قتــــــل السفير الأميركي إســــــاءة أكــــــبر للرســـــول والإســــلام
---------------------
يبدو أن فيلم "سذاجة المسلمين"، الذي لم نطلع عليه بعد، حمل إساءة كبيرة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ولكل مسلم ومسلمة على وجه الأرض، وهذا أمر لا نستشفه من هوية مموليه ومؤيديه المتعصبين فقط، وإنما أيضا من عنوان الفيلم الساذج أصلا. لكن الفيلم الساذج والمسيء نجح كما يبدو في تحقيق ما هو أبعد من هدفه الإستراتيجي المتمثل في الإساءة لنبي الإسلام ولهذا الدين: لقد دفع بعض المسلمين إلى المشاركة بأنفسهم في وليمة الإساءة لنبيهم ومباديء وقيم دينهم.
بعض ردود الفعل الإسلامية على الفيلم، الذي موله متعصبون يهود وأيده متعصبون مسيحيون، أعادتنا إلى بعض ردود الفعل الإسلامية على قضية الرسوم الدانماركية المسيئة لنبي الإسلام. وشخصيا، أعادتني ردود الفعل هذه إلى أحد مقالين علقت فيهما قبل سنوات على قضية الرسوم المسيئة، وكان موضوع أحدهما يدور حول النقطة نفسها التي يدور حولها هذا المقال. لم أعد أتذكر عنوان ذلك المقال على وجه الدقة، لكنه تمحور مع متن المقال نفسه حول نقطة جوهرية تتمثل في أن المسلمين الذين انتفضوا ثورة وثأرا لنبي الإسلام ورسالته السامية وهاجموا بعض السفارات الدانماركية في عدد من البلدان الإسلامية وجهوا للرسول ولرسالته إساءة أخرى، وقد أعادني المشهد البشع والوحشي للإعتداء على السفارة الأميركية في ليبيا وقتل السفير جي كرريستوفر ستيفنز مع ثلاثة ديبلوماسيين آخرين إلى أجواء مقالي المنشور قبل سنوات عديدة.
نقطة إرتكاز مقالي ذاك تمثلت في أن الإعتداء على السفارات والبعثات الديبلوماسية، بدعوى الإقتصاص لصورة الرسول الكريم وصورة الإسلام اللتين تعرضتا للإساءة والإهانة من قبل رسام الكاريكاتير والصحف التي نشرت الرسوم، مثل إساءة إضافية للرسول والإسلام. فالديبلوماسية الحديثة المتمثلة في السفارات والقنصليات، كما كتبت يومها، ما هي إلا شكل من أشكال الديبلوماسية القديمة التي كانت ممثلة بشكل رئيسي في مبعوثي الملوك والممالك وحملة رسائلهم إلى الملوك والممالك الأخرى، أي: "الرُسـُـــــل".
سفراء اليوم، وأي موظف ديبلوماسي مبعوث من أي دولة للعمل في أي دولة أخرى، هم الشكل العصري الحديث لـ"رُسُـــــل الأمس". وإذا كانت حماية وإحترام "الرسُــــل" قد شكلت إحدى القيم العظيمة التي أكد عليها الرسول الكريم بإعتبارها قيمة أساسية وجوهرية من القيم التي قامت عليها رسالته، فلابد أن الإعتداء على "رُسُــــل اليوم"- المتمثلين في السفراء ومبعوثي البلدان الأخرى المقيمين في بلداننا العربية والإسلامية- يشكل عملا جبانا وبشعا ووحشيا يتنافى كليا مع قيم محمد بن عبدالله (ص) ورسالته السامية.
مهاجمة وإحراق السفارة الأميركية في ليبيا بالصواريخ ومشهد السفير الأميركي مقتولا لا يمكن وصفهما سوى بأنهما إعتداءان وحشيان ليس على سفارة واشنطن وسفيرها كريستوفر ستيفنز فقط، وإنما على رسول الإسلام وديننا أيضا. فالإعتداء على "رُسُــــل اليوم" هو أمر ما كان محمد بن عبدالله (ص) ليقبل به على الإطلاق، وأكاد أن أجزم بهذا لو لم يكن القطع في مسألة كهذه غير موضوعي.
