ميزان العقل لا موازينكم
ما الذي خرجنا به من الثورة بعد سقوط صالح ..؟ و ماهي المكاسب مقارنة بالخسائر ..؟ و ما لذي نثق في تحققه في ظل المعطيات و المؤشرات الحاصلة اليوم ..؟ و إلى أين تتجه الأوضاع ..؟
كل هذه التساؤلات و غيرها شائعة في أوساط الناس و لم يعد الناس بمعزل عما يجري .. هناك من يحتفل بالفشل الذي يراه مكسبا خاصا و يريد ان يصفق له الآخرين .. و هناك من يستحي من الفشل و لكنه يريد الآخرين أن يسكتوا و يتجاهلوا هذا الفشل .. و هناك من يعترف بالفشل و يصر على النجاح .. و هناك من يعترف بالفشل و يريد الاستسلام للأمر الواقع .. و لكن دعونا نقرأ واقعنا بعد الثورة و نضع نتائج الثورة في ميزان عقولنا لا موازين الأنانية الخاسرة :
ثرنا على " صالح " و مستشفيات الحكومة تتكفل بعلاج أصحاب الأمراض المزمنة " السرطان - السكري - الفشل الكلوي - القلب " و تصرف لهم الأدوية مجانا " طبعا من جيب الحكومة بل تبرعات و اعانات دولية " .. و اليوم سقط "“صالح”" ليجد هؤلاء المرضى شبابيك الصيدليات مغلقة في وجوههم و في الأخير تعلن الحكومة أنها عاجزة عن توفير تلك الأدوية .. مع أننا لم نسمع المنظمات الداعمة لتلك الأدوية لم تعلن أنها توقفت عن دفع تلك الإعانات .
ثرنا على " “صالح” " لأن مركز الأورام في عهده يعاب عليه نوعية الأدوية و قدم الأجهزة و محدودية النشاط مع أن تغطية العلاج مائة بالمائة " طبعا علاج السرطان في كل العالم ترعاه منظمات دولية و تنفق عليه مائة بالمائة " .. و اليوم سقط “صالح” ليتحمل مرضى السرطان ثمانين بالمائة من سعر الدواء و لا يضاف إلى أنشطة المركز سوى قرار وزير الصحة جباية 80% من قيمة الدواء من المرضى ..
ثرنا على “صالح” لأن أسعار المشتقات النفطية فوق طاقة الناس و تسهم في ارتفاع أسعار المواد الأساسية .. و اليوم سقط “صالح” لنجد أسعار المشتقات النفطية قد ارتفعت الضعف و أصبح المصروف الشهري أبو خمسين ألف بمائة ألف ..
ثرنا على “صالح” لأن الكهرباء كانت تنطفئ ساعة بالليل و ساعة بالنهار .. و اليوم سقط “صالح” لنجد الكهرباء تنقط أسبوع " أربع وعشرين ساعة " .. و تعود ثلاثة أيام " ساعتين بساعتين " .. و هلم جرا..
ثرنا على “صالح” لأنه أهان اليمن و اليمنيين بالشحت و الاستجداء من الخارج مع أن الوطن مليء بالخيرات لولا الفساد و نهب الثروات من قبل “صالح” و عصابته من المفسدين .. و اليوم سقط “صالح” لنجد أن عصابته من المفسدين تقاسموا السلطة و الخيرات و الثروات و بالتالي قاموا بتكثيف حملات الشحاتة و الاستجداء و إهانة اليمن و اليمنيين على أبواب قصور أمراء النفط الذين يشهرون باليمن و بحملات الشحت لليمن في قنواتهم ..
ثرنا على “صالح” لأنه كان يواجه مطالب الحراك بالقمع و يلتف على استحقاقاته و يشوه سلميته و نظالاته .. و اليوم سقط “صالح” لنجد اقتحام ساحات الحراك و قتل شباب الحراك و حملات تشويه و تشكيك في وطنية الحراكيين و فتاوى تحرض على قتلهم و تحت شعار الثورة هذه المرة.
