لماذا ترفض واشنطن الاعتراف بهزيمة "داعش"؟

بعد الهزائم المتكررة التي مني بها تنظيم "داعش" الإرهابي والتي كان آخرها في مدينتي "البوكمال" السورية و"راوة" العراقية والتي مهدت الأرضية لطي صفحة هذا التنظيم في عموم المنطقة وإنهاء "دولة الخلافة" المزعومة التي أعلن عنها قبل بضع سنوات، لازالت أمريكا وحلفاؤها لاسيّما السعودية يرفضون الاعتراف بهذه الهزيمة لتحقيق عدّة أهداف يمكن إجمالها بما يلي:

 

- التقليل من أهمية الانتصارات الباهرة التي حققتها الجمهورية الإسلامية في إيران على تنظيم "داعش" من خلال دعمها الواضح للعراق وسوريا ومحور المقاومة في عموم المنطقة.

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن إيران كانت السبّاقة في إعلان الانتصارات التي يحققها العراق وسوريا ومحور المقاومة على "داعش". وقد اضطلع اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع لقوات حرس الثورة الإسلامية للإعلان بنفسه وبشكل رسمي عن هذه الانتصارات وعن نهاية "داعش". كما أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني عن هذا الإنجاز الكبير في كلمة خصصها لهذا الغرض. وأشار روحاني إلى أن سوريا والعراق قد دخلا مرحلة جديدة بعد انتصارهما على "داعش" وباقي الجماعات الإرهابية.

 

- تبرير بقاء القوات الأمريكية في العراق وسوريا، لأن واشنطن كانت قد أعلنت في وقت سابق أن هزيمة "داعش" لايمكن أن تتحقق قبل مرور عقدين أو ثلاثة عقود من الزمان. أي بمعنى آخر أن اعتراف أمريكا بهزيمة هذا التنظيم يمثل في الحقيقة اعترافاً بهزيمتها هي ويكشف زيف مزاعمها بهذا الخصوص.

 

ورغم انتشار خبر هزيمة "داعش " في كافة أرجاء المنطقة والعالم أصرت وسائل الإعلام المرتبطة بالبيت الأبيض ومن بينها "إذاعة صوت أمريكا" على حرف الحقائق من خلال الزعم بأن القوات الأمريكية لازالت تقاتل عناصر هذا التنظيم في بعض مناطق العراق وسوريا، وذلك من أجل تبرير بقاء تلك القوات في هذين البلدين.

 

- تسعى وزارة الدفاع الأمريكية لتعزيز قواعدها البرية والجوية في شمال سوريا وبعض مناطق العراق بحجة مواصلة محاربة "داعش"، ولكن المعطيات والحقائق المتوفرة على أرض الواقع تشير إلى أن واشنطن ليست بصدد القضاء على "داعش" وباقي الجماعات الإرهابية؛ بل هي تسعى لتكريس تواجدها العسكري في عموم المنطقة. وفي حال اعترفت واشنطن بهزيمة "داعش" فإن ذلك سيعني أن كافة مزاعمها التي ساقتها وتسوقها لتبرير بقاء قواتها في العراق وسوريا ستذهب أدراج الرياح.

 

- على الرغم من تحرير القوات العراقية والسورية لكافة المناطق التي كانت تحت سيطرة "داعش" أصرت أمريكا على إبقاء قواتها في شمال سوريا لإنشاء "منطقة حكم ذاتي" تحت سيطرة الأكراد المدعومين من قبلها. والذريعة التي ساقتها واشنطن لهذا الغرض هو الادعاء بأن بعض عناصر "داعش" لازالوا يتواجدون في عدد من تلك المناطق. وتنبغي الإشارة إلى أن الحكومة السورية ترفض أي تواجد عسكري أمريكي في أي مكان من البلاد باعتباره غير قانوني.

 

التنفس الاصطناعي للجماعات الإرهابية في صحراء سيناء

 

بعد فشلهم في الحفاظ على وجود "داعش" في العراق وسوريا قررت أمريكا وحلفاؤها تحريك جماعات إرهابية أخرى لتنفيذ عمليات إجرامية في مناطق أخرى، كما حصل مؤخراً في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء والتي أدت إلى مقتل وجرح المئات من الأشخاص، لتحقيق هدفين أساسيين؛ الأول: الإيحاء بأن "داعش" لازال موجوداً كذريعة لإبقاء القوات الأمريكية في المنطقة، والثاني: إشغال دول المنطقة بمواصلة التصدي للجماعات الإرهابية من أجل حماية أمن الكيان الصهيوني. ويرجح المراقبون أن تتواصل العمليات الإرهابية في مصر ودول أخرى في شمال أفريقيا خلال المرحلة القادمة لهذا الغرض.

 

واعتبر الكثير من المراقبين هذه التحركات بمثابة عمليات التنفس الاصطناعي التي تجرى لإنقاذ المصابين بالاختناق بعد فقدهم القدرة على التنفس الطبيعي لسبب ما كالغرق وما شابه ذلك.

 

ويبدو أن هناك سبباً آخر لتحركات الجماعات المتطرفة المدعومة من أمريكا والسعودية وحلفائهما لتنفيذ عمليات إرهابية في مصر وغيرها من الدول القريبة، ويكمن ذلك في حثّ الحكومة المصرية على القضاء بشكل نهائي على حركة الإخوان المسلمين التي تعد من أبرز الحركات المعارضة للفكر الوهابي الذي تتبناه السعودية التي تضطلع بدور أساسي في تنفيذ المشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تمزيق المنطقة والاستحواذ على مقدراتها والعبث بمصيرها.

 

خلاصة يمكن القول بأن رفض أمريكا الاعتراف بهزيمة "داعش" في العراق وسوريا يهدف بالدرجة الأولى إلى التقليل من أهمية الانتصارات التي حققتها إيران ومحور المقاومة على هذا التنظيم الإرهابي، وكذلك لتبرير بقاء القوات الأمريكية في المنطقة وتمهيد الأرضية للجماعات الإرهابية لتنفيذ عمليات إجرامية في دول أخرى من بينها مصر لحماية أمن إسرائيل من جهة، والقضاء على الحركات المناهضة كـ"جماعة الإخوان المسلمين" التي تعتبر من المعارضين للحكومة السعودية الحليفة الرئيسية لواشنطن في المنطقة.