وقف تزويد الطائرات بالوقود: ماذا عن أوجه الدعم الأخرى؟

 

أدرجت السعودية طلبها من الولايات المتحدة التوقّف عن إعادة تزويد طائرات «التحالف» بالوقود جواً في إطار الاستغناء عن هذه الخدمة الأميركية، مُتحدثة عن أنها باتت قادرة على القيام بتلك المهمة بشكل مستقل بعدما عزّزت قدراتها في هذا المجال. تبرير يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول توقيت الطلب السعودي، على اعتبار أن الأسطول الجوي التابع للمملكة يمتلك العديد من الطائرات المُخصّصة لعمليات التزوّد بالوقود من مثل «إم آر تي تي إيرباص»، و« C -130» متعددة المهمات، و«KE - 3A»، وجميعها لم تُستخدم من قبل، فلماذا لم يتمّ الاعتماد عليها سابقاً؟ يبدو أن الإعلان السعودي لا يندرج في إطار الاستجابة لضغوط أميركية مفترضة على الرياض بهدف إجبار الأخيرة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات كما أوحت به التصريحات الأميركية في الأسبوعين الماضين، بل الظاهر أنه جاء بالتشاور والتنسيق بين البلدين، وهو ما أكده وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، بقوله إن القرار اتُخذ بالتشاور مع الحكومة الأميركية.
 

تستبق واشنطن الانتقادات المتوقّعة على خلفية احتدام المعارك في الحديدة، وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين. وهي في هذا الإطار تعمل في اتجاهين: الأول، إبقاء الدعم لحليفَيها (السعودي والإماراتي) بهدف تحقيق قدر أكبر من المكاسب الميدانية، يمكن على أساسه الدفع جدياً نحو ترتيب التسوية، وذلك ما يفسّر قيام «التحالف» بتزويد السعودية بمعلومات حيوية، إضافة إلى طائرتَي مراقبة واستطلاع إضافيتَين قبيل اندلاع المعارك الجارية حالياً. أما الاتجاه الثاني، فهو محاولة التخفّف من الأضرار الناجمة عن المشاركة في الحرب، ولا سيما بعدما سلّطت واقعة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الضوء على فظاعات النظام السعودي في كثير من القضايا، ومنها المأساة اليمنية. بتعبير آخر، تريد إدارة دونالد ترامب مخرجاً يمكنها من خلاله التحلّل من الضغوط الداخلية، بعد ازدياد مطالبات أعضاء الكونغرس بوقف مشاركة بلادهم في عمليات «التحالف» في اليمن.

الأهمّ من إعادة التزوّد بالوقود هو المعونة الاستخباراتية التي توفّرها واشنطن


على أن المشاركة الأميركية في الحرب لا تقتصر على تزويد الطيران السعودي والإماراتي بالوقود جواً، بل الأهم من ذلك هو المعونة الاستخباراتية التي توفّر للرياض وأبو ظبي رصد الأهداف الثابتة والمتحركة، ونقلها عبر الأقمار الاصطناعية الأميركية بشكل فوري إلى غرف العمليات، ومن ثم الطائرات لقصفها. كما أن واشنطن تعترف بوجود خبراء أميركيين في غرف العمليات السعودية والإماراتية، مُعلّلةً وجودهم بالتقليل من استهداف المدنيين، وهذا ادعاء يفتقد الصدقية، لأن المجازر بحق المدنيين اليمنيين لم تتوقّف منذ بداية الحرب. والحقيقة أن وظيفة هؤلاء الخبراء هي تشغيل منظومة الاستخبارات الفنية التي تزوّد الرياض وأبو ظبي بالمعلومات، إضافة إلى التوجيه والمساعدة في إدارة الحرب.
إزاء ذلك، يبدو أن التصريحات الأميركية المستجدّة الداعية إلى وقف الحرب هي دعوات تمهيدية للخروج من المربع الأوّل، الذي اقتصرت فيه تلك الدعوات على إطارها العام من دون أن تتحوّل إلى خطوات جدية. إلا أن المطالبات الأخيرة لم تنتقل بعد إلى مرحلة الضغوط الحقيقية، وإن كانت واشنطن تملك أوراقاً كثيرة لوقف الحرب إن أرادت. وعليه، تظهر المرحلة الحالية الأصعب بالنسبة إلى «التحالف»، الذي يسابق الزمن وتستبيح القوات الموالية له كلّ المحرمات للوصول إلى الأهداف الميدانية مهما كانت الأثمان، التي هي من ناحية عملية أثمان يمنية (بالارتزاق) لا يجد العدوان مانعاً من دفعها. وما الاستماتة في دخول الحديدة إلا دليل على الخشية من أن تتحوّل دعوات وقف الحرب إلى ضغوط حقيقية يلجأ إليها المجتمع الدولي، بعدما بات العدوان يشكّل مأساة إنسانية لا يمكن تجاوز صورها، بينما همّ واشنطن الأول والأخير إنقاذ حليفتها السعودية من المستنقع اليمني بأقلّ الخسائر الممكنة.