ثرنا على “صالح” لأنه أشعل الحروب على أبناء صعدة و كان يثير الأحقاد و العداوات الطائفية و يكرس ثقافة الفرقة بين مكونات الشعب من خلال بث الاشاعات و التسويق للافتراءات .. و اليوم سقط “صالح” لنجد من يدعو إلى اشعال الحرب في صعدة و يتبنى الخطاب الطائفي و يذكي الأحقاد و يروج للإشاعات للتشويه و التكفير و التحريض ضد فئة من المجتمع .. و باسم الثورة أيضا..
ثرنا على “صالح” لأنه كان يحشد المفتيين لتبرير قمع الناس و ضرب المعارضين و استباحة دماءهم و إقصاءهم .. و اليوم سقط “صالح” لنجد نفس المفتيين يبررون للسلطة الجديدة قمع الناس و ضرب المعارضين و استباحة دماءهم و إقصاءهم .
ثرنا على “صالح” لأنه كان يفتح اليمن - على استحياء - أمام التدخلات الخارجية و يسمح لأمريكا تنتهك سيادة اليمن بطائراتها و بارجاتها الحربية .. و اليوم سقط “صالح” لنجد من يفرش اليمن - بكل بجاحة و مباهاة - أمام الخارج يدير و يقرر و يعين و يعزل و يرسم استراتيجات الدولة اليمنية و يبرر و يدافع عن انتهاكات أمريكا للأجواء و البر و البحر و يستميت في الدفاع عن أمريكا و عن وجودها العسكري المتزايد داخل الأراضي اليمنية و يتهم من يعترض بشتى التهم ..
ثرنا على “صالح” لأنه يشرعن و يقنن لفساده عبر برلمان منتهي الصلاحية .. و اليوم ذلك البرلمان نفسه يشرعن و يقنن و يصوت على جرائم تاريخية بحق الثورة و الشعب و الوطن و لعل أكبرها جريمة الحصانة و رفع أسعار المشتقات النفطية ..
ثرنا على “صالح” لأنه استخدم شبح القاعدة لإلهاء الناس عن مطالبهم و تبرير التدخلات الأمريكية و كان يسهل عمليات هروبهم من سجون الأمن السياسي .. و اليوم سقط “صالح” لنجد القاعدة حقيقة ماثلة تستولي على محافظات و تعلن إمارات و تتنقل من مكان الى آخر و تجد جمهور يتعاطف معها و يدافع عنها و يبرر لها و إعلام يروج لها و يغطي انتصاراتها و تصريحات زعمائها .. و قوى دينية وسياسية داخلية و خارجية تتوسط لمحاورتها و تطالب بمصالحة معها و جهات أمنية تهربها من السجون و حكومة لا تبدي أي استياء من ذلك ..
ثرنا على “صالح” لأنه كان يرفض الشراكة و ترك السلطة و النفوذ و الجيش قسمة بين عصابات و أسر بشكل غير معلن .. و اليوم سقط “صالح” لنجد نفس العصابات و الأسر يرفضون الشراكة و يتقاسمون السلطة و النفوذ و الجيش بشكل معلن و بشرعية اسمها الثورة ..
ثرنا على “صالح” لكي يسقط و تسقط كل رموز النظام من المفسدين و القتلة و المجرمين و محاكمتهم و استعادة كل ما نهبوه و أخذوه من ثروات الشعب و خيرات الوطن .. و اليوم سقط “صالح” وحده و أتفق كل رموز النظام من المفسدين و المجرمين و القتلة على أن يمنحوا أنفسهم و يمنحوا “صالح” حصانة من المحاكمة و تصفير العداد و تبييض الصفحات و اقتسام السلطة و النفوذ و الثروات من جديد ..
ثرنا على “صالح” لأنه كان يستغل السلطة لتوسيع نفوذه و تأمين قوته .. و اليوم سقط “صالح” و سلم السلطة لعصابة كل طرف فيها مشغول بتوسيع نفوذه و تأمين قوته و حصته منها ..
