" اليد الحوثية في الازمة القطرية " قراءة في تغريدات رئيس اللجنة الثورية العليا
منذ اللحظات الأولى لاندلاع شرارة الخلاف القطري الخليجي، دخل أنصارالله "الحوثيون" على الخط فوصف مراقبون تدخلهم بأنه صب للزيت على النار، واعتبره آخرون حضورا طبيعيا يعكس حجم الحركة..
فحين كانت وسائل الإعلام منشغلة بتناول ما وصف بأنها تصريحات مثيرة لأمير قطر بثتها وكالة الأنباء القطرية (تم تكذيبها ﻻحقا وإسنادها لعملية اختراق لموقع الوكالة على الانترنت) نشر محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية اليمنية العليا تغريدة على تويتر يشيد فيها بما وصفه مبادرة قطرية لدعم القطاع الصحي بصنعاء، إذ قال: "مبادرة الهلال القطري بدعم مجمع الثورة الطبي بصنعاء إن تمت ايجابية وواجب انساني"..
سرعان ما احتلت هذه التغريدة موقعا ﻻفتا في وسائل الاعلام الخليجية والمصرية والتابعة لها، معتبرة أنها دليل وجود دعم قطري للحوثيين، وبقدر ما عكس اهتمام تلك الوسائل بتغريدة القيادي الحوثي البارز ضعفا في موقف حكوماتها تجاه قطر ومحاولة للبحث عن مسوغات استهدافها فقد مثل شاهدا على توسع حضور حركة أنصارالله وتأثيرها في إقليم المنطقة، وكان من السهل أن يتوقع مراقبون أن تلك التغريدة لن تكون الأخيرة في هذا الشأن، وهو ما حدث فعلا، وكشفت عنه تطورات الأزمة مسفرة عن تصريحات متوالية للقيادي الحوثي كانت تشي - كل مرة - عن دهاء سياسي لأنصارالله..
فقبيل يومين من إعلان دول خليجية وعربية عن مقاطعتها الدبلوماسية لقطر - وتحديدا في الثاني من يونيو - وصف القيادي الحوثي في تغريدة له استهداف قطر بالأمر المرسوم أمريكيا: "قطر دولة خليجية واستهدافها من قبل البعض يأتي في إطار الدور المرسوم أمريكيا في تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم اتركوا العدوان على اليمن وعلى العرب"..
سرعان ما كشف إعلان المقاطعة لقطر عن صوابية التوقع الحوثي حول ما وصفه (استهداف قطر) واتجاه بعض الدول للتصعيد تنفيذا لأجندة أمريكية..
ومع حصول التصريح الحوثي هذا على الاهتمام اللافت في وسائل إعلام الدول المعادية لقطر إلا أن إدانته الفورية الصريحة لإعلان مقاطعتها واستعداد حركة أنصارالله للتعاون معها وامتداحه القطريين كان بمثابة الخبر الأكثر تداولا عشية إعلان المقاطعة، ويمكن القول إنه نجح إلى حد كبير في إرباك وسائل الإعلام تلك الذي هو إنعكاس لارتباك مراكز صنع القرار في الدول المعادية لقطر، فأخذت القنوات التلفزيونية والصحف تحلل وتدرس أبعاد التصريح الحوثي، ففرض الحوثيون حضورهم مرة أخرى في الشأن الإقليمي وإن عبر الإعلام، وهو الأمر الذي دعاهم لتقديم المزيد من إيضاح رؤية الحركة لخلفيات الأزمة، فأوضح محمد علي الحوثي في السابع من يونيو في منشور بصفحته على فيسبوك ما أسماها "نقاط عن السيناريو الأمريكي السعودي الاسرائيلي في قطر"، أكد خلاله أن التحرك ضد قطر جاء كرغبة أمريكية في إطار المشروع الأمريكي لاستهداف المنطقة بأيد عربية، ومحاولة لإثبات نجاح مهمة ترامب وزيارته للمنطقة لمواجهة ما يسمى الإرهاب، ولتقديم قطر كبش فداء بدلا عن السعودية بجريرة دعم من يسمونهم الإرهابيين بخلاف الحقيقة وهي أن دعمهم يأتي بأوامر أمريكية للسعودية وقطر، مذكرا بتعمد إظهار اسرائيل دعمها للفصائل الإرهابية في سورية لتشجيع الآخرين على دعم ما يسمى بالجماعات الإرهابية..
