عن "نجمة" عالقة في صحراء ثمنُ العودة إلى البحر
بأدب جَمٍّ دعا "إصلاحيو تعز" الأسبوع الفائت الحزبَ الإشتراكي رسمياً إلى "رفع الغطاء عن عضو المكتب السياسي سلطان السامعي".. "تنازلوا لنا عن هذا الرجل لنوسِّده على مذبح خياراتنا المفتوحة بإسم الشراكة التاريخية المتينة التي تربطنا بكم"...
أتصور نصَّ "الدعوة" جاء على هذا النحو،حيث يَتآز الأدب الجم والصفاقة الفجة في صياغة خطاب ي تجلَّى نشازه من إعتياديته... يشبه الأمر سفَّاحاً محترفاً يلقِّن ضحيته الشهادتين بنبرة باردة مؤمنة، فيما ساطوره على أهبة الذبح..
هل بلغت العلاقة بين "الرفاق والإخوان" هذا الحد من الأريحية؟! أم أن "الإصلاح" يريد أن يوحي لقواعد الحزب وأنصاره بأنها كذلك، وأن بمقدوره أن يفترس من لا يروقه منهم متى شاء؛ بصورة شرعية وعلى سنة الله ورسوله ورضا قيادة الحزب؟!
لا أخطط للوقيعة بين الطرفين إطلاقاً لكن سلسلة طويلة من الملابسات تؤكد أن القطيعة قائمة أصلاً؛ حتى مع كون "الحزب" يفضِّل إغفالها لمغزى أجهله في نفوس قيادته؟!
بدأت الشراكة في 2002م بالدم ويمكن بالكثير من مغالطة النفس تجاوزُ هذه الحقيقة والقول إنها "قد تعمدت بالدم"،.
رغم أن ساحة "الإصلاح" لم تبرأ بعد من مسئولية مباشرة وغير مباشرة عن إغتيال الشهيد جار الله عمر في قاعة "مؤتمر التجمع اليمني للإصلاح" التي تولى العميد محمد عبدالله اليدومي حراستها حينها كمسئول أمني أول وحصري!
بعد نحو عشرة أعوام على واقعة الإغتيال المحققة تلك، يطلُّ "اليدومي" من شاشة "الجزيرة" ليكذِّب رواية "الدكتور ياسين سعيد نعمان" عن "محاولة إغتيال" تعرض لها الأخير و وصفها الأول في اللقاء المتلفز بـ "حادثة إطلاق نار عرضية"!
ترى أي وصف كان "اليدومي" سيطلقه على الحادثة لو أن رصاصة القاتل - لا سمح الله- ثقبت جبهة "ياسين" الوضيئة؟! هل سيدلي بشهادة متأخرة سامجة عن أن الفقيد "كان يصلي الفروض الخمسة في جامعة الإيمان" أسوة بشهادة الزنداني عقب إغتيال "جار الله عمر" والتي برَّرت الجريمة بخطأ في معطيات القاتل ليس إلا.
هكذا يظفر القتلة بأجر المجتهد غير المصيب دائماً في "خطاب إسلاموي" بارد وصفيق!
إن السؤال "لماذا ياسين؟" هو الوريث الشرعي للسؤال "لماذا ماجد مرشد؟! والحريبي؟! لماذا جار الله وشافيز عسكر؟! لماذا المتوكل يحيى والمتوكل محمد؟! لماذا عبدالكريم الخيواني ومحمد المقالح؟! لماذا أحمد القمع وعلي النقي؟! لماذا بشرى المقطري وسلطان السامعي؟!"... إنه وريث بلا تركة من إجابة أو أنه يُراد له أن يظل كذلك!
ربما كَبَحَ إنخراطُ "الرفاق كطرف مجني عليه في تحالف سياسي مع الإصلاح كطرف جاني" جِماحَ شهوة الإغتيال والتصفيات مؤقتاً لدى هذا الأخير،غير أن إمكانية إطلاق العنان لها لا تزال قائمة و –فقط- رهن إملاءات "فقه الضرورة"، كما برهنت معطيات العامين الحالي والفائت؛ والتي برهنت أيضاً أن شفرة ساطور التكفير لا تزال قاطعة كذي قبل، لم تَفِلَّها عشرة أعوام من التحالف السياسي!
بات جلياً اليوم أن "المشترك" الذي بدأ كزنزانة إختيارية زجَّ الحزبُ الإشتراكي بنفسه فيها طوعاً، أصبح –بعد عقد- محبساً قسرياً لا فكاك منه، في منعطف مصيري وحاسم يتوجَّب على الحزب خلاله أن ينتشر على مساحة أوسع بمرونة وسرعة تتيحان له إمكانية التقاطع والتشبيك مع مكونات أخرى، والتعاطي بإيجابية مع مستجدات المشهد السياسي.
الأرجح أن الأثمان التي يدفعها عددٌ من كوادر وأعضاء الإشتراكي هي نتيجة مباشرة لوعيه بالحاجة إلى الفكاك من خناق التحالف القسري و فزعِ "الإصلاح" من تبعات ذلك على وضعه الجديد..
يلوح الأمر شبيهاً بمأزق الوحدة ذاتها!
إن قطع الرأس هو عقوبة منطقية للخروج من تحالف تدخله بشرط الختانْ!
بطبيعة الحال لم يكن بمقدور "الإشتراكي" أن يشاطر قوى الإسلام السياسي التقليدية حُظْوَتَها الإقليمية و الدولية العريقة لدى السعودية وأمريكا تماماً كما لم يكن بمقدور هذه القوى أن تشاطره إنحيازه العريق لأحلام البسطاء وتجديفه التاريخي الصادق بمحاذاتها... تلك حقيقة أغفلها الحزب ولا معنى للتذرُّع بمقتضيات العولمة في تبرير زلة فادحة!
مثل سفينة عالقة في صحراء يبدو "الإشتراكي" اليوم، والذين يقامرون بدفعه ليأخُذَ مجراه الطبيعي في بحر الحياة السياسية، تتصيدهم بنادق قراصنة الدين وسواطير الفتوى!
- قرأت 532 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