الأمم المتحدة تخشى «المحافظات المحرّرة»: غريفيث لن يحطّ في عدن!

 

أعاد تأجيل مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى اليمن، مارتن غريفيث، زيارته التي كانت مقررة إلى عدن، بسبب ما سمّاه بيان التأجيل «مخاوف أمنية»، تسليط الضوء على الانفلات الأمني في المدينة، وتفاقم الصراع السياسي بين القوى المحلية فيها. ووفقاً للمعلومات المتوافرة، فإن إرجاء الزيارة مردّه، إلى جانب تلك المخاوف، عدم امتلاك غريفيث تصوراً واضحاً لكيفية التعاطي مع قضية الجنوب، في ظل التباينات المحلية والإقليمية بشأن مقاربة هذه القضية الحساسة. في هذا الإطار، تواجه غريفيث، الذي كان مقرراً أن يجتمع بممثلي معظم القوى والمكونات والشخصيات الجنوبية الفاعلة على الأرض، عقبة تشكيل وفد جنوبي موحد لتمثيل القضية الجنوبية في أي مفاوضات قادمة، وذلك لاختلاف أجندات القوى المحلية الجنوبية وتنوع ارتباطاتها الخارجية.

 

إذ يدعي «المجلس الانتقالي الجنوبي» (برئاسة عيدروس الزبيدي)، المموّل من قِبَل الإمارات، أنه الممثل الوحيد للجنوب، قافزاً بذلك على بقية المكونات التاريخية والفصائل المنضوية تحت لواء «شرعية» الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، والعديد من الشخصيات صاحبة الوزن الرمزي في المحافظات الجنوبية. إلا أن السعودية، وكذلك الولايات المتحدة، ترفض احتكار «المجلس الانتقالي» للتمثيل الجنوبي، وهذا ما عبّر عنه السفير الأميركي في اليمن، ماثيو تولر، مساء الثلاثاء الماضي، من القاهرة، لدى إجابته سؤالاً حول تمثيل الحراك الجنوبي في المفاوضات المقبلة، فقال إن «المشكلة أن هناك أطرافاً تدعي أنها وحدها تمثل الجنوب، وهذا غير صحيح»، معتبراً أن «احتكار فئة محددة لتمثيل الجنوب هو بذور للفشل المستقبلي».

 

تُزايِد الأطراف الجنوبية على بعضها البعض في مطلب الانفصال

 

ولئن كان من المتوقع أن تعمد الأطراف الجنوبية إلى رفع سقف خطابها بشأن انفصال الجنوب، فإن ذلك يأتي من باب المزايدة على بعضها البعض. فالارتباط الخارجي لتلك الأطراف سيحملها في نهاية المطاف على القبول بالواقعية السياسية، التي تقتضي أن يحوز أي سيناريو انفصالي على موافقة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المؤثرة في صنع القرار، وأن يراعي الخارطة الجيو - سياسية في المنطقة، والتي يخوض التحالف السعودي المدعوم من واشنطن الصراع في اليمن على أساسها. في هذا السياق، يبدو واضحاً أن الرياض لا تزال على معارضتها أي حركة انفصالية في الجنوب؛ لخشيتها التاريخية من تحول الجنوب في اتجاه غير اتجاهها، خصوصاً وأن العلاقة التاريخية بين «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» (سابقاً) أو اليمن الجنوبي وبين السعودية كانت متوترة بشكل دائم، وأن حساسية أبناء الجنوب المفرطة تجاه المملكة بسبب الحروب السابقة بين الجانبين لا تزال على حالها. وحتى لو أن أبو ظبي تبدي مرونة إزاء مطالب الانفصاليين بما ينسجم مع أطماعها في السيطرة على الموانىء والسواحل والجزر الجنوبية، إلا أن الكلمة الفصل في هذا الملف ستكون للرياض.

 

في خضم تلك التعقيدات السياسية، تتصاعد الفوضى الأمنية في «العاصمة المؤقتة» متمثلة في عمليات اغتيال ممنهجة لكبار الضباط وأساتذة الجامعات ومسؤولي بعض الفصائل المحسوبة على الحراك الجنوبي، فضلاً عن حوادث تهديد متزايدة للصحافيين. واللافت في الشهور الأخيرة الاستهداف المتكرر لعلماء الدين وأئمة المساجد، والذي راح ضحيته، بحسب إحصائية تفصيلية نشرتها وزارة الأوقاف والإرشاد في حكومة هادي الإثنين الماضي، 25 عالماً وخطيباً وداعية، منذ العام 2016.

 

وتترافق عمليات التصفية تلك مع اتساع دائرة البسط على الأراضي والبناء العشوائي في المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية وحتى المقابر، بما ينذر بنتائج كارثية على المدى البعيد، علماً أن من يقوم بهذه التجاوزات الفاضحة هم المتنفذون وأصحاب المواقع العليا. وفوق ذلك يأتي الغياب شبه التام لمؤسسات الدولة، والتدهور الكبير في الخدمات خصوصاً منها الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، والعجز عن دفع رواتب الموظفين بشكل منتظم. وهو ما يلقي فيه كثيرون اللائمة على الإمارات؛ كونها المتحكم الأول بـ«المحافظات المحررة». واللافت أن الأيام الماضية شهدت بروز مظهر جديد من مظاهر السخط على أبو ظبي، متمثل في كتابة شعارات معادية لها على جدران الكثير من الساحات والأمكنة العامة، تصفها بالاحتلال، وتطالبها الانسحاب من الجنوب. أن يزور المبعوث الأممي صنعاء المحاصرة براً وجواً، ويلغي زيارته التي كانت مقررة إلى عدن المسماة «محررة»، ففي ذلك «طامة كبرى»، على حد تعبير رئيس المكتب السياسي للحراك الجنوبي، فادي باعوم.

 

المصدر : الأخبار اللبنانية