مستطردا: إن الحملة بهذا المستوى قد تكون أيضا من أجل الإعداد النفسي والإداري للقبول باستبدال الأمير، فالأمير في قطر لا يدوم كثيرا بسبب تعالي السعوديين على القطريين، مذكرا بما حصل للأمير حمد من قبلهم، وكل ذلك بغية إيصال القطريين إلى مرحلة الشعور بالحاجة لبقاء الحماية الأمريكية لهم، وجرجرة قطر لدفع قيمة أكبر مقابل فاتورة الحماية الأمريكية وبقاء القاعدة الأمريكية على أرضها، متوقعا أنه قد تخير قطر بين الدفع والتغيير لعودة المياه إلى مجاريها..
ومرة أخرى كشفت الوقائع صوابية النظرة الحوثية الاستشرافية للأحداث المتصلة بالأزمة القطرية، فالموقف الأمريكي من قطر قابلته الدول المعادية بالامتعاض وفي مقدمتها السعودية التي ظنت أن ما يقارب الخمسمائة مليار دوﻻر التي دفعتها للرئيس ترامب تعني شراء الموقف الأمريكي تماما، ولكنها أخطأت كعادتها في تقدير المؤامرة الأمريكية على الدول العربية، فما هي إلا عشرة أيام حتى أكدت قطر إبرام صفقة مع الولايات المتحدة لشراء مقاتلات إف 15 بقيمة نحو 12 مليار، معلنة عن استعدادها للمزيد من الصفقات مع أمريكا وبريطانيا، لقد مثلت هذه الصفقة صفعة للنظام السعودي والدول المعادية لقطر، بعد أن كان الرئيس الأمريكي قد قال إن قطر تدعم ما يسمى الإرهاب..
وشملت النظرة الحوثية التي تم إيضاحها في منشور القيادي الحوثي البارز رئيس اللجنة الثورية العليا بعدا أكثر شمولا يتجاوز الشأن القطري، ومنه ما وصفه بالمحاولة الأمريكية السعودية الإسرائيلية لتقديم السعودية دولة مؤثرة في المنطقة يمكنها إحراز انتصار سياسي على قطر، وذلك لتحسين صورتها - في الداخل والخارج - بعد فشلها في حروبها في المنطقة وعلى وجه الخصوص فشلها الذريع في العدوان على اليمن..
وأضاف بعدا آخر بقوله: "إن التحرك ضد قطر يأتي أيضا للضغط على دول عربية متحالفة مع أمريكا كمصر لتقديم تنازلات أكبر تشمل تطبيعا أوسع مع اسرائيل، وتراجعا عن مواقفها تجاه ما يجري في سورية وليبيا، خوفا من مﻻقاة ما تلاقيه قطر الدولة (الحليفة) لأمريكا قطر"..
ويوما إثر آخر لم يفوت الحوثي في أنصارالله مناسبة لإبداء تعليقات حول مستجدات الأزمة القطرية متنوعة بين نصائح للقطريين حول علاقة بلدهم بمجلس التعاون الخليجي، وبين أخرى تؤكد فشل الأداء السياسي السعودي في إدارة الأزمة وحتمية تجاوز قطر لها جراء ذلك، مشيرا إلى دور الإخوان المسلمين في أروقة البلاط الملكي السعودي، والتبني التركي لموقف قطر، وأخرى تضمنت تساؤﻻت عن مدى التمكن القطري من جمع ما أسماه الصف العربي والإسلامي قاصدا (تركيا وإيران)، وأخرى تضمنت تحديات للسعودية والإمارات في أن تفعلا أكثر مما فعلتاه، ومن هذا القبيل النص اﻵتي لإحدى تغريداته بتاريخ الثامن والعشرين من يونيو:
"كلام الجبير غير سياسي، وأتحدى وزارة الخارجية السعودية الاستمرار على ما أعلنه اليوم حول مطالب قطر بأنها غير قابلة للتفاوض وأنه يجب تنفيذها والأيام بيننا"..
وما زال التحدي قائما رغم أن الأحداث باتت تتوالى كاشفة عجز الخارجية السعودية عن فرض الشروط والمطالب، بل والبدء بخوض مفاوضات غير مباشرة والتنازل عن بنودها واحدا تلو اﻵخر..
