قبيلة حاشد.. الثورة الصغيرة على طغيان المشائخ

في ثكنة عسكرية مبنية من الأحجار بطريقة بدائية في منطقة حوث بمحافظة عمران اليمنية، لا يكف الشاب ع. الشرعي عن ترداد أهازيج شعبية بالحان القبائل الصارمة، تُعرف في مناطق القبائل بـ "الزامل" ويرددها البعض، فيما يشبه البطولات حيث يعبر فيها رجل القبيلة عن مكنوناته في الحرية والثورة على سطوة "شيوخ الطغيان".

هذه المرة كان الزامل يفصح عن الثأر من شيوخ القبيلة آل الأحمر، الذين فقدوا في المواجهات الأخيرة مع الحوثيين أكثر مناطق نفوذهم في هذه المحافظة، فيما يعده سكان قبيلة حاشد ثورة ثانية على طغيان زعماء القبائل.

ينتمي هذا المقاتل إلى أسرة عريقة طالما خاضت صراعا مريرا مع آل الأحمر أصحاب النفوذ القوي في قبيلة حاشد المترامية والمتعددة الأفخاذ، ولا يكف عن السخرية من وسائل الإعلام
التي تدعي أن الحوثيين يقاتلون قبيلة حاشد " الصحافيون يقولون إن الحوثيين يقاتلون قبيلة حاشد.. يحتاجون إلى سنين ليعرفوا الحقيقة فـ"حاشد" وحدها تقاتل اليوم عيال الأحمر الطغاة والدخلاء... افهموا يا صحافة".

بعد طرد مسلحيهم من مناطق عدة شمالي محافظة عمران، توعد الشيخ حسين الأحمر وأخوته بإشاعة الفوضى في القرى التي تخلى سكانها عنهم في الحرب الأخيرة وانضموا إلى صفوف جماعة "انصار الله"، وهذا التهديد كان إهانة لـ " أشراف قبيلة حاشد" اتاحت سيطرة سهلة وسريعة للحوثيين على مناطق مترامية، هذه المحافظة التي تقف في منتصف المسافة بين القبيلة والدولة.

تنتشر في محافظة عمران أفخاذ قبلية عدة كلها ترقى إلى "حاشد" الأب، تبدأ من حرف سفيان
والعشة، حوث، قفلة عذر، والمدان شمالا مرورا بـ شهارة وبني صريم ، وذيبين وخَمِر وشهارة وظليمة حبور في الوسط وصولا إلى أقصى الجنوب حيث مدن ثلا ومسور ومدينة عمران، المجاورة لمدينة ريدة مركز تجمع اليهود من أصول يمنية.

ويؤكد الحوثيون أن" أبناء حاشد الشرفاء انقلبوا على عصابات تدار من الخارج وتمارس القتل والظلم والغدر وقطع الطرق وقتل الأبرياء "، وكثير من سكان المدن والقرى من أبناء هذه القبيلة العريقة انضموا إلى "أنصار الله"، هرباً من طغيان هذه العائلة التي تورطت في نزاعات وثارات مع القبائل، وعندما سنحت الفرصة ثار الناس عليهم واجتثوا نفوذهم في المناطق الخاضعة لسيطرة آل الأحمر منذ ثورة سبتمبر في شمال اليمن".

*مظاهر ترف قبلي

أكثر الأفخاذ القبلية في عمران لا توالي الشيخ صادق الأحمر، الوجيه الأكثر ثراء وصاحب القصور والضياع التي يندر أن تجد لها مثيلا في هذه المحافظة.
يتحدث السكان عن مظاهر بذخ وطغيان لدى أسرة الأحمر تتجلى في قصور بالغة الكلفة ومزودة بمزارع وآبار مياه واسطبلات خيول وحدائق وطرق اسفلتية، في حين أن العديد من مناطق المحافظة لم تعرف في تاريخها الطرق الإسفلتية سوى التي تقود إلى قصور الشيخ الأحمر.
لدى سكان هذه القبائل، اعتقاد راسخ بأن آل الأحمر ساهموا في تعثر جهود التنمية في مناطقهم نتيجة مواقف أبنائها من الشيخ الأحمر، بل أن البعض يدعي أن آل الأحمر لا ينتمون إلى قبيلة حاشد، ويرون أنهم دخلاء على القبيلة استوطنوا المنطقة قديما بعدما قدموا من تركيا، حالهم حال عائلة الرئيس اليمني السابق الذي ينحدر من أصول البانية.

*جبهة عمران

تداعيات الأزمة الأخيرة التي قاد فيها الشيخ حسين الأحمر حرباً على الحوثيين من جبهة عمران، يصفها بعض زعماء القبائل بأنها " صفحة سوداء في تاريخ قبيلة حاشد"، ويشار في ذلك إلى تورط مسلحي الأحمر بقطع الطرق والإغارة على المزارعين والأسواق وتهديد الغرباء والمسافرين، وهو ما يعد في شرع القبائل العيب الأسود الذي يقود فاعله إلى سلخه من نفوذ القبيلة وإهدار دمه.

قبل أيام عثر الأهالي في منطقة حوث على جثث لضحايا مفقودين من أبناء صعدة وآخرين من سكان هذه المناطق قضوا برصاص مسلحي الأحمر، يقول الشرعي إن الجثث " كانت متناثرة في منطقة قريبة من حواجز تفتيش نصبها مسلحو الأحمر عندما قطعوا الطريق المؤدية إلى محافظة صعدة، في أيام الحصار الذي شاركت فيه جماعات قبلية وسلفية في ثلاث محافظات".

هذا الحادث مثل هزة عنيفة لدى أشراف القبيلة المؤمنين بما يسمونه " شرع القبائل" وهو منظومة من القوانين غير المكتوبة تشمل موروثا أخلاقيا وعرفيا ينظم العلاقة بين أبناء القبيلة والغرباء ويحدد بصرامة قيمها، وهو تراكم على مدى آلاف السنين، وبرعت قبيلة حاشد في تطبيقه قديما فكانت الأكثر حضورا وقوة واحتراما بين قبائل اليمن قاطبة.

هذا الموروث تعرض لنكسات كبيرة في السنوات الأخيرة كما يقول السكان، بعدما تورط شيوخ آل الأحمر في تجاوزات كان أكثرها حدة المعارك التي قادوها ضد الحوثيين لمساندة الجماعات السلفية المسلحة في صعدة، حيث قطعوا الطرق وأغاروا على المدنيين العزل وقتلوا المدنيين بالهوية المذهبية، كما اعتدوا على المسافرين والغرباء.

هذه "الفلتات" كما يسميها الشرعي كانت أسبابا وجيهة لانتفاضة الناس، وهو يرى أن كثيرين شعروا بالقلق من شكل الخارطة السياسية في اليمن بعد التسوية، بعدما صار آل الأحمر يمثلون رقما كبيرا يدعو للقلق، فقرروا الثورة على مشيختهم وطردهم والتعهد بعدم عودتهم أيا كان الثمن.