قراءة في قرارات هادي بفصل بعض الألوية العسكرية مالياً عن وحداتها

" نقلاً عن صحيفة الأولى "
كل قرار يتخذ بهدف التخفيف من سيطرة بعض مراكز القوى التقليدية على الجيش بالتأكيد هو أمر جيد ومرحب به, إلا أنه قد يؤدي الى نتائج عكسية اذا ربطناه بحساسية المرحلة والانتخابات المتوقعة في 2014 م, فتلك القرارات تخفف الضغط على تلك المراكز لكنها عملياً لا تؤثر عليهم كثيراً وسرعان ما يجدوا وسائل اما لعرقلتها أو المراوغة في تطبيقها أو الالتفاف عليها .
وبالنظر الى القرارات القديمة لم نجد في المحصلة أنها أثرت كثيراً انما رأينا كيف استطاعوا امتصاصها والتعايش معها بل وافراغ بعضها من فاعليتها وما حصل في اللواء الثالث حرس جمهوري خير دليل على ذلك, فبعد أشهر من رفض تنفيذ القرار تَسلم الحليلي اللواء لكن سرعان ما تمردت عليه بعض أهم الكتائب وهو الى الآن غير متمكن من قيادة اللواء يشكل عملي وفي الأخير هو يعرف أنه قد يتعرض الى القتل اذا تجاوز الخطوط الحمراء عبر تسليط أحد الجنود عليه أو ما شابه, لذلك فالقادة المعيين الجدد يضلون خاضعين لتلك المراكز خوفاً من التصفية ويتعاملوا مع الواقع وفي المحصلة فإنها تنشأ علاقة مصالح بينهم ويتم احتوائهم حتى يصبحوا جزء من تلك المراكز بشكل أو بآخر وفي أحسن الاحوال يضلوا بلا تأثير حقيقي على وحداتهم .
والأخطر من كل هذا وذاك أنه يتم التعامل مع مقدرات تلك الألوية وكأنها ممتلكات خاصة فالوحدات التي يتم تسليمها بشكل حقيقي يتم افراغها من اسلحتها الفعالة " ما خف وزنه وكبرت فاعليته " ونقلها اما الى القبيلة تمهيداً لمعركة الحسم كخيار أخير أو الى الوحدات الأخرى التي لا تزال تحت اليد ولا يتم محاسبة أحد على ذلك عبر محاضر الجرد والتسليم المتعارف عليها فالمهم ان تنفذ القرارات ولو شكلياً .
وبالعودة الى القرارات الأخيرة بفصل بعض الوحدات مالياً هي خطوة ايجابية لكنها تُظهر ان تغيير القادة الكبار لن يكون قريباً وهذا بعكس الاشاعات التي يروجها الكثير من السياسيين عن قرب عزلهم ومن طرفي الأزمة .
إن العلاقة بين تلك الألوية ومراكز القوى ليست علاقة مالية فقط بل علاقة شخصية ونفعية ومصير مشترك لذلك فسيضل الولاء وإن اختلف أمين الصندوق .
والمشكلة أن أحد تلك المراكز مسيطر وبشكل جيد على قواته لأنها مؤسسة على اساس عقائدي لذلك فلا فائدة أبداً من الفصل المادي والعملياتي لتلك الوحدات طالما بقى رأس هذه القوة وقادة الالوية وحتى قادة الكتائب والتوجيه المعنوي الطائفي والدليل هو مسارعة رأس هذا المركز لإعلان ترحيبه بتلك القرارات بعد ثلاث دقائق على اعلانها وفي نفس نشرة الأخبار مما يظهر مدى تغلغل ذلك المركز حتى على وزارة الاعلام مما سبب حرجاً لدى الكثير وأظهر تلك القرارات وكأنها طبخت في مكان آخر غير قصر هادي, ذلك الاستعجال في إعلان مباركة القرارات وبتلك الطريقة السينمائية وكأننا في فلم لا تتجاوز مدته ساعة يدل على ان تلك المراكز تسعي لاحتواء تلك القرارات لا لتأييدها بشكل حقيقي فهي بذلك ترسل رسالة لمن في تلك الألوية أن ما حصل هو بالاتفاق معنا ولذلك اعلنا الموافقة خلال ثلاث دقائق ولولا الحرج الكبير الذي كان سيتعرض له وزير الإعلام لأعلن خبر الموافقة على القرارات قبل اعلان القرارات نفسها, إن تلك التصرفات تظهر محاولة البعض التذاكي والظهور الملائكي وكل ذلك ليس بهدف تنفيذ القرارات بل للاستمرار في مسرحية حماية الثورة .
القادة العسكريين الكبار لهم أهداف محددة وواضحة وعلى رأسها العمل على ايصال القوى السياسية التي ينتمون اليها أو القريبة منهم الى انتخابات 2014 م لينتجوا لهم غطاءً سياسياً جديداً بدل الذي مزقته الثورة مدعومين بوسائل السلطة التي يمتلكونها ولذلك فسيتعاملون مع قرارات هادي بشكل يمتص تأثيرها ليحين ذلك اليوم .
أنا أعتقد أنه لا فائدة من الحلول الترقيعية وعلى هادي أن يكون واضحاً مع الجميع ومنهم الراعين للمبادرة عبر مطالبتهم بالضغط على هؤلاء بالخروج من الحياة العامة مقابل الحصانة الممنوحة لهم, واذا لم يجد منهم التجاوب عليه أن يصارح الشعب بما يدور خلف الكواليس وأن لا يكون غطاء لهم لحين اجراء الانتخابات القادمة وعندها سيعودون الى السلطة لكن هذه المرة عبر صندوق الانتخابات وستكون شرعيتهم اقوى اضافة الى أن هادي سيفقد الصلاحيات الواسعة التي منحتها له المبادرة الخليجية خلال سنتي المرحلة الانتقالية .
على احزاب المشترك اذا حَسُنت نيتها ان تكثف هي كذلك من ضغوطها للإسراع بعزل هؤلاء ما لم فيجب علينا جميعاً استعادة روح الثورة التي قتلتها المحاصصة عبر اشتراك بعض قوى الثورة في الحكومة, على الجميع العودة الى الشارع الى ثورة ما قبل الوفاق ومعالجة الخلافات الداخلية في صفوف القوى الثورية لأنه لا يمكن اسقاط النظام الا بعودة التحالف الواسع القديم الذي انفرط عقده بعد التوقيع على المبادرة الخليجية, الا إذا كان لبعض القوى داخل المشترك حسابات أخرى أو أنها لا زالت تفضل التحالف القديم مع النظام على اشراك قوى جديدة في السلطة مناقضة لها ايدلوجياً  أو سياسياً فهذا كلام آخر يستدعي منا اعادة تعريف النظام الذي نريد اسقاطه بحيث يشمل تلك القوى نفسها أو جزء منها .

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
1 + 7 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.