تقارير : «مؤتمر الداخل» يرصّ صفوفه: لا تراجع عن مواجهة العدوان

 

حمل انتخاب صادق أمين أبو راس رئيساً لحزب «المؤتمر» من داخل صنعاء رسائل سياسية بالغة الدلالة في ما يتعلق بتموضع «مؤتمَريي الداخل»، ومدى تماسك الجبهة الداخلية المناوئة للعدوان. رسائلُ يبدو واضحاً أنها استفزّت «المؤتمَريين» الموالين لكل من الرياض وأبو ظبي، مستحثة إياهم على تكثيف جهودهم في سبيل تشكيل قيادة بديلة

 

 

سبقت الجهودُ السياسية التي بذلتها «أنصار الله» خلال الفترة القصيرة الماضية لتعزيز وحدة جبهتها الداخلية، مساعيَ تحالف العدوان في تحويل مقتل الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، إلى فرصة للاستفراد بالحركة ميدانياً وسياسياً. وأثمرت تلك الجهود انتخاب قيادة جديدة مؤقتة لحزب «المؤتمر الشعبي العام»، في وقت لا تزال فيه الرياض وأبو ظبي عاجزتَين عن لملمة شتات «المؤتمَريين» الموالين لهما، وجمعهما تحت لواء نجل الرئيس السابق، أحمد علي عبد الله صالح.

 

 

هكذا، انتُخب صادق أمين أبو راس رئيساً لـ«المؤتمر» خلفاً لصالح، لتعقب ذلك سلسلة مواقف أعادت شدّ اللحمة في مواجهة العدوان، وثبّتت تموضع «مؤتمَريي الداخل» إلى جانب «أنصار الله» وعلى المقلب المضادّ للسعودية والإمارات وحلفائهما.

 

في هوية الشخصية المختارَة أميناً عاماً، يبرز نسب أبو راس وسماته القيادية وتاريخه السياسي. يتحدّر الرجل، البالغ من العمر 66 عاماً، من قبيلة ذو غيلان، العائدة في أصلها إلى قبيلة بكيل، إحدى كبريات القبائل اليمنية. يُعدّ أبو راس، المولود في مديرية برط في محافظة الجوف، شيخاً كبيراً من مشايخ تلك القبيلة. رمزية يُضاف إليها رصيد معنوي متمثل في كون عائلته (أبو راس) إحدى أبرز العوائل التي اصطفت إلى جانب ثورة سبتمبر ودافعت عن النظام الجمهوري.

 

 

 

يُتوقع أن تتخذ «أنصار الله» خطوات طمأنة لـ«المؤتمر»

 

يُوصف النائب الأول لرئيس حزب «المؤتمر» (سابقاً) بأنه شخصية «متعددة الأبعاد»، بالنظر إلى كثرة المناصب التي شغلها (عسكرية وسياسية وإدارية وتنظيمية وأهلية) واتساع الخبرة التي اكتسبها. يُعرف، وهو الحائز شهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية، في الوسطين السياسي والإعلامي اليمنيين، بأنه «ذو شخصية قوية وشجاعة»، و«صاحب رأي»، و«قيادي نزيه».

 

يُنقل، في ما يُنقل عنه، أنه لمّا نما إلى علمه نبأ مقتل صالح قال: «صالح لم يشاورنا، ولو شاوَرَنا لراجعناه». موقف يرجع إلى رفض حازم لدى أبو راس لـ«خلط الموازين»، والاصطفاف إلى جانب «عدوان شمل كل ما هو موجود على الأرض اليمنية»، والتراجع عن «الدفاع عن الشعب والوطن» تحت أي مبرر، حتى ولو كان أسلوب «أنصار الله» في إدارة شؤون البلد، الذي كان أبو راس من ضمن منتقديه. لكن الرجل، خلافاً لما كان يدور على ما يبدو في رأس صالح، يعتقد أن «التاريخ قد تغير، وأن اليمن لم يعد يستطيع أن يحكمه فصيل أو تيار أو فئة بذاتها وحدها». من هنا، «ضرورة مدّ الأيدي إلى كل القوى الوطنية اليمنية... وتسخير خبراتنا داخل المؤتمر لخدمة الوطن». وهذا هو، بالضبط، ما انقلب عليه صالح عندما ألقى بيديه إلى قيادة تحالف العدوان، طامعاً ربما بـ«غلة» سياسية كان قد وُعد بها.

