الذهب المهدور بذريعة الاستكشاف
- يقصر قانون المناجم والمحاجر مدة الاستكشاف التي تُمنح للشركات بعامين إلا أن هذه الشركة تعمل منذ أكثر من 16 عاماً ومازالت في مرحلة الاستكشاف
- تمتلك الشركة حفارات وأدوات حديثة ومع ذلك تقول إنها لم تصل مرحلة الاستخراج رغم أن الأهالي يستخرجون الذهب بأدواتهم البسيطة
- تقول الشركة إن الذهب موجود بتركيز 1,6 - 2 جراما في كل طن من التراب، غير أن الأهالي يؤكدون أنهم يستخرجون 1,5 - 2 جراما في كل 50 كيلوجراما
- مسؤول في هيئة الثروات المعدنية يقول إن المشاكل الأمنية كانت السبب وراء تأخر الشركة في عملية الاستكشاف
- يقول الأهالي إن الشركة لم تتوقف عن العمل خلال مدة جاوزت 16 عاماً سوى سنة وبضعة أشهر متفرقة
- طبقاً للأهالي فالشركة تستخرج يوميا 2 - 4 صناديق من كل حفار فيما يقول مسؤولو هيئة الثروات المعدنية إن الشركة تأخذ عينات بحدود طن في كل 6 أشهر تقريباً
- تقدر مساحة المنجم بنحو كيلومترين طولاً وتتفاوت عرضاً بين 200 -700 متر، حسب الأهالي
- تُقدر هيئة المساحة الجيولوجية احتياطي الذهب في منطقة الحارقة بنحو 30 مليون طن بدرجة تركيز 1,6 - 2 جراما لكل طن
- تقديرات الأهالي تقول إن نسبة تركيز الذهب في الطن تصل إلى 30 جراماً هذه النسبة متوفرة في بعض مناجم السعودية، ومناجم اليمن أغنى منها
- يتذكر الأهالي أنهم بدؤوا استخراج الذهب عام 2003 بعد أن عرفوا كيفية استخراجه عن طريق الزئبق
- خلال أكثر من 16 عاماً من عمل هذه الشركة لم يتم تقييد وضبط أي مخالفة عليها
- تتم آلية الرقابة على الشركة عن طريق تقارير تُرفع من قبل الأخيرة ومهندسين من الهيئة ينزلون للتأكد من ذلك كل 3 أشهر
- يمنح القانون المصري موظفي هيئة الاستكشاف صفة الضبط القضائي لإثبات أي مخالفات تقوم بها الشركات المستكشفة في مصر فيما يعطي القانون اليمني موظفي الهيئة حق الاطلاع دون صفة ضبطية ويكتفي بغرامات على المخالفات
- أخاديد حفرها الأهالي ليلاً لتتبع خيوط الذهب داخل جبلين
- الذهب موجود في كل ذرات تراب جبلي "السقائف" و"الحارقة" وفي نقاط معينة يكون تركيزه أعلى
- دكان يُستخدم كمعمل لاستخلاص الذهب الذي يستخرجه الأهالي في حفرهم الليلي
- يشتري صاحب المعمل ذهب الأهالي بفارق 100 ريال عن سعر الجرام ويبيعه لتاجر ذهب في الحديدة
- الأهالي: نساءنا ما يقدرين يخرجين يجمعين حطب.. واحنا ولا مستفيدين شي، حتى الموظفين في الشركة من أقرباء المسؤولين في المجلس المحلي
الحارثي:
- نزفت آبارنا من حفريات الشركة والناس كلهم أمراض
- المياه ملوثة وسببت المرض للناس بسبب المواد التي تستخدمها الشركة في الحفر
- ما نستخدم مياه المنطقة إلا للضرورة ونأتي بالماء من تهامة
في منجم الذهب هذا تعمل شركة "كانتكس" الكندية، منذ عام 1996، على ما تقول إنه استكشاف، ويقول الأهالي إنه نهب لثروة منطقتهم المحرومة من أبسط الخدمات.
يقع منجم "الحارقة" للذهب في مديرية "أفلح الشام"، التابعة لمحافظة حجة. منتصف الشهر الماضي، قمت بزيارة المنجم والتقيت عدداً من أهالي المنطقة.
وصلت مركز مديرية "أفلح الشام" بعد الثانية عشرة ظهراً. كنت قد انطلقت من "حرض" في الثامنة صباحاً، وتنقلت على أكثر من سيارة، ثم دراجة نارية. انتظرت نصف ساعة على إحدى السيارات، في فرزة لوجهات متعددة داخل مدينة حرض. اتفقت مع سائقها أن يوصلني "عبس"، حيث مفرق في هذه المديرية سأتجه منه شرقاً نحو مديرية "خيران المحرق"، أسفل جبل "أفلح الشام". بعد أن امتلأت السيارة، وجد السائق بديلاً عني يقصد مدينة الحديدة فطلب مني النزول، واعدا بأنه سيأخذني إلى سيارة أخرى على وشك الانطلاق إلى مدينة عبس. تنبهت إلى خداع الرجل، ولم يكن لتنبهي حيلة. رفضت النزول متحججا بانتظاري لأكثر من نصف ساعة، وساند الرجل يديه العريضتين، اللتين امتدتا لإخراجي، بحجة مقرفة: "انزل هذي سيارتي". حين أيقنت أن السائق التهامي، الذي ذكرني لحظتها بـ "طفاح"، لن يتراجع عن صلافته، ودون حاجة إلى مساندة السائقين الذين التفوا حوله؛ اندفعت مبديا استعدادي للنزول، بأنفة وتعزز مصطنعين.
بعد حوالي ثلث الساعة، وجدت سيارة أخرى، بالغت في التأكيد على سائقها بضرورة إيصالي حتى كاد أن يتركني. مررنا على "مثلث عاهم"، حيث يرابط هناك طقم عسكري ودبابة رأيناها تتحرك في نفس المكان الذي رأيتها فيه قبل أسبوع، بدا أن سائقها أراد فقط التأكد من أنها مازالت تعمل، حتى أن أحد الركاب علق على المشهد: "ذي جابوها للإمام مع امسيارة تاك ذي قتلوه فيها".
بعد حوالي ساعة على وصولي مديرية "عبس" وجدت سيارة متجهة نحو مديرية "خيران المحرق"، التي وصلتها في الحادية عشرة ظهراً. كانت تفصلني أكثر من ساعة عن مديرية "أفلح الشام"، التي عليك أن ترفع بصرك بأقصى ما أمكن لتجدها على ارتفاع رأسي يقارب كيلومترين. أخبروني أن من النادر أن أجد سيارة إلى "أفلح"، وكان عليّ استئجار دراجة نارية.
من جهة الغرب، بدأنا أخذ التواءات "جبل أفلح"، التي استغرقت أكثر من ساعة على دراجة نارية تستهوي سائقها دبكات عراقية أطربت الدراجة أيضاً، وعلى وقعها، أخذت تتقافز فوق نتوءات وأحجار تخفيها طبقة ترابية متحركة ومثارة بفعل حركة السيارات. كانت بعض الالتواءات ممتدة وذات صعود متدرج سمح للسيارات الهابطة أن تغطينا بالغبار.
انتهى الارتفاع الشاهق بمركز المديرية، وهناك استقبلني أحمد الطواف، أحد أهالي "العيز"، الذي كنت قد اتصلت به، بعد أن أخذت هاتفه، قبل أسبوع، من قريب له تعرفت إليه في طريقي إلى حرض.
ببساطة وود، قدر الطواف كفاحي في الوصول، واستقبلني كما لو كنت أعرفه من قبل. سألته عن مكان المنجم فأشار إلى "جبل الحارقة"، الذي بدا دون الجبال المجاورة له، مائلا إلى اللون الأحمر، على بعد يزيد عن كيلومترين إلى الشرق.
أصر أحمد الطواف على عدم ذهابي إلى المنجم قبل تناول الغداء لديه. وفي بيته قابلت والده ناصر الطواف، وهو شيخ مسن يتذكر قتاله، وآخرين من أبناء "العيز"، مع "الجمهورية"، ويرى أن نضالهم قُوبل بمكافأة سيئة: "احنا اللي قاتلنا هنا مع الجمهورية ما عملوا لنا حتى طريق!". قال إن الطريق التي جئت منها "شقوها أيام الحمدي، وذلحين لا خربت صلحوا مكان خرابها قليل فقط.. لا معك مريض يموت بالطريق".
أخبرني أحمد الطواف أن شركة "كانتكس" تعمل في المنطقة منذ التسعينيات ولا يعلم أحد ما الذي تقوم به. بعث أحمد في طلب صاحب دراجة نارية لإيصالي إلى مكان المنجم؛ بعد أن طمأنني: "روح لا هناك صور وبا تشوف ناس يكلموك، وإذا احتجت شي اتصل بي".
بعد خروجي من بيت الطواف، في انتظار سائق الدراجة، التقيت محمد الحربي، الذي قال إن الشركة تنهب الذهب، وقد وصلت مرحلة استخراجه، إلا أنها تنفي ذلك، وتقول إنها مازالت في طور الاستكشاف. أخبرني الرجل أنه قريب لأمين عام المجلس المحلي، محمد مجلم، ونصحني أن آخذ تصريحا منه، وأشار إلى بيت مجلم، الذي كان على بعد أمتار. وصلت مع الحربي بيت مجلم، الذي كان نائماً، بحسب ابنه حمزة، طالب الصف الرابع: "شقوم بعد شوية يتغدي ويخزن بالمجلس المحلي، معه اليوم قضية". وبعد ساعتين، كان لحمزة دور في تخليصي من مسلحين اعترضوني في منطقة "السقايف" - "عزلة بني الحارث"، حيث تعمل الشركة حالياً. يسمى المنجم بـ "الحارقة"؛ إلا أنه يشمل "جبل الحارقة"، و"جبل السقايف" الواقع إلى الجنوب منه.
أمراض وشح في المياه
أخذني عبد الرحمن جابر، على دراجته، نحو المنجم. سرنا على طريق اعتلت قمة الجبل، وكنا على حافة هاويتين كما لو أننا على حبال سيرك؛ ولكن بلا أي مهارة. كانت طبقة من التراب المتحرك تغطي الطريق، وهو ما كان يعمل على انزلاق الدراجة باتجاه إحدى الهاويتين مرة، وثانية باتجاه الأخرى.
في أقل من ساعة بقليل، وصلنا سائلة تتوسط "جبل الحارقة" و"جبل السقايف". بدأنا نشاهد أخاديد منتشرة على جانبي الطريق، حفرها الأهالي تتبعا لـ "خيوط الذهب"، حسب عبد الرحمن. عادة يعمل الأهالي في الحفر ليلاً: "تشوف الجبل كله كشافات ضوء".
تقدمنا قليلاً فواجهنا أربعة مسلحين بكلاشنكوف وهراوات، عرفنا أنهم كانوا متربصين بغرمائهم من قبيلة أخرى ضربوا قريبا لهم في اليوم السابق. سألتهم عن مكان عمل الشركة، فردوا غاضبين بأسئلة أخرى. أكدت لهم أنني سأنقل آراء الأهالي عنها. عندها اندفعوا شاكين؛ قال أحمد صالح الحارثي، وهو يشير إلى الجانب الشمالي من الطريق: "هذي أول مشكلة؛ نزفت آبارنا من حفريات الشركة، وما وفروا لنا حتى ماء.. وما بقي في الآبار السطحية ملوث من المواد اللي تستخدمها الشركة بالحفر.. الناس كلهم أمراض". كان يشير إلى بئر سطحية، تقدمت معهم خطوات لمشاهدتها، ورأيت إحدى النساء تجمع المياه في عمقها البالغ 20 متراً. لا تتجمع المياه في البئر بما يسمح لإنزال دلو من الأعلى، لهذا تضطر النساء للنزول عبر رفوف ترابية حفرها الأهالي على جانب البئر. قالوا إن آباراً كثيرة غار ماؤها بسبب حفريات الشركة. أشاروا إلى حفرة كبيرة وُضع فيها "طربال" قالوا إنه لحفظ المياه التي تتسرب شحيحة من عيون في الجبل، وهي مياه قال الحارثي إنها "ملوثة.. سببت المرض للناس.. ما نستخدمها إلا للضرورة.. نأتي بالماء من تهامة".
تحفر الشركة، بحسب الأهالي، في كل 25 متراً، بخمسة اتجاهات لنقطة واحدة: تحفر 4 زوايا حادة بالاتجاهات الأربعة، والخامسة رأسية بزاوية قائمة. وطبقاً للأهالي، فهذا الحفر عمل على تسرب مياه الآبار السطحية، وتلوث ما بقي شحيحا في بعضها.
قبل أن يحدثوك بمغالطات الشركة، يشكون معاناتهم المباشرة: "يا أخي نزفت المياه، ونساءنا ما يقدرين يخرجين يجمعين حطب.. واحنا ولا مستفيدين شي، حتى الموظفين في الشركة من أقرباء المسؤولين في المجلس المحلي".
طرح عبد العزيز علي ناصر مطالبه: "توفير آبار ارتوازية نشرب. كان معنا آبار غار الماء فيها بسبب حفر الشركة.. ويوفروا غاز، لأن نساءنا ما يستطيعين يخرجين من البيوت.. وتوفر لنا الشركة عمل، لأنها تعمل بأرضنا".
أما عبد الله القعود فهو يشكو عدم اعتماد الشركة راتباً لأبناء أخيه وتعويضهم عن أبيهم، الذي قال إنه توفي وهو يعمل مع الشركة، ولأسباب راجعة إلى عمله في الشركة: "أخي محمد علي احمد القعود مات وهو يشتغل معهم، وما اعطوه أي حقوق، وموته بسبب مواد استنشقها من الشركة.. تفجرت الرئتين حقه بسبب المواد اللي يجيبوها يستخرجوا بها الذهب.. ما قدروا عمله اشتغل معهم من 94- 2008".
"كيف حال الصحافة؟"
كانت حفارات الشركة في أعلى "جبل السقايف"، قبالة "جبل الحارقة". رافقني الحارثي وعبد العزيز علي ناصر وعبد الله القعود وثلاثة آخرون، إضافة إلى سائق الدراجة، الذي التف بدراجته على طريق السيارات.
قبل صعود الجبل مباشرة، لحق بنا طفل يحمل "دبتين" فارغتين، كان ذاهبا لتعبئتهما بالمياه. طلب مني الأهالي تصويره. أخذت له صورة أغضبت ثلاثة أشخاص كانوا في سيارة "جيب" قريبة. لاحقاً عرفت ذلك من سائق الدراجة النارية.
حين أخذت، فور صعودنا، أصور حفار الشركة، انتبهت إلى 3 مسلحين نزلوا من سيارة "جيب" كانت واقفة أمامنا. دعاني أحدهم، وأخذ بيدي كأنه يريد التحدث إليّ. سألته عما يريد، وعرفت من اندفاع الحارثي، الذي كان مسلحاً أيضاً، أن الأمر ليس طبيعياً: "بحَجْر الله يا بني بو هادي، هذي أرضنا ما لكم دخل فيه". ثم وجه حديثه إليّ: "لا تصدق لهم، ما يشتوك تصور، ويشتوا يأخذوك معاهم".
اتصلت حينها بمدير المديرية، الذي رد عليّ: "وانت ما وصلك لا عندك؟! روح مكتب الشركة". أخبرته أني الآن في مشكلة، وسألته عما إذا كان الالتقاء بالأهالي ممنوعاً! لكنه واصل حديثه، الذي لم أسمع معظمه، دون أن يُبدي نيته التحدث إلى المسلحين. عندها ختمت حديثي معه.
قال عبد الله بو هادي، أحد المسلحين، إن الشيخ مجلم، أمين عام المجلس المحلي، هو من كلفهم باعتراضي؛ لأني أتجول في المنطقة بدون موافقته. طلبت التحدث إليه، فاتصل به وأعطاني التلفون، وكان حال الصحافة همّ أمين عام المجلس المحلي، وأول ما سأل عنه: "كيف حال الصحافة؟". قال إنه لا يعلم ما الذي أريده، وأخبرته أنني كنت، قبل ساعتين من الآن، في منزله وأخبرني ابنه حمزة أنه كان نائماً.. وأبلغته أني سأمر عليه في طريق العودة. بهذا فقط تركني المسلحون أواصل التصوير، والحديث مع الأهالي؛ غير أني لم أمر عليه في طريق العودة؛ لأن الأهالي حذروني من ذلك: "بايمسحوا عليك الصور".
اقتربنا من أحد حفارات الشركة، وكان متوقفا بسبب المشاكل التي حدثت في اليوم السابق، حسب أحد مهندسي الشركة، التقيناه في مكتبها.
عدنا من الجبل، وأخذ كل ممن رافقوني يُدلي بتعليقه على ما حدث من مشادات بينهم وبين المسلحين، الذين أرادوا أن يأخذوني معهم لا أدري إلى أين. قال أحدهم إن "الشركة تعطيهم فلوس، وما يشتوا تنقل ما يعانيه المواطنين، وكلهم عملاء معها".
عبد الرحمن، سائق الدراجة، قال إن سيارة المسلحين، التي وجدناها تنتظرنا أعلى الجبل، كانت متوقفة أسفله قبل أن نصعد: "أنتم طلعتم الجبل، وأصحاب الحبة (الجيب) قدموا وسألوني: من جاب هذا المصور؟ (انتبهوا حين صورت الطفل، حاملا "دبتي" المياه)، وقلت لهم: أنا. قالوا: با يأخذوا المُتُر (الدراجة النارية)، وقلت لهم: أنا مالي دخل.. وهم طلعوا لاقوكم".
شخص آخر قال: "ما يشتوا تذكر أن الشركة تعمل في منطقة بني الحارث، ويشتوا تذكر أنها تعمل في عزلتهم (المسلحين)".
صناديق عينات يلتمع فيها الذهب
شاهدت حفاراً آخر للشركة على الجبل، على بعد نحو نصف كيلومتر من الحفار الأول. توقعت أنه في منطقة المسلحين؛ إلا أن الأهالي برفقتي قالوا إن الحفار لا يزال في عزلتهم هم.
ومن كلام الأهالي تبين أن حرص كل طرف على إثبات أن الشركة تعمل في منطقته يرجع إلى الخدمات التي يتوقعون أن الشركة ستُقدمها لهم كنصيب من الثروة المستخرجة. أحدهم أوضح ذلك: "أنت اذكر ان الشركة في منطقتنا لأنهم يتخذوا القرارات في صنعاء بدون ما ينزلوا يشوفوا، ولا هم داريين بشي". أفاد آخرون بأن المسؤولين من أبناء المنطقة، أو من قالوا إنهم من مناطق مجاورة تم ترشيحهم من قبلهم، لا يهمهم معرفة الدولة باحتياجاتهم: "يهمهم مصلحتهم وتوظيف أقاربهم.. ما همهم في المواطنين.. هم يستغلونا وما يذكرونا الا وقت الانتخابات".
ذهبت إلى مقر الشركة لمقابلة مديرها؛ غير أنه، بحسب الحراس، كان في صنعاء. أما المهندسون، الذين كانوا موجودين، فرفضوا الإدلاء بأي تصريح، كونهم غير مخولين بذلك.
بعد شد وجذب، بين الأهالي الذين رافقوني وحراس الشركة، سُمح لي بتصوير الصناديق، التي قال عبده غوث، أحد مهندسي الشركة، إنها عينات للفحص. كان "غوث" في الجانب الغربي من حوش المبنى ذي الطابقين، يرش صناديق "العينات". أخذت أصور الصناديق، والتقط القعود إحدى القطع من صندوق وقدمها إليّ وهو يشير إلى التماع الذهب، الذي كان واضحا فيها. أنكر غوث، وهو من أبناء المنطقة، أن تكون الشركة مستفيدة حالياً؛ لأنها، كما قال، مازالت في طور الاستكشاف؛ غير أن الأهالي أرجعوا إنكاره إلى خوفه من فقدانه للعمل، "مثل مهندسين قالوا أشياء ما أعجبت الشركة وفصلتهم".
دعاني عبد الله القعود إلى دكانه، وهو يستخدمه، أيضا، كمعمل لاستخلاص الذهب الذي يستخرجه الأهالي في حفرهم الليلي. اتفق القعود مع أحد تجار الذهب في محافظة الحديدة على أن يوفر له التاجر اسطوانة أكسجين لاستخدامها في صهر الذهب، مقابل أن يشتري القعود الذهب، الذي يستخلصه في معمله البسيط، من الأهالي، وبفارق 100 ريال عن سعر السوق في الجرام الواحد، ثم يبيعه للتاجر.
"تعال شوف بعينك الذهب اللي تقول الشركة إنه عادها تستكشفه.. يا أخي الناس يستخرجوه بأدواتهم البسيطة والشركة بحقها الحفارات تقول إنها عادها تستكشف!"، قال القعود، ونحن في طريقنا إلى معمله القريب من إدارة الشركة.
أحضر أحد الأهالي الذهب الذي استخرجه، طالبا من القعود تصفيته. أخذ القعود يحرق الفص، الذي أحضره الرجل، بالأكسجين، ويضيف إليه مواد قال إنها "ملح البارود والتنكار"، وهي تساعد على تجميعه وتصفيته. شرح لي الرجل طريقة استخراج الذهب منذ عملية الحفر إلى أن يصبح جاهزا للصياغة والتشكيل، والعملية الأخيرة هذه تتم في معمل تاجر ذهب بالحديدة. بعد عملية صهر استغرقت قرابة خمس دقائق أصبح الفص جاهزاً للوزن بميزان الذهب، الذي قدر استحقاق الرجل بـ1,37 ملجم. وضعه القعود في كيس صغير يحفظ فيه أكثر من 70 جراما اشتراها من الأهالي ليبيعها إلى تاجر الذهب في الحديدة.
يتذكر الأهالي أنهم بدؤوا استخراج الذهب عام 2003، بعد أن عرفوا كيفية استخراجه عن طريق الزئبق. يحملون التراب المحتوي على الذهب إلى منازلهم، وهناك، بحسب وصفهم، يسحقون التراب ثم ينخلونه، بحيث يصبح ناعماً، وعندها يقسمونه إلى كميات لا تزيد عن ثلاثة كيلوجرامات حتى يسهل خلطها مع الماء والزئبق. يعمل الزئبق على فصل الذهب عن التراب، وتتم تصفيته بشكل نهائي عن طريق الحرق بالأكسجين.
