صنعاء تواجِه بالتحدّي: فليتحمّلوا عواقب الحرب المفتوحة

 

لبّى الآلاف من أبناء الحديدة، أمس، دعوة الرئيس الشهيد صالح الصماد إلى مواجهة التهديدات باحتلال المدينة بـ«مسيرة البنادق». مسيرةٌ وازاها أداء الرئيس الجديد للمجلس السياسي الأعلى اليمين الدستورية أمام مجلس النواب، مترافِقاً مع تحركات قبلية استعداداً للإسهام في قرار الردّ، لتشكّل تلك المعطيات جميعها مشهدية تحدٍّ عنوانها: إلى الحرب المفتوحة

 

لم تجد تمنّيات قيادة تحالف العدوان بتزعزع صفوف سلطات صنعاء، عقب عملية الاغتيال التي أودت بحياة الرئيس الشهيد صالح الصماد، طريقها إلى أرض الواقع. ذلك أن حركة «أنصار الله» وحلفاءها أثبتوا مستوىً عالياً من القدرة على امتصاص الصدمة، ولملمة آثار ضربة من هذا النوع، في وقت بدت فيه الرياض وأبو ظبي حائرتَين في المسرب الذي يمكنهما من خلاله تصريف شماتتهما، التي غلبت عليها الخفّة والتناقضات. يوم أمس، تجدّد في العاصمة اليمنية مشهد العزم على سدّ الفراغ الذي خلّفه غياب الصماد، والتوعّد بتدفيع «التحالف» ثمن جريمته، ليظهر، والحال هذه، الحديث عن ارتباك وانشقاقات أقرب إلى الرغبات منه إلى الحقائق.

 

من على منبر مجلس النواب اليمني، الذي انعقد في صنعاء، أدّى الرئيس الجديد للمجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، اليمين الدستورية، بعدما أعلن رئيس البرلمان وأعضاؤه «وقوفهم خلفه في قيادة المرحلة المقبلة». وألقى المشاط، عقب أدائه اليمين، كلمة أكّد فيها «(أننا) جميعاً معنيون بإثبات أن ما فعله العدو كان خطأً فادحاً ومكلِفاً للغاية وفوق طاقته أيضاً»، لافتاً إلى أن «هذا العدو من قبل ومن بعد قد اختارها حرباً مفتوحة»، مضيفاً أن «التحالف» «لم يأتِ بجديد، ولن يأتي بجديد أيضاً، هو فقط يفاقم أخطاءه، ويصادر قرار الحرب من يده». وجزم بأن «مشروع الرئيس الشهيد (يدٌ تبني ويدٌ تحمي) سيستمر»، مجدّداً التمسك بـ«مبدأ الشراكة والتكامل بين كل القوى الوطنية». موقف من شأنه طمأنة شركاء «أنصار الله» (وفي مقدمتهم «المؤتمر الشعبي العام») الذين رأت المنابر الموالية لـ«التحالف» في تصعيد المشاط، المعروف بطبعه الحادّ، رسالة مقلِقةً إليهم.

 

ولكن، خلافاً لتلك التقديرات، يبدو أن ارتياحاً يسود أوساط المجلس السياسي، والأوساط السياسية اليمنية عموماً، إزاء الإجراءات التي أعقبت استشهاد الصماد. هذا ما توحي به تصريحات عضو المجلس، البرلماني سلطان السامعي، الذي شدد على أن «المجلس السياسي أكثر تماسكاً الآن، حرصاً على مكتسبات الشعب وانتصاراته»، فيما طمأنت مصادر سياسية من داخل صنعاء إلى أنه «لا توجد أي خلافات أو تباينات بشأن الواقع السياسي المقبل». وفي ردّ مبطن على القائلين بأن تعيين المشاط يخالف النظام الداخلي للمجلس السياسي، الذي ينصّ على المداورة على الرئاسة بين «أنصار الله» و«المؤتمر»، كشف السامعي أنه اقتُرح، ابتداءً، تعيين الرئيس الجديد لـ«المؤتمر»، صادق أمين أبو راس، خلفاً للصماد، لكن أبو راس رفض المقترح؛ لكونه «لا يستطيع التحرك كثيراً نتيجة لإعاقته المعروفة التي سببتها له حادثة جامع النهدين»، ومع ذلك أكد أبو راس «(أننا) سنعمل بروح الفريق الواحد»، وعلى الأثر اختير المشاط «عن قناعة وبالإجماع» بحسب السامعي.