 

على الرغم من ذلك، ارتفعت صورة الرئيس السابق، إلى جانب شعار «المؤتمر»، في خلفية الاجتماع الذي انتُخب خلاله أبو راس رئيساً للحزب. خلفية تبعث، بمعية بيان النعي الذي تُلي بدايةَ الاجتماع الانتخابي، برسالة ذات دلالة مفادها عدم التنكر لتاريخ «المؤتمر الشعبي العام»، أكبر الأحزاب اليمنية وأقدمها، بل والحفاظ على رمزية الإرث الذي تزعم سيرورته علي عبد الله صالح، وإن ختم الأخير عليه بـ«وقفة خاطئة»، خصوصاً أن أبو راس يعتقد أن «مكانة المؤتمر ارتفعت خلال السنوات الخمس الماضية».

 

في هويات الشخصيات التي حضرت الاجتماع، تتقدم أسماء شخصيات ذات ثقل من مثل رئيس مجلس النواب، يحيى الراعي، وزير التعليم في حكومة الإنقاذ، حسين حازب، ومحافظ تعز المُعيّن من قبل «الإنقاذ»، عبده الجندي، فيما يغيب اسما الأمينين العامين المساعدَين، ياسر العواضي وفائقة السيد، اللذين لا يزالان داخل اليمن، والمتشدّدَين في رفضهما استمرار الشراكة مع «أنصار الله» من دون أن يكون بإمكانهما موازنة الموقف الداعي إلى الحفاظ عليها. موقف تجلى بوضوح في البيان الذي صدر عقب أول اجتماع للجنة العامة لـ«المؤتمر» برئاسة أبو راس، والذي أكد «الوقوف خلف الجيش واللجان الشعبية»، داعياً إلى «الحوار لإدارة الخلافات»، ومطالباً «أنصار الله» بـ«استكمال الإفراج عن موقوفي المؤتمر، وتسليم ممتلكاته، والإفراج عن أمواله»، في مطالب يُتوقع أن تستجيب لها الحركة مستقبلاً، بهدف تلافي محاولات «التحالف» استغلال ضائقة «مؤتمَريي الداخل» لابتياع مواقفهم.

 

أما «مؤتمَريو الخارج»، فلم يملك جناحهم الأضعف، الموالي للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي والموجودة وجوهه في الرياض، إزاء اجتماع صنعاء، إلا أن يرفضه بدعوى «مخالفته النظام الداخلي للمؤتمر»، ويجدد تمسكه بـ«شرعية» هادي. وهو موقف يبدو أضعف من أن يُترجَم إلى خطوات عملية مضادة في الأيام القادمة؛ بالنظر إلى هشاشة هادي نفسه، وافتقار جناحه إلى شخصيات مؤثرة من مثل أبو راس. لكن يبقى أن لـ«المؤتمر» جناحاً ثالثاً موجوداً في القاهرة، يتزعمه القيادي في الحزب، سلطان البركاني، الذي يمتلك موارد مالية مهمة، وتربطه علاقة وثيقة بالإمارات، التي لم يكد يُعلَن مقتل صالح حتى طار إليها، حيث عقد لقاءات مع مسؤولين استخباريين قبل أن يتوجّه إلى السعودية في زيارة غير معلنة، ومنها إلى مصر. تحركات ولقاءات لا يُستبعد أن تتكثف خلال الفترة المقبلة، مدفوعةً بالديناميكية «المؤتمرية» الجارية في صنعاء، بهدف تشكيل قيادة موازية، بالتنسيق مع أحمد علي عبد الله صالح، ونائب الرئيس المستقيل، علي محسن الأحمر.