية لإسقاط الجرعة، والمخاضات العسيرة لتمزيق النسيج الاجتماعي. ومن خلال تصفح منشورات العديد من الأشخاص المروجين لمسألة التطويف، والتحذير من خطورة الحوثيين بإصرارهم على إسقاط الجرعة باعتبارها مسألة حساسة تشكل تصادماً أثنياً في المجتمع، كون الجرعة الحل الوحيد لإنقاذ البلاد من الفتنة المذهبية، والحفاظ على سلطة ونفوذ الزمر الفاسدة.
كلام في حد ذاته متصادم وغير مفهوم كحالة هستيرية تشبه إلى حد كبير شخصاً يعاني حالة هذيان، وإغماء مزمناً، هذا ما يمكن توصيفه إزاء تلك المنشورات والكتابات التي غالباً لم تشِ في مجملها بحالة تهكم أو تعريض فحسب، إنما تعبر في سياقها عن آليات ووسائل أكثر دوغمائية لمواجهة المعترضين على الجرعة.
أين الطائفية من غضب شعبي ضد قرار حكومي جائر، أقرته من أجل ميزانيتها التي تغرق في تبويبات ونفقات بالمليارات، بصور مخالفة للقانون، ولا تخضع لدراسات أو تقييم سوي؛ فضلاً عن كونها ضربة ترهق اقتصاد الفرد الكادح في البلاد، وأقل ما يمكن أن يصفه خبير اقتصادي عن الجرعة، أنها قرار قاتل تترتب عليها معاناة للمواطنين، وتتسبب في تجويعهم، وزيادة عدد الفقراء في المجتمع، و20 صفحة من الألفاظ والمصطلحات الاقتصادية التي تشير إلى الجوع..!
ما تروجون له مسألة أخطر بكثير، حيث "الطائفية" مجرد كلمة من 6 أحرف، يمكن تسويقها وحشرها في أية خانة من مشاكل البلاد المزمنة، والوضع السياسي العقيم، طبقاً لخبرات ومهارات بهلوانية لساسة ونخب غارقة في هواجس منفعلة إزاء أحداث سابقة، وتقدم لنا نموذجاً جيداً في توظيف مصطلحات الطائفية، واصفة خروج الحوثيين بجانب الشعب، والمطالبة بإسقاط الجرعة، نزعة طائفية من جماعة مسلحة.
حالياً، لست بصدد الحديث عن الحملات الشعواء من قبل من أصبحوا اليوم في طوابير السلطة، وإنما عن هراءات المتحمسين دفاعاً عن الجرعة من تلك الأحزاب التي غدت تتربع اليوم مناصب حكومية، لم تكن لتحلم بها لولا المبادرة وأزمة 2011، التي مكنتها من الوصول إلى ما هي عليه اليوم، وهي على مبدأ تكافؤ الفرص تأتي أو تمر كسحاب، وتحاول إقناعنا بأن الجرعة خير لنا، لو كنا جاهلين، وتكيل آلاف التهم ضد الرافضين لها بالتحوث وما يلتصق بها من مفردات وخطاب في إطار التحريض كتوظيف عام ومستهلك لتبرير أية جريمة أعدت مسبقا.
الجميع يشكو ويعاني من حكومة الوفاق، نتيجة فشلها وشيخوختها في آن، إذ يمكن أن نتقبل بمرارة صفة سيئة واحدة نتيجة الوضع المأزوم في البلاد، لكن أن نقبل بجميع مساوئ الحكومة حباً في الجوع والفقر، واستمراراً في تبرير إنجازاتها الفاشلة، قد يحتاج الأمر إلى مراجعة طبيب نفسي، على ألا ينتمي لحزب الإصلاح، وهو ما أنصح به الكثير من المتحمسين لباسندوة، قبل أن يتورطوا في التنظير للجرعة، وإسهاماتها في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين الكادحين، ورشق التهم الطائفية على الرافضين، وإصدار حكم على مشاركة الجماعة إلى جانب الشعب.
يفرض المتحمسون حالة من التوجس على دخول الحوثيين العاصمة صنعاء للاعتصام لتلبية المطالب الشعبية، إذ إنهم خائفون من مصير ثروة ومناصب تكدست خلال 3 سنوات، ويطمحون لسنين أخرى من البطش المنظم للمال العام وخزينة الدولة.
وتوجسهم لا يختلف عن مجموعة من المنظرين المحترفين تم استئجارهم من قبل الدولة لتبرير الجرعة، والقيام بمهمة إقناع عام وتعبئة للجمهور بقرار الحكومة على أنه قرار رشيد، حيث يسوق المحترفون أن الجرعة بديل أفضل وحالة إنقاذ للبلاد من انهيار اقتصادي، وإيقاف الفساد المستشري في قطاعات الحكومة والجيش لا غير، من أجل تلميع وتسطيع بيادات الفاسدين، وهؤلاء جميعهم يتشاركون في خلق حالة إحباط شعبي لا أكثر.
وفي افتراض غير طبيعي لهذا الترويج المحموم باتهامات طائفية، هل كان على الحوثيين بمطالبتهم بإسقاط الحكومة والجرعة، أن يأخذوا إذناً مسبقاً من حزب الإصلاح، وفتوى من جامعة الإيمان بالخروج إلى الشارع والمطالبة بإلغائها، لتجنب إثارة الطائفية؟ لكن ماذا يفترض أن نقول لكم؟ لقد سئمنا الهراء وسياسة التجويع، ونحتاج إلى تحفيز ومساندة لانتشال أنفسنا من هذا الوضع المائع والمتعفن، والذي أنتجته حكومة فاشلة بإدارتها للبلاد بسوء وغطرسة وشطحات، لا تنتهي من عقلية تقاسم وفيد، ولم تقدم سوى الجوع كقرار إجباري.
- قرأت 294 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