فقرة في «خريطة طريق» ولد الشيخ تهدّد بسقوطها
برّر الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي، تحفظه من خريطة الطريق التي قدمها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ، بأنها «خروج صريح على قرار مجلس الأمن 2216 الصادر تحت الفصل السابع، والتفاف عليه وعلى المبادرة الخليجية، ونسف لمخرجات الحوار الوطني».
جاء ذلك في اجتماع عقده هادي، أول من أمس، مع مستشاريه في العاصمة السعودية الرياض، منهم نائبه علي محسن الأحمر، ورئيس حكومته أحمد عبيد بن دغر. هذا الرفض ليس مستغرباً في ظل أن الخطة الجديدة تنهي دوره ودور نائبه، والأخير عليه الاستقالة فور توقيع الاتفاق، كذلك على «هادي» تعيين نائب جديد متفق عليه تنقل إليه الصلاحيات الرئاسية، خاصة تكليف رئيس وزراء متوافق عليه يباشر تشكيل حكومة وحدة وطنية في خلال شهر من التوقيع.
بغضّ النظر عن موقف الرئيس المستقيل، تنطلق «خريطة» ولد الشيخ من المرجعيات التي حكمت المفاوضات التي أجريت في عدد من الدول وأقيم الحوار الوطني على أساسها، كذلك فإنها في البند رقم 2 تحدّد المرجعيات التي استندت إليها: مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها 2216.
المرجعيّات المذكورة تدعو، غالبيتها، إلى احترام سيادة اليمن ووحدة أراضيه، وتلزم البلد احترام الاتفاقات الدولية والاتفاقات مع دول الجوار، بما فيها التي تحكم علاقاته بالسعودية. لكنّ الأوراق الجديدة ــ تحديداً الفقرة الأخيرة من البند 2 ــ طلبت حرفياً انسحاب جموع «الحوثيين وصالح» من الحدود السعودية ــ اليمنية إلى مسافة 30 كلم من الحدود، من أجل تجنب وقوع أي هجوم مستقبلي على الأراضي السعودية.
لا تعترف «خريطة الطريق» بوجود حصار على الشعب اليمني
يُذكر أن المادة الخامسة من «اتفاقية الطائف»، التي عقدت بين البلدين عام 1934، نصّت على تعهدهما منع إيجاد أي بناء محصن في مسافة خمسة كيلومترات من كل من جانبي الحدود، كذلك تضمنت المادة الثامنة التزام الطرفين الامتناع عن الرجوع إلى القوة لحل المشكلات بينهما، أكان سببها هذه المعاهدة أم تفسير بعض موادها، وإن لم يحدث التوافق، يلجأ الطرفان إلى التحكيم ضمن شروط تحددها المعاهدة.
لكنّ الفقرة الأخيرة في البند 2 من مقترح ولد الشيخ (الانسحاب مسافة 30 كلم) تعني أن اتفاقية الطائف التي حددت العلاقة بين الطرفين قد تصير مهددة بالإلغاء، في ظل أن الاتفاقات السابقة تنص على انسحابات متبادلة بين الطرفين، الأمر الذي سيفتح الباب على مصراعيه، حالياً أو لاحقاً، عندما تحين الفرصة لفتح قضية ترسيم الحدود من جديد، مع ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة، خصوصاً أن التفاوض للترسيم استمر قرابة سبعين عاماً، وخضع دائماً لميزان القوة، والبديهي أن الغلبة فيه كان راجحاً للرياض.
وكانت آخر اتفاقية عُقدت بين البلدين، وألزم اليمن توقيعها، هو تثبيت الاتفاقية الماضية في جدة عام 2000، لذلك يرى مراقبون مطلعون على مجريات التفاوض، التي يجريها ولد الشيخ مع الوفد الوطني في صنعاء، أن الرجل يقدم خريطة حل «مليئة بالفخاخ والعقد». فبينما يعتقد المبعوث الأممي أن التضحية بالرئيس المستقيل ونائبه محاولة لإرضاء اليمن، فإن ما يطلبه يصبّ مضمونه بالكامل في مصلحة قوى التحالف التي تغيب عن الخطة، كأن السعودية وحلفاءها لا يشنون حرباً على هذا البلد منذ قرابة عشرين شهراً.