 

حدّدت اللجنة المنظمة يوم السبت موعداً لتشييع الصماد

 

والجدير ذكره، هنا، أن منصب نائب الرئيس كان يشغله العضو «المؤتمري»، قاسم لبوزة، إلا أن الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، أطاحه عقب تصاعد الخلاف مع «أنصار الله»، مُدخِلاً إلى المجلس شخصية أكثر قرباً منه وتناغماً مع مشروعه، هي قاسم الكسادي، الذي فرّ من صنعاء إثر مقتل صالح. ومنذ إطاحة بلبوزة، لا يزال منصب نائب الرئيس شاغراً، في انتظار أن يُعيِّن «المؤتمر» شخصية بديلة. وبناءً عليه، تكون التركيبة الحالية للمجلس السياسي متكونة - مع الرئيس - من ثمانية أعضاء بدلاً من عشرة (بعد فرار الكسادي واستشهاد الصماد)، هم: مهدي المشاط، صادق أبو راس، سلطان السامعي، خالد الديني، محمد النعيمي، مبارك المشن، ناصر النصيري، عبد الله الوهباني.

 

هذا التماسك على المستوى السياسي يوازيه استنفار على المستوى الميداني، استعداداً للردّ على جريمة اغتيال الصماد، وصوناً للجبهات من أي «خلخلة يعتقد التحالف أن باستطاعته تحقيقها من خلال استهداف الصماد»، لكن «العكس تماماً سيكون... وسترون في الأيام المقبلة أن الجبهات ستكون أقوى»، وفق ما يجزم به السامعي. موقف تعزّزه المعطيات العملية، التي تفيد بتحركات مكثفة على المستوى القبلي، خصوصاً في أوساط قبيلتَي حاشد وبكيل، تحضيراً للإسهام في ما ستتخذه القيادة السياسية والعسكرية من قرارات، وتمهيداً لرفد الجبهات بمزيد من الدعم البشري والتسليحي. وتأتي هذه التحركات في وقت تتواصل فيه عمليات الجيش واللجان الشعبية على الحدود، التي كان آخرها أمس إطلاق صاروخ باليستي من نوع «زلزال 2» على تجمعات للجيش السعودي والمقاتلين الموالين له في موقع السديس بمنطقة نجران.

 

على المستوى الشعبي، لم يكن المشهد مختلفاً، ولا سيما في مدينة الحديدة التي شهدت تظاهرة شعبية حاشدة، تلبية لدعوة كان قد أطلقها الرئيس الشهيد قبيل اغتياله تحت شعار «مسيرة البنادق». إذ خرج، صباح الأربعاء، الآلاف من أبناء المحافظة في مسيرة راجلة، رافعين البنادق ومعها صور الصماد، ومُردِّدين شعارات رافضة للتهديدات السعودية - الإماراتية - الأميركية باحتلال الحديدة. وانتهت المسيرة إلى ساحة العروض، حيث ألقى رئيس اللجنة الثورية العليا، التابعة لـ«أنصار الله»، محمد علي الحوثي، كلمة توعّد فيها بـ«ردّ يفوق تصور التحالف وقدراته»، مؤكداً أن استشهاد الصماد «سيكون دافعاً قوياً للاستمرار في مواجهة العدوان». مشهد يُتوقّع أن يتكرّر على نحو أضخم يوم السبت المقبل، الذي حدّدته اللجنة المنظمة لتشييع الرئيس الشهيد موعداً للمراسم، مُعلِنةً أن التشييع سيكون رسمياً وشعبياً في الوقت نفسه.