يحفر الأهالي في الجبل، متتبعين "عروق معينة.. تختلف من عرق لآخر.. بعض العروق (أجزاء من التربة يعرف الأهالي أنها تحتوي على الذهب) تخرج من 2 زنابيل 4 جم.. وبعض العروق الضعيفة تخرج من الـ2 زنابيل 2جم"، بحسب القعود، الذي قال إن الـ "2 زنابيل" تقدر بـ14 كيلوجراما. أما حين يأخذ المواطنون التراب من أي مكان في الجبل (دون تتبع عروق معينة)؛ فيتراوح ما يحصلون عليه من الذهب بين جرام ونصف وجرامين، في كل "كيس دقيق" (يقصد الفارغ)، أي في كل 50 كيلوجراما من التراب.
دور غائب ورقابة منعدمة
في زيارة لاحقة إلى هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية بصنعاء، قال علي الصوفي، نائب مدير عام التقييم والترويج في الهيئة، إن تقارير الشركة المستكشفة في "الحارقة" تشير إلى أن نسبة تمعدن الذهب تتراوح بين 1,6 و2 جم في كل طن من الصخور، وهي النسبة نفسها التي يؤكد القعود حصول أهالي "الحارقة" عليها في كل 50 كيلوجراما من الصخور.
زرت الهيئة المسؤولة عن منح الشركات تراخيص استكشاف واستغلال الثروات المعدنية، لمعرفة آلياتهم الرقابية على شركة "كانتكس"، التي منحت ترخيص استكشاف ذهب "الحارقة"، وسبب إطالة مدة الاستكشاف التي لا ينبغي أن تتجاوز سنتين، بحسب القانون اليمني للمناجم والمحاجر، الصادر بقــرار جمهوري بقانون رقم (24) لسنة 2002م.
تنص المادة 11 من هذا القانون: "يصدر ترخيص الكشف عن المواد المعدنية والصخور الصناعية والإنشائية من قبل الهيئة، يصادق عليه الوزير ولمدة أقصاها سنتان بناء على طلب كتابي يقدم لرئيس مجلس الإدارة وتنظم اللائحة التنفيذية الشروط والإجراءات اللازمة لذلك".
قال الصوفي إن "المشاكل الأمنية كانت السبب وراء تأخر الشركة في عملية الاستكشاف"، وهو أمر ينكره الأهالي الذين يؤكدون أن الشركة لم تتوقف عن العمل، خلال مدة جاوزت 16 سنة، سوى بضعة أشهر متفرقة، إضافة إلى سنة واحدة يظنها الأهالي كانت العام 2000. ويشير الأهالي إلى أن الشركة لم تتوقف عن مزاولة عملها حتى خلال حروب صعدة، ومشاكل 2011.
أما آلية رقابة الهيئة على الشركة فتتم عن طريق تقارير العمل التي ترفع من قبل الأخيرة، ونزول مهندسين من قبل الهيئة للتحقق من ذلك، بشكل متفاوت، شبه ربع سنوي، بحسب الصوفي.
بينما يمنح قانون المحاجر والمناجم المصري موظفي هيئة الاستكشاف صفة الضبط القضائي لإثبات أي مخالفات تقوم بها الشركات المستكشفة في مصر؛ يعطي القانون اليمني موظفي الهيئة حق الاطلاع دون صفة ضبطية، ويعاقب الشركة المستكشفة، حال امتناعها عن تقديم معلومات وتسهيلات لعمل موظفي الهيئة، بمبلغ يتراوح بين عشرة آلاف و100 ألف ريال.
تنص المادة 44 من قانون المحاجر والمناجم المصري على: "يكون لمفتشي ومهندسي الهيئة ومساعديهم والموظفين الفنيين صفة مأموري الضبط القضائي لإثبات ما يقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون والقرارات وفحص الدفاتر والسجلات والأوراق فى الأماكن غير السكنية لمتابعة الأعمال ويصدر لمن له صفة الضبطية القضائية قرار من رئيس الهيئة".