أكثر من ذلك، لا تعترف «خريطة الطريق» بوجود حصار على الشعب اليمني، كذلك رفض ولد الشيخ في أثناء التفاوض إدراج فقرة تطلب فك الحصار عن اليمن فور التوقيع. ويبدو أنه يريد تقديم خدمة إلى السعودية جرياً على عادته، لكنه من حيث لا يدري أو يدري، يضع المعاهدات بين البلدين في مهب الريح، وسيضطر اليمن لاحقاً إلى رفع دعاوى قانونية لاستعادة أراضيه كاملةً، استناداً إلى أن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تنص في المادة (52) على بطلان الاتفاقية والمعاهدة التي تُوقّع بالإكراه عبر التهديد أو استعمال القوة، وهو ما كانت تمارسه السعودية على الدولة اليمنية لتوقيع الاتفاقات سابقاً.
كانت الرياض تستند في ذلك الوقت إلى رجحان قوتها وهيمنتها على الإقليم، في ظل أنها تمثل المتكأ الرئيسي للولايات المتحدة في العالم العربي. لكن بما أن الشعب اليمني قرر الانتقال من مرحلة الوصاية إلى مرحلة بناء الذات والاستفادة من القدرات وإنجاز الاستقلال التام، لن تستطيع السعودية بعد كل هذه التضحيات أن تفرض ما كانت تفرضه سابقاً.
الحقائق التاريخية أقوى من «اتفاقات الإكراه»
تؤكد المصادر التاريخية والمستندات والخرائط أنه لم يطرأ أي تغيير على خريطة اليمن التاريخية، وأن نطاقها وحدودها ثابتة ومتواترة ومعروفة منذ أقدم عصور سبأ وحمير، ثم في عصور الإسلام والدولة الصليحية والدولة القاسمية حتى الحكم العثماني لولاية اليمن، وهذا متطابق على ما أوجزه المعتمد البريطاني هارولد جاكوب، في كتابه الصادر عام 1923، بالقول: «تبدأ اليمن من موقع الليث في ساحل البحر الأحمر عند خط العرض (20) وخط الطول (44) ــ وهو حدّ ما بين اليمن والحجاز ــ واليمامة هي حدّ ما بين اليمن ونجد».
كذلك، نجد محافظات نجران وجيزان وعسير بكل نواحيها وجزرها ما هي إلا جزء من اليمن عبر التاريخ. لكن هزيمة الجيش اليمني أمام السعودي المتحالف مع البريطانيين أدى إلى توقيع معاهدة الطائف في 1934، بسبب إدراك الإمام يحيى حميد الدين أن قواته لم تعد قادرة على الصمود أمام آل سعود. بموجب المعاهدة صارت نجران وجيزان وعسير تحت حكم السعودية بـ«نص حرفي»، لكن المعاهدة اتصفت بأمرين: الأول أنها مؤقتة لمدة عشرين سنة ويمكن تجديدها أو تعديلها، والثاني أن توقعيها عن الجانب اليمني كان باسم المملكة المتوكلية اليمنية، وجاء التوقيع في أعقاب الهزيمة العسكرية.
جرت محاولات سعودية متكررة منذ توقيع الاتفاقية لفرض تثبيتها وجعلها دائمة على الجانب اليمني، ويؤكد المطلعون أن عدداً من القادة والمسؤولين اليمنيين قتلوا أو أقصوا عن مناصبهم بسبب رفضهم تثبيت اتفاقية الطائف، إلى أن جرى إمرار «معاهدة جدة» الموقعة في 12 يونيو 2000 بالتصويت على المعاهدة في مجلس النواب عبر رفع الأيدي، وذلك في مخالفة للقانون الداخلي لمجلس النواب الذي ينص على التصويت بالجهاز أو بالمناداة بالاسم. وقد كان التصويت مخالفاً لنص المادة الأولى من الدستور التي تنص على منع جواز التنازل عن أي جزء من الأرض.
* نقلاً عن الأخبار اللبنانية
- قرأت 1271 مرة
- Send by email