فكيف لحركة أنصار الله ذات العمر القصير من حيث النشأة أن تعي الواقع السياسي أكثر من دول بأكملها تعتمد على الخبراء والمستشاريين المحليين والأجانب ولديها مراكز بحثية واستراتيجية!؟
وكيف لوزير الخارجية السعودي أن ينتصر بهذا التحدي الحوثي له؟
دعونا نكمل فما زال هناك الكثير من بدائع تأمل الواقع واستشراف المستقبل لدى الحوثيين، ويجدر التنبيه أننا نحلل رؤاهم في موضوع واحد فقط هو الأزمة القطرية فمابالكم لو توسعنا إلى مواضيع أخرى، ولكن نفضل تركها لمناسبة قادمة..
دعونا مع هذه التغريدة لمحمد علي الحوثي التي تتحدث عن نفسها وﻻ تحتاج إلى تعليق، لقد غرد في الثالث من يوليو، قبيل إعلان الرد القطري على مطالب الدول المعادية:
"رد قطر حظي بوقت كاف للتشاور مع الأصدقاء والحلفاء فيما نظن، وسيحمل من المواربة الكثير، وقد يرجح أمير الكويت المزيد من الدراسة إذا وافقت دول الحصار"..
ثم عاد في مساء اليوم ذاته وبعد ثبوت ما توقعه لنشر تغريدته الآتية:
"أكدنا في تغريدة سابقة أن أمير الكويت سيطلب مهلة إضافية لقطر في مواجهة دول الحصار وهو ماحدث بالفعل، وسيحدث أيضا ما أكدناه بخصوص الرد من الطرفين"..
لكم أن تتخيلوا ما فعلته هاتان التغريدتان بالسياسيين في الدول المعادية لقطر وبالقطريين أنفسهم وبمراكز صنع القرار في أمريكا وبريطانيا ودول الغرب والشرق العظمى، لكم أن تتخيلوا كيف خلطتا الأوراق فجعلتهم يضربون الأخماس في الأسداس، ويكثفون العمل الاستخباراتي للوقوف على حقيقة الدور الحوثي في الأزمة القطرية..
في الحقيقة لقد أربك الحوثي الكثير، منهم من فهم أن هناك علاقة قطرية حوثية، ومنهم من فهم العكس، منهم من شكك، ومنهم من أكد، وكلما أوشكوا على الاستقرار على رأي باغتهم الحوثي بتغريدة أخرى أو منشور فيسبوك ليعيد لهم الارتباك فيرجعوا لدراسة الأمر من جديد أي من نقطة الصفر..
لقد شن في منشوراته وتغريداته اللاحقة هجوما كاسحا على مجلس التعاون الخليجي بعد أن كان قد وجه نصحا مبكرا في السابع من يونيو قال فيه:
"إذا استمر عزل قطر فعليها أن تتخذ قرارات سيادية بإعلان خروجها من المجلس الخليجي قبل أن يطردها السعوديون مالم فستقرر الرياض وابوظبي طردها..
فبعد هذه النصيحة بشهر كامل هاجم الحوثي ما وصفها بالمواقف المخزية لمجلس التعاون الخليجي والمتآمرة على الأمة العربية والإسلامية، بقوله: "اجتماعات العهر والشقاء لحكام المجلس أسفرت عن تدمير وحصار وتجويع الشعب اليمني الكريم"..
معلقا على فشل المجلس في عقد اجتماعه بأنه: "انتصار للمظلومين في اليمن وفلسطين والبحرين والعراق وسورية وليبيا وغيرهم من الشعوب التي امتدت أيادي حكام الخليج لتدميرها"..
وبينما أولئك الحكام في حيص بيص من هذا الموقف الحوثي القوي الصريح كان هذا المنشور يحصد تأييد أحرار الوطن العربي والإسلامي بشكل لافت، لقد وجدوا فيه الحقيقة التي يعجز حكام العرب والمسلمين عن قولها أو المجاهرة بها، أتحدث هنا عن شأن إعلامي أما الشأن العسكري وانتصارات الجيش اليمني واللجان الشعبية وصمود الشعب أمام العدوان الأمريكي السعودي الاسرائيلي فإعجاب أحرار شعوب العالم يحتاج إلى مجلدات لتسطيره..