المــادة 43 من قانون المناجم والمحاجر اليمني تنص على: "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في القوانين النافذة، يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف ريال ولا تزيد عن مائة ألف ريال أو بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر كل من ارتكب أحد الأفعال الآتية:
ا- استخرج الصخور الصناعية والإنشائية خلافا لأحكام هذا القانون.
ب- امتنع عن تسديد الرسوم وسائر المستحقات المقررة للدولة الخاصة باستغلال الصخور الصناعية والإنشائية.
ج- هرّب الصخور الصناعية والإنشائية إلى الخارج.
د- استخدم تراخيص المحاجر في غير الأغراض المحددة لها.
هـ- رفض تقديم التسهيلات والمساعدات المطلوبة للموظفين المفوضين من قبل الهيئة أو حال بأي شكل من الأشكال دون قيامهم بواجباتهم.
و- قدم أية بيانات غير صحيحة لغرض الحصول على عقد استغلال مواد الصخور الصناعية والإنشائية".
وخلال أكثر من 16 عاماً من عمل الشركة الكندية لم يتم تقييد وضبط أي مخالفة جوهرية عليها من قبل هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية! ذلك أنها لا تدري ما إذا كانت الشركة تقوم بعمليات الاستخراج، طوال هذه الفترة، مستغلة غياب آليات الرقابة الوطنية وحس المسؤولية الوطنية لدى الجهات الرسمية.
وقال الصوفي إن المخالفات التي يتم ضبطها على الشركة تتمثل في تأخرها، أحياناً، في رفع تقارير العمل الفصلية، التي تتضمن ما أنجزته ووصلت إليه الشركة.
يقول الأهالي إن الشركة تستخرج يوميا 2 - 4 صناديق من كل حفار، تقوم بنقلها إلى صنعاء برحلات شبه أسبوعية، على شاحنات صغيرة تستأجرها الشركة، أو في سياراتها الخاصة. أما الصوفي، نائب مدير التقييم والترويج في هيئة المساحة الجيولوجية، فيقول إن الشركة "تأخذ عينات بحدود طن، أو أكثر، في كل ستة أشهر تقريبا".
وأكد الصوفي أن "الحارقة منجم مفتوح بسبب توزع ذرات الذهب عليه بشكل كلي"، أي أن الذهب متواجد في كل صخوره وترابه بنسب متفاوتة.
تقدر مساحة المنجم بنحو كيلومترين طولاً، وتتفاوت عرضاً بين 200 و700 متر، حسب الأهالي، وما أشاروا إليها من حدود.
تُقدر هيئة المساحة الجيولوجية احتياطي الذهب في منطقة "الحارقة" بنحو 30 مليون طن، بدرجة تركيز 1,6 - 2 جراما لكل طن. قد تكون نسبة الاحتياطي العام حقيقية؛ لكن هناك تفاوت كبير بين ما يؤكده الأهالي، على أرض الواقع، وما تُصرح به الهيئة، فيما يخص درجة تركيز الذهب أو نسبة تمعدنه. تقول الشركة، وفقاً للصوفي، إن نسبة تركيز الذهب في الطن تتراوح بين 1,6 - 2 جراما، فيما يقول الأهالي إن هذه النسبة يحصلون عليها في كل 50 كجراما.
إذا أخذنا النسبة الأدنى من تقديرات المواطنين، وهي أن كل 50 كيلوجراما من الصخور تحتوي على 1,5 جراما من الذهب، ستصل نسبة تركيز الذهب في الطن إلى 30 جراماً، وهي نسبة متوفرة في بعض مناجم السعودية، بحسب الصوفي، الذي قال إنه درس الجيولوجيا هناك. هذا قد يجعل ميزان المواطنين أصدق تقديراً، خاصة أن مناجم اليمن أغنى من مثيلاتها في السعودية، كما يتوقع الصوفي نفسه.
- نشر اليوم في صحيفة "الشارع".
- قرأت 3279 مرة
- Send by email