إيران من الداخل " 4 " الثورة الإيرانية وثورات الربيع العربي
كنت أتصور نفسي أعرف كثيراً عن ايران معتقداً أن عندي معلومات كافية عن هذا البلد الإسلامي, وبمجرد وصولي الى إيران هالتني المفاجئة وهي أن ما أعرفه على كثرة اطلاعي هو صورة نمطية مستوحاة من ما تنقله لنا وسائل الإعلام البعيدة أو القريبة من إيران وهي غالباً إما أمور متعلقة بالسياسة أو بالدين وكوني في زيارة خاصة الى ايران هذه الأيام قررت أن أتناول بعض المواضيع التي قد تضيف الى معرفة الشخص العادي معلومات جديدة أو تفند معلومات خاطئة عن ايران الجمهورية الاسلامية .
هذه هي الحلقة الرابعة وهي بعنوان " الثورة الإيرانية وثورات الربيع العربي " من سلسلة أتمنى أن استطيع من خلالها أن أغطي الكثير من المواضيع عن إيران خلال زيارتي القصيرة لها .
بعد زيارتي لإيران أدركت أكثر معنى الثورة ومعنى التغيير, وعند مقارنتي بين ثورات الربيع العربي المتعثرة منها والناجحة وبين الثورة الإيرانية وجدت الهوة شاسعة .
لم تكن الثورة الإيرانية ضد الشاه أو ضد نظامه فقط, إنما كانت ضد ثقافة كادت أن تمحوا هوية إيران الإسلامية وتاريخها وحضارتها الفارسية وألحقتها بالغرب ليس على المستوى السياسي فقط وإنما على المستوى الثقافي أيضاً .
الفرق بين ثوراتنا والثورة الإيرانية أن الأخيرة كان لها فكر ومفكر يقودها, كان لها أهداف واضحة وعميقة بعمق تغلغل الثقافة الغربية في إيران ذاك الزمان, لم تقبل التسويات, لم ترضخ للضغوط,, لم تساوم, لم تترك مجالاً للوصوليين, بينما ثوراتنا كانت انفعالية, نتيجة لتراكم كم هائل من الضغوط,, لم يكن لها فكر ومفكرون, لم يكن لها قادة بارزون ولم تنتج قادة ملهمون ,لم تكن أهدافها عميقة بعمق الاختراق الذي حصل لأمتنا, لم تتجرأ أي ثورة عربية مثلاً أن تحدد موقفاً من قضايا أمتنا الرئيسية .
الثورة الإيرانية أعلنت مواقف واضحة منذ الساعات الأولى لها, أغلقت السفارة الإسرائيلية وبعدها الأمريكية, أعلنت مواقف واضحة من القضية الفلسطينية, حددت مواقف لا لبس فيها من الهيمنة الأمريكية على العالم, أعادت لإيران هويتها الإسلامية واعتزازها بحضارتها الفارسية, قالت لأمريكا " لا " وبالصوت العالي .
لم تعر الثورة الإيرانية أي اهتمام لمصالحها مع الغرب عندما خيرت بين المصالح والمبادئ .
وبمقارنة ذلك مع الثورة المصرية ذات النجاح الأكبر والتأثير الأوسع بين الثورات العربية سنجد أن السلطة التي أفرزتها أعلنت اعترافها – قبل أن يطلب منها ذلك - بكل المعاهدات والاتفاقات الدولية بما فيها اتفاقية " كامب ديفد " التي انتقصت كثيراً من حقوق مصر أرضاً وشعباً, التي حرمت الجيش المصري من التواجد على مساحة 200 ألف كم مربع من أرض مصر, التي أجبرت مصر على القبول بسفارة اسرائيلية يرفضها 99% من المصريين.
الثورة الإيرانية هي آخر الثورات الكلاسيكية كما يقول بعض المفكرين, الثورة الأخيرة التي تحمل ايدلوجيا واضحة مثل الثورة الماركسية وغيرها من ثورات ما قبل الربيع العربي .
ظهرت ثوراتنا وكأنها محاولات للإصلاح والتغيير لكن في ضل أنظمة الوصاية القائمة, لم تتمكن أي ثورة من تعدي الخطوط الحمراء الأمريكية والصهيونية بل لم تتعدى الخطوط البرتقالية أو حتى الصفراء .
مع أن أمريكا بدأت تهيء نفسها للتعامل مع أسوأ الظروف الناتجة عن الربيع العربي, لكن الغريب هي مسارعة تلك الثورات الى تطمين الامريكيين بأكثر من ما كانوا يحلمون به, سارع بعض قادة تلك الثورات الى إرضاء أمريكا أكثر من تحقيق تطلعات شعوبهم, وكأنهم يسعون الى السلطة أكثر من تطلعهم للتغيير, مرروا الأمر على شعوبهم بذريعة أن المرحلة تقتضي ذلك وأن الثورات لا يمكن أن تنجح إذا لم تحظى برضى أمريكي .
الغريب أن أياً من تلك الثورات لم تعر القضية الفلسطينية أي اهتمام, لم تحدد موقفاً من القدس, من حق عودة اللاجئين, استبشر الإخوة في فلسطين خيراً بالثورات, وسرعان ما صعقوا بنتائجها, أغلق الرئيس المصري مرسي معبر رفح, هدم أكثر من عشرين نفقاً يَمد غزة بالقوت والدواء, وقريباً سيبرر الإخوان لقائهم بالمسؤولين الإسرائيليين بحجة معاهدة السلام .
وللأسف أن بعض قادة تلك الثورات سعوا جاهدين الى إظهار النوايا الحسنة تجاه الغرب في نفس الوقت الذي أظهروا مواقف متشنجة من إيران مقلدين مواقف أنظمتهم القمعية .
كما أن بعض الثورات – مثل ثورة اليمن - ساهمت في ازدياد النفوذ الأمريكي وأصبحت علاقة بعض الثوار بالأمريكيين أكثر تميزاً من علاقة صالح بهم, فتقاطر الجميع على السفارة الأمريكية دون أن يندد أحدهم بما تقوم به طائراتها, وكله تحت مبرر اسقاط بقايا العائلة, نبرر التدخل الامريكي بمنع بقايا العائلة, نبيح أرضنا وشعبنا واجوائنا ومياهنا حتى لا تبقى العائلة, نهاجم ايران ونتهمها دون أدلة حتى نزاحم بقايا العائلة .
ماذا نريد ؟ أين نقف من قضايا أمتنا ؟ من هو عدونا ؟ ومن الصديق ؟ماهي خطوطنا الحمراء ؟ تلك أسئلة لم تجب عنها أي من ثورات الربيع العربي حتى الآن .
للأسف فإن أهم مفكري العرب وهو الأستاذ / محمد حسنين هيكل لا تحظى كتاباته بالاهتمام المناسب من جيل الشباب معتقدين أنه يعيش خارج الواقع, بينما الواقع نفسة تجسده كتابات هيكل, والى أن نقدر الفكر والمفكرين ستضل ثوراتنا مجرد حركات اصلاحية .
الثورة الايرانية نقلت ايران من محور الى آخر, من مناصرة الظالمين الى مناصرة المستضعفين, من الاعتماد على الغرب في كل المجالات العلمية والعسكرية وغيرها الى الاعتماد على العقول الإيرانية, من التبعية الكاملة الى الا تبعية .
الثورة الإيرانية أحدثت نقلة نوعية في موقع إيران على الساحة الإقليمية والدولية, جعلت إيران لاعب رئيسي في المنطقة بل وعلى مستوى العالم .
نتمنى أن تصل بنا ثوراتنا العربية الى ما وصلت اليه إيران في جميع المجالات وخصوصاً المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية وللمقاومة عموماً .
- قرأت 522 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