أما في الحادي عشر من يوليو وبعد أن أثبتت الوقائع ومجريات الأحداث في الموضوع القطري بعد نظر الحوثيين ودقة توقعاتهم فقد كتب القيادي البارز في أنصارالله محمد علي الحوثي ما يشبه إقفالا للموضوع بتأكيدات جديدة مبنية على حقائق كان قد توقعها سلفا، وبلغة واثقة ﻻ تخلو من نبرة أستاذية أخذ يملي الدرس الأخير على ساسة العالم مؤكدا انتصار قطر وأن الحصار عليها بات حصارا شكليا مستشهدا بعودة الطيران القطري إلى أمريكا ووصول طائرات عدد من خطوط الطيران إلى قطر، ويشرك في الانتصار تركيا وإيران ويدع الباب مواربا بقوله "والدول الأخرى التي ساندت أو لم تظهر موقفها كالأردن و و و"..
يقال إن ساسة النظام الأردني لم يناموا ثلاث ليال يحاولون فهم كيف ورد اسم بلدهم هنا..
وبقدر ما قد فرح القطريون بأول المنشور سرعان ما تغير موقفهم عند قراءة منتصفه حيث أكد الحوثي "إنه انتصار للأجندة والدبلوماسية القطرية في كواليس سياسات أمريكا وإسرائيل على أجندة الطرف اﻵخر رغم ما بذله من أموال، وأن وزير الخارجية الأمريكي سيحاول لاحقا تمرير بعض الشروط لحفظ ما وجه الدول الأربع المعادية لقطر والتي تعاني مرارة الهزيمة"..
ولم يفوت الحوثي الذي يعلم أن تغريداته ومنشوراته صارت محط اهتمام وسائل الإعلام الدولية لم يفوت الفرصة في المنشور ذاته ليسخر من أمريكا قائلا:
"مرارة الهزيمة التي تشعر بها الدول الأربع السعودية ومصر والإمارات والبحرين هي أقل من مرارة أمريكا التي سعت ﻷن تؤدي الزوبعة الخليجية فيما تؤديه إلى صرف أنظار العالم عن إخفاق الإدارة الأمريكية وترامب في مواجهة الأزمة الكورية، وأن الأخير سيظهر بالأقل تأثيرا عما حاول الجمهوريون إظهاره"..
قد يتساءل الكثير بعد كل هذا: أين هو الموقف القطري من الموقف الحوثي وكل هذا؟
والإجابة على هذا السؤال تكمن في منشور لرئيس اللجنة الثورية العليا بصفحته على موقع فيسبوك كتبه بتاريخ الثامن عشر من يوليو رحب خلاله بكشف قطر عن سبب مشاركتها في العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، إذ وصف إفصاح وزير الدفاع القطري عن سبب مشاركة بلاده في العدوان على اليمن بالخطوة المتقدمة، متمنيا المزيد من المواقف القطرية الشجاعة.
وأضاف: إننا كنا مع حل أي إشكالات بالحوار ولكن فرض دول العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي وحلفائهم للخيار العسكري أعاق الحل كما هو واضح للجميع..
وكان وزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطية قد صرح بأن بلاده وجدت نفسها ملزمة بالانضمام لما يسمى بـ"التحالف العربي" في اليمن باعتبارها جزءا من مجلس التعاون لدول الخليج".
وجاءت تصريحات العطية خلال حوار مع قناة تلفزيونية تركية، ردا على سؤال حول انضمام دولة قطر إلى تحالف العدوان على اليمن، حيث قال وزير الدفاع "نحن جزء من مجلس التعاون لدول الخليج، ووجدنا أنفسنا ملزمين للأسف بالانضمام لما يسمى بـ"التحالف العربي" في اليمن، مشددا على أن القوات القطرية لم تدخل إلى اليمن، وأن مشاركتها اقتصرت على حماية حدود السعودية.
وأكد خالد بن محمد العطية أن قطر تملك رؤية خاصة لمعالجة الوضع في اليمن، لكون بلاده تؤمن بالحوار وبالتنمية كأقصر سبيل لحل المشكلات مثل تلك التي في اليمن"..
(انتهى)
- قرأت 970 مرة
- Send by email