مجموعة الازمات الدولية : تحذير من مخاطر الصراع في اليمن: حان وقت التسوية
لقد تداعت المرحلة الانتقالية المدعومة من الأمم المتحدة في اليمن ودخلت البلاد مرحلة جديدة وخطيرة من عدم الاستقرار. في 22 كانون الثاني/يناير قدّم الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء استقالتهما بعد أن استولى المقاتلون الحوثيون على القصر الرئاسي وعززوا سيطرتهم على العاصمة. أدى هذا إلى تقوّيض المرحلة الانتقالية الحافلة بالمشاكل أصلاً وعزّز الاحتمال الواقعي جداً لتقسيم البلاد، والتدهور الاقتصادي وانتشار العنف على نطاق واسع ما لم يتم التوصل إلى تسوية قريباً. في هذا الوقت، ليس هناك الكثير مما يستطيع اللاعبون الخارجيون فعله، ربما باستثناء السعودية وإيران، للتأثير في حسابات القوى اليمنية. والخيار بالنسبة لليمنيين بالغ الوضوح: إما الموافقة على تسوية سياسية شاملة تستند إلى حل وسط، أو أن ينزلقوا إلى صراع عنيف على النموذج الليبي وإلى الانقسام الوطني. وليس في مصلحة أي طرف، باستثناء القاعدة في شبه جزيرة العرب، وإلى حدّ أقل، بعض مكوّنات الحراك الجنوبي، ترك الأمور تمضي إلى ذلك المآل.
لقد كان السبب المباشر للأزمة الأخيرة نزاع بين الحوثيين، وهم حركة زيدية/شيعية إجمالاً تُعرَف أيضاً بـ "أنصار الله"، من جهة، والرئيس هادي، من جهة أخرى، حول مسودة الدستور التي صيغت بلغة إشكالية فيما يتعلق بقضية الترتيبات الفيدرالية المستقبلية للبلاد والتي لم تتم تسويتها. بدأت الأزمة عندما اختطف الحوثيون مدير مكتب الرئيس، أحمد بن مبارك، في وقت سابق من هذا الشهر، ما بعث برسالة إلى هادي بأن الحوثيين لن يقبلوا بدستور قائم على اتحاد فيدرالي يتكون من ستة أقاليم، وهو تقسيم كان مبارك يدعمه وكانت تساور الحوثيين الشكوك في أنه يحاول أن يدفع به قُدماً دون موافقتهم. إلاّ أن التحدّي السياسي سرعان ما تحوّل إلى مواجهة عسكرية بين المقاتلين الحوثيين، الذين كانوا قد سيطروا على أجزاء واسعة من العاصمة منذ أيلول/سبتمبر 2014، والحرس الخاص بهادي. انتصر الحوثيون بسهولة، واستكملوا سيطرتهم العسكرية ووضعوا الرئيس فعلياً قيد الإقامة الجبرية.
وقّع الطرفان اتفاقاً في 20 كانون الثاني/يناير أذعن بموجبه الرئيس للمطالب الحوثية، التي تركزت جميعها على التنفيذ السريع لاتفاق السلم والشراكة الوطنية، وهو اتفاق تم توقيعه في أعقاب استيلاء الحوثيين في أيلول/سبتمبر على صنعاء وبنى على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي اختُتم في كانون الثاني/يناير 2014. من الناحية النظرية، فإن مطالبهم كانت معقولة، إلاّ أننها بددت أي مبرر للعملية السياسية. أعطى الزعيم الحوثي، عبد الملك الحوثي، الرئيس هادي أسبوعاً لتنفيذ الاتفاق، وإلاّ فإن "جميع الخيارات ستكون على الطاولة"، وهو تهديد مبطّن باستخدام العنف. وبدلاً من تنفيذ مطالب الحوثيين تحت تهديد السلاح، استقال هادي ورئيس الوزراء، ما وضع النظام السياسي في أزمة.
حتى الآن، دفع الحوثيون عملياً باباً سياسياً وعسكرياً مفتوحاً، حيث لم يواجهوا سوى جيوباً من المقاومة مع انتشارهم جنوباً. استغلوا الإحباط واسع الانتشار حيال العملية الانتقالية وكذلك ضعف الدولة ليحققوا توسيعاً سريعاً للدعم السياسي الذي يحظون به ومزيداً من السيطرة على الأراضي تجاوزت بكثير معاقلهم في الشمال. يلقى خطابهم المعادي للفساد والمعادي للنظام القديم صدى واسعاً؛ وبشكل ما فإن الحوثيين غيّروا ديناميكيات القوة أكثر بكثير من انتفاضة عام 2011 التي سرّعت في نهاية نظام علي عبد الله صالح. في الواقع، وبما يشكل مفارقة، فقد تحالفوا مