الله موجود في دار الرحمة للأيتام
لا هي سندريلا ولا نزلت من السماء بزنبيل والمجتمع اليمني ليس حضّاناً بطبعه. لكن قصة هذه الطفلة عززت قناعتي أن قدر الإنسان قد يتغير بخطوة، بلقاء، بحركة صغيرة مثل نقلة قطعة الشطرنج.
بالأمس كانت بائعة لُبان "شونجم" في الشوارع. وبعد سنوات، أرى ذلك الآن في عينيها، سيشار إليها بالبنان إعجاباً وتقديراً بسيدة مجتمع يتمنى المرء مصافحتها.
و"إيمان الحدأ" مثال على خيرية المجتمع وقدرته على إعادة تشكيل عجينة طفل وتغيير حياته. هي واحدة من آلاف الأطفال الذين نصادفهم يومياً يبيعون جرائد ويمسحون سيارات في المدن. يشحذون أو يستغلون. هم الثروة التي تفوق كل مؤتمرات المانحين!
نقلتني النظرة الواثقة في عينيها إلى طفلة تجلس عادة في رصيف شارع سيف بن ذي يزن وتقول للمارة بأنفة وحشمة آسرين "وزّن". وأخرى رأيتها في جولة القيادة وهي تلصق وجهها بزجاج سيارة مرسيدس رفعه سائقها للتو قبل وصولها. شاهدت كرات النار في عينيها.
هي الآن في مكان رائع. وصبيحة عيد الفطر ذهبت البلد كلها لمعايدة الرئيس عبدربه منصور هادي وذهب مثلها لمعايدة الرئيس السابق علي عبدالله صالح. بينما استقبلت إيمان وآلاء وحنان وعبدالباسط و400 طفل وطفلة زواراً لا تربطهم بهم معرفة شأن كل عيد. حمدت الله أن في هذا البلد المتجهم منذ أكثر من عام مكان تشيع فيه الابتسامة كالهواء.
مؤسسة الرحمة ليست دار إيواء وإطعام. ليست سريراً وبطانية ولا صندوق تبرعات. ليست عدسة التقاط صور تشهير بالأيتام وهم يبكون مع عبارات "مات أبي". إنها حالة فريدة. هي باختصار مكان يصنع فيه الإنسان. حتى أن انكسارة نظرة اليتيم لن تراها في عيون أطفال دار الرحمة. على العكس نظراتهم كلها ثقة وإيمان بالنفس.
بدأت في عمارة صغيرة وهي اليوم مدينة متكاملة. كانت حنان طفلة واجمة تتلعثم مع نطق كل كلمة. هي اليوم متحدثة طليقة وعضو برلمان الأطفال وعادت لتوها من دورة تدريبية في القاهرة. وهذا عبدالباسط عبدالصمد يخفي ذكاءه الحاد جداً في تقمصه مظهر الغشيم الطيب. لعبت مع أحمد على المدرهة وعجبت من قدرة عائشة على حفظ "متن الجزرية" وموهبة ذكرى في الرسم. أما خولة وأنهار فقد قدمن عرضاً مدهشاً: كيف يقمن بتعطيف البطانيات على شكل سندويتش وسمبوسة فشعرت بمتعة ما بعدها متعة.
حدثتني بعضهن عن ماما هند. سألت المربية عن ماما هند التي يذكرنها البنات بعاطفة مفرطة وكأنها الأم تيريزا؟ "هذه الفلة" قالت المربية "والتي بجانبها هدية منها وهي كالأم لهن منذ 6 سنوات". هند شقيقة رجل الأعمال المثير "وصاحب البلاد" شاهر عبدالحق!
شعرت بإجلال كبير للسيدة هند. هناك محسنون كثر يقدمون الأموال لم يتركوا الانطباع الذي تركته هي لدى الفتيات وكأنها تخصهن بشيء من وقتها مع ملعقة حنان إضافية. أما شاهر الذي لطالما انتقدته فقد شعرت أني لو وجدته ساعتها لعانقته عناق جان بايتست غرينوي لانطوان ريشي في المشهد الأخير من رواية العطر، لكنني لم أجده.
في الحوش أسر لي عبدالباسط عن انخفاض عائداته من عسب العيد والعام الفائت. وكيف أن شاهر عبدالحق في آخر زيارة أعطى كل واحد ألفين ريال. الشرير الذي داخلي قال لي أعطي الفتى ثلاثة ألف وفعلت وقلت في نفسي أنا أحسن من شاهر عبدالحق ههههههه.
طلبت سجل الزوار. محمد السعدي وصالح سميع من الوزراء وسليم الشحطري (ابن شقيقة الرئيس صالح) وحامد فرج. كان بين الأسماء تاجر الدواجن نعمان هدوان والمحامي عبدالرحمن برمان وعمار أبولحوم وعبدالقادر هلال.
دخلت دار الرحمة وأنا أشعر بالشفقة على اليتيم وخرجت من الدار وأنا مشفق على نفسي. أنكم مخطئون. نحن الأيتام لا هم. لقد وجدت الله في دار الرحمة كما لم أجده في المسجد الذي صليت فيه قبل ساعات ولا في خطبة إمامه! فتحية للمرأة الفاضلة التي أقامت هذا البيت الكبير: رقية الحجري.
عن الاولى
- قرأت 1910 مرات
- Send by email
أضف تعليقاَ