ثرنا على “صالح” الراقص على رؤوس الثعابين لينعتق اليمن منه و من الثعابين .. و اليوم سقط “صالح” و بقيت الثعابين ترقص على رؤوسنا ..
ثرنا على “صالح” لأنه كان يعيق التغيير و يقف بوجه الدولة المدنية الشاملة العادلة .. و اليوم سقط “صالح” لنجد عشرات النافذين يعيقون التغيير و يقفون بوجه الدولة المدنية ..
ثرنا على “صالح” لأنه كتب أهم المؤسسات الأمنية و العسكرية باسماء أشخاص : الحرس باسم ولده أحمد و الفرقة باسم علي محسن و الأمن المركزي باسم ولد أحيه يحيى محمد و الأمن السياسي باسم غالب القمش و الأمن القومي باسم و لد أخيه عمار يحيى .. و اليوم سقط “صالح” و لا تزال هذه المؤسسات الأمنية و العسكرية مكتوبة باسماء نفس الأشخاص ..
تعبت و أنا أسرد مظاهر التغيير التي حصلت بفضل الثورة و كيف كنا و أين أصبحنا للأسف.. و أنا على يقين بأن هناك الكثير مما لم أذكره هنا .. و هذه المنجزات المخجلة تضعنا أمام أسئلة مخجلة أيضا :
إلى أين نحن ذاهبون ..؟
من المسئول عن هذه النتيجة ..؟
و ما هو المكسب مقابل كل هذه الخسائر ؟
لا نريد العودة الى عهد " صالح " فهذا حلم المستسلمين و طموح العاجزين و لكننا نريد أن نستمر في طلب التغيير و رفع شعارات الرفض لكل من يريد أن يعيدنا إلى ماهو اسوأ من عهد صالح ..
قد يتهمني البعض بأنني " عفاشي " كما يصفون مناصري “صالح” .. و قد يقول البعض أنني أروج لـ ”صالح” و أشوه صورة الثورة و أمتدح “صالح” و عهد “صالح” .... الخ .. و أنا أثق بنفسي و بمواقفي و لا يمكن أن يضعف من مصداقيتي و لا يشوه صورتي اتهاماتهم و لا أراجيفهم .. بل يذكرونني بنفس ما كنا نسمعه من أنصار “صالح” من قبل ..
و أنا بدوري أطلب من هؤلاء الانتهازيين أن يبرروا كل هذا الذي حصل و يقنعوني ما هو الذي تحقق بعد الثورة اليوم و يستحق أن يحتمل الشعب لأجله هذه النتائج الثقيلة و هذه الأعباء الكارثية التي جاءت كعقاب على الشعب بعد سقوط “صالح” ..
قد يسردون مكاسب فئوية و فردية حصلوا عليها - مع أنها لم تحصل بعد - و لكن أين المكاسب الوطنية .. نستطيع حصر الخسائر فأين المكاسب ..؟
قد يبررون بأن “صالح” لا يزال يتسبب في كل هذه الأعباء و هذه الخسائر و يعيق أي جهود لتلافيها و التغلب عليها .. و نقول لهم : لماذا تتغنون بان الثورة انتصرت و تقمعون الثوار و تحاربون كل من يقول أن النظام لم يسقط .. مع أن هذا العذر غير مقبول فقد أصبحت كل مفاصل السلطة بأيديكم جيش و أمن و وزارات و رئاسة وزراء ..
سيبررون أيضا بأنهم ليسوا وحدهم فالسلطة قسمة بينهم و بين فريق “صالح” .. و نقول لهم : هذا التقاسم هو النظام الذي كان يفترض أن يسقط و لم يتغير شيئ سوى أنكم أعفيتم “صالح” من مهامه و ممارساته الفاسدة و تقاسمتموا القيام بها ..
- قرأت 695 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