قراءة نقدية في كتاب "حركة الأحرار اليمنيين والبحث عن الحقيقة "1-3

الكتاب من تأليف المناضل محمد علي الأسودي ،وصفحاته من القطع المتوسط ،ويحتوي على أربعمائة وواحد وثلاثين صفحة ...في الفصل الأول نجده تحت عنوان "ذكريات وتأملات ،وبعد وصفه للفقر والظلم التي عانى منها أبناء اليمن حسب وصفه نجده يتحدث عن موقف اليمنيين إزاء الحرب بين الحلفاء من جهة والمحور من جهة ثانية ،فيقول "أما نحن اليمنيين فقد كنا نكابد حياتنا بين نيران الاستعمار الانجليزي في جنوب اليمن ونيران الاستبداد الامامي في شمال البلاد وكنا نعتقد أنه لو انتصر المحور وعلى رأسه هتلر الذي كنّا متأثرين به وببطولته ومن خلال الاعلام الذي يبثه يونس بحري باللغة العربية من الإذاعة الألمانية وكان كعربي مدركا للنفس العربية ويعرف كيف يؤثر عليها كما كان يعرف ما تعانيه الأمة العربية من وطأة الاستعمار الفرنسي والانجليزي وكنا نأمل بأن هتلر إذا انتصر يساعد على التخلص مما نعانيه على أننا لم نكن قد وعينا وعيا سياسيا كافيا في تلك الظروف لكي ندرك أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى وأن المتحاربين كلهم استعماريون لا فرق بينهم في الهدف والغاية "17ص.
وعن موقف الإمام يحي من الجنوب يرى الأسودي أن الامام يحي كان بإمكانه أن يحدث تقدما في الشمال كي يغريهم بأن يكونوا مع المملكة المتوكلية "لكن ائمة اليمن المتخلفين المحدودي الإدراك لقوانين الحياة ولمقومات العصر الحضاري كانوا يرون أن من مصلحة استمرارهم في حكم اليمن أن يظل الشعب جاهلا وفقيرا "حسب رؤية الأسودي ،بل إنه يتهم المملكة المتوكلية بأنها تقاعست عن استرداد الجنوب وتحريره "18ص.والحقيقة التاريخية هي أن الامام يحي لم يتوقف عن المطالبة بالجنوب ،بل إن إخراجه من لحج والضالع لم يكن سوى بالقصف الذي قامت به الطائرات ،حين قصفت الضالع والمخا ومدينة تعز وزبيد ،لدحر المملكة المتوكلية وإجبارها على التراجع عن المطالبة بالجنوب .
ويرىالأسودي أن ظهور العدنانية والقحطانية والزيدية والشافعية من ابتداع المتوكليين ،وفي هذا تبرئة للدور العثماني الذي عزز الصراع الطائفي بين الشافعية والزيدية واليمن العالي والين السافل !
ويرى الأسودي أن خلق العداوة والحقد بين ابناء الشمال أنفسهم هو من صنيعة الحكم المتوكلي الذي قسم الناس إلى رعية من الدرجة الثانية وشيعة من الدرجة الأولى ،والحقيقة أن القبائل نضير نصرتها وتأسيسها لحكم الأئمة هي التي فرضت نفسها كأنصار فوق الرعية ،وحين كانت الامامة تحاول فرض سيطرة الدولة سرعان ما تصطدم بالحقوق المكتسبة للقبائل المحاربة !.
توقف الأسودي عند سلوك سياسي يمثل صفة دائمة في النفاق السياسي ما زال مستمرا في كل الأزمات والصراعات السياسية الا وهي ظاهرة النفاق السياسي ،يقول متحدثا عن وكيل الإمام بعدن "الجبلي "وإن لم يشر لاسمه "في هذه الفترة كان هناك شخص من خدم الإمام في عدن وكان شبه وكيل وكيل لهم يشتري محتاجات القصر وكان يتاجر بالناس أيضا فإذا أراد واحد من هؤلاء الذين خابت آمالهم في رجال الحركة وهو بحاجة للمال ساومه على العودة مقابل دفع مصروف الطريق وكسوة ثم يأتي بضمان أمني من الإمام ليعود إلى بلاده وهو آمن وعند الاتفاق يبرق إلى الإمام فورا ويطلب له الأمان ويفوضه فيما يقرر له من كسوة ومصروف ويضخم له المسألة بأن حركة الأحرار تحاول اقناعه بالبقاء معهم ولكنه رفض،واستمر يعيش على هذا الأساس على مدى وجود الحركة وكان هذا أنموذجا لفساد الأوضاع فهو يخدم الامام من ناحية وفي نفس الوقت كان يدفع سرا تبرعات للحركة لا حبا فيها ولكن على أمل أن تنجح ويدعي بعد ذلك أنه كان مشتركا معهم ،وأيضا أذكر أن تاجرا بعدن كان يمول الحركة التي تعارض الشيخ الحكيمي وتتآمر لاغتياله في بريطانيا ومنع كل اليمنيين من الاقتراب منه ومساعدته وعندما جابهته في عدن حول هذا الموضوع انكر وأبرز تحويلا للحكيمي بألفين روبية "20-21ص.لكن الأسودي وشعلان بحسب مذكرات النعمان كانا ممن اختلفا مع الحكيمي حول رئاسة الاتحاد اليمني ،في حين أن مذكرات الأسودي لا تشير إلى وجود ذلك الصراع بل يؤكد الأسودي أنهم انتخبوا الحكيمي رئيسا للاتحاد ،وكانت صحيفته "السلام "هي الناطقة باسم الاتحاد بعد أن أوقف الانجليز تصريح صحيفة "صوت اليمن "
موقف الأسودي من النعمان :
يصف الأسودي الأستاذ النعمان بأنه كان "يشتد ضراوة في حصارنا ولديه كل الامكانيات ،كما أن الذين يدفعون سرا يدفعونها لشخص يأخذ الأموال ويتذمر ولا يقبل أن يطلب منه أحد حسابا أو حتى يستفسره وهذا مخالف لكل الأنظمة ،من هذا النوع كان على الأقل يشرك معه 3أو 4 أشخاص يثق بهم وويقفون على الموجود وغير الموجود ولكنه كان يرفض مجرد ذكر المال بحجة أن الناس خائفون على اسمائهم ليكتشفها الامام وقد استغل هذه الناحية الحساسة أسوأ استغلال لتبرير محاسبته والحقيقة أن كل ذلك راجع للجهل المطبق الذي يلف اليمن كلها وهذا الجهل هو الذي جعل الناس يعترفون بحقوق الحكام عليهم ولكنهم لا يعرفون حقوقهم على الحكام "26ص.