حُرْمَة السفراء والمبعوثين الديبلوماسيين الغربيين وغير الغربيين في البلدان العربية والإسلامية يجب أن تكون خطاً أحمر. وهي يجب أن تكون هكذا ليس لكونها قيمة إسلامية أساسية حثَّنا الرسول على عدم انتهاكها تحت أي ظرف وأي مبرر فحسب، وإنما أيضا لأنها قيمة أساسية حثت كل الرسالات والتشريعات السماوية والأرضية على إحترامها. إنها قيمة إنسانية سامية وعظيمة تسابقت كل التشريعات السماوية والأرضية على وضعها في موضع يرقى إلى "المقدسات"، وكثيرا ما كانت ورقة تباهي تاريخية في أيدي الأمم. أليست الأدبيات التاريخية العربية من أكثر الأدبيات تباهيا بقيمة احترام الرسُـــل؟
إذا كان السفراء والمبعوثين الديبلوماسيون يمثلون الشكل العصري الحديث لـ"رُسُــــل الأمــــس" الذين حرمت كل الرسالات والتشريعات السماوية والأرضية دماءهم في أي ظرف وتحت أي مبرر، فإن "الحصانة العالمية" الممنوحة لـ"رُسُـــل اليوم" تمثل الشكل العصري والحديث للأعراف والقوانين التي حرمت قتل الرسُــل أو المساس بهم في أي ظرف وتحت أي مبرر كان. إن حصانة السفير والمبعوث الديبلوماسي الحديث تشكل إمتدادا لحرمة دم وكرامة الرسول القديم التي أكدت عليها كل الرسالات والتشريعات السماوية والأرضية منذ الأزل. هذه كانت نقطة أخرى أكد عليها مقالي الذي علقت فيه على ردود الفعل الإسلامية على الرسوم الدنماركية قبل عدة سنوات، وهي نقطة أحياها مشهد الإعتداء البشع والوحشي على سفارة واشنطن وقتل السفير وعدد من موظفيه في مدينة بنغازي الليبية اليوم.
لم يرشح إلينا من تفاصيل فيلم "سذاجة المسلمين" المسيء للرسول والإسلام سوى النزر اليسير من مضمون الإساءة التي حملها الفيلم. فقد حرص الإعلام الناطق بالعربية على عدم الغوص في تفاصيل الفيلم، لكن من الواضح أن مضمون الإساءة ركز على العلاقة بين الإسلام والإرهاب، النقطة التي باتت تشكل "كَعْـــب أخيــــل" بالنسبة لهذا الدين ومدخلا بالتالي لمهاجمته بلا هوادة من قبل المتطرفين اليهود والمسيحيين. لكن هذا لا يشكل سوى الخبر السيء فقط في قصة الإساءة التي لحقت بالإسلام ونبيه.
الخبر الأسوأ يتمثل في الإساءة والإهانة البالغتين اللتين وجهت للإسلام ونبيه من قبل بعض المتطرفين المسلمين من أدعياء حب الرسول واتباع ملته. فإذا كان الفيلم سيء الصيت قد حاول إلصاق صفة البشاعة والوحشية بصورة الرسول الكريم ورسالة الإسلام عبر عمل سينمائي يبدو متدني المستوى، فإن قتلة بنغازي المتطرفون لم يقوموا بفعلتهم الإجرامية النكراء بإسقاط أوصاف مسيئة وغير عادلة حاول الفيلم إلحاقها بالنبي ورسالته قدرما شاركوا بصورة أكثر فاعلية وأبلغ أثرا في سباق توجيه الإساءات والإهانات لمن اقترفوا جريمتهم الوحشية بإسمه وبدعوى الإقتصاص له وإنصافه، وقد أساءوا له وأهانوه تحت دعوى "نصـــرته".
غير أن "نصــــرة" رسول الإسلام لا يمكنها أن تكون بقتل رسول بلد ما في بلد إسلامي على هذا النحو البشع والوحشي إلا إذا لم يكن محمد بن عبدالله هو محمد بن عبدالله والإسلام هو الإسلام.
---------------------------------
*عن صحيفة "الأولى".
______________________________________________
- قرأت 889 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