لقد تشكل لجمعية الأحرار في عدن " مجلس إداري برئاسة الاستاذ الزبيري أما الاستاذ نعمان فقد اختار أمانة المال من البداية ،ونحن في الادارة زكيناه لأننا نعرف أن الذين يساعدوننا في الاشتراكات والتبرعات اغلبهم من الحجرية وهم من التجار ونعمان كان معروفا لديهم وموضع ثقتهم "25ص.
ويرى الاسودي أن نعمان قبل 1948م يختلف عنه بعدها ،فلقد قام نعمان بعد وصوله إلى القاهرة عام 1955م بالتواصل مع المهاجرين يحثهم على تحويل التبرعات عن طريقه في القاهرة والتوقف عن دعم الاتحاد اليمني في عدن ،بل إن الاسودي يتهمه بأنه التحق بالاتحاد اليمني بالقاهرة باتفاق وتنسيق مع البدر "وكان على صلة سرية معه ،قي البداية استطاع التأثير على مجموعة كبيرة وخاصة في الحبشة بأنه لا فائدة من الانقلابات والثورات الفاشلة وكفاية ما ضحينا به من مال ورجال "130ص.
لقد كان الاستاذ النعمان يمتلك قدرة مميزة في اقناع الناس "وكان يسحرني بأسلوبه وأصدقه في كل شيء ولم اعرفه على حقيقته إلاّ أخيرا ،فلم يكن صاحب وجه واحد ،فكان يتخاطب مع الواحد بحكم تجاربه وفراسته حول قضية واحدة لكنه يجاري المعتدل والمتطرف والذكي والغبي ويخاطبهم بمختلف الوجوه ويطلب من كل واحد أن يكتم هذا السر ولا يبوح به بحيث يخلق بينهم بلبلة وعدم ثقة "130.ويصف الاسودي ابن الاستاذ النعمان "محمد احمد نعمان "بأنه ذكي ومثقف وسياسي ولديه قدرة فائقة على التلاعب بالمبادئ والألفاظ وممارسة المراوغة "138ص.ويسهب في الحديث عن دور الابن "محمد النعمان"ومحاولاته في اقفال دار الاتحاد اليمني ،واقناع التجار بتوجيه التبرعات إلى ابيه في القاهرة ،ومحاولته "إثارةتهم أيضا ضدي أولا ثم ضد الشباب المتواجدين بالدار بتهمة أنهم شيوعيون وبعثيون وكان يتظاهر بالأسى والأسف على أيام الناس العقلاء الذين كان لهم الفضل في تأسيس الاتحاد اليمني ..."138ص.
يصف الاسودي ، النعمان الأب بالعديد من الصفات منها "السيا سي البارع والزعيم الناجح وقد نال مبتغاه بعضوية المجلس الجمهوري ورئاسة الوزارة ،بعد مبايعته للبدر بالسمع والطاعة –وترك أمر الشئون الخارجية للولد محمد وقد كان حقا سياسيا من درجة أولى ومثقفا أكثر من والده ومناورا لا يشق له غبار ومستعد أن يتكيف تحت كل الظروف ،وقد لعب دورا مع السعودية والملكيين وغيرهم وكانت الثمرة مؤتمر الطائف الذي كان قمة الخيانة ففي هذا المؤتمر أو بالأصح المؤامرة وباسم المنطقة الشافعية أيضا ولا أحد يعرف من هم الذين فوضوه الاّ إذا كان والده هو الشافعية كلها "178ص.
الصداقة المتوكلية مع إيطاليا :
يؤكد الأسودي على أن الصداقة بين "المملكة المتوكلية" لايطاليا فهي قديمة ،بدأت في الثلاثينيات حينما قامت بين السعودية والمتوكلية الحرب فقد كان الانجليز يمدون السعودية بالسلاح وغيره من أنواع المساعدات بينما كان الايطاليون يمدون المتوكلية أيضا واستمرت هذه الصداقة "36ص.لكن الأسودي لا يذكر لنا رفض الامام يحي ثم أحمد للتعاون مع ايطاليا ضمن مصالح استعمارية ،كان للامامين موقف رافض لها من حيث المبدأ ،وهو ما أشار له الدكتور حسن مكي في مذكراته ،واعتبرها من عيوب الإمامة أنها خافت من هيمنة الاستعمار فانكفأت على نفسها ..

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
7 + 1 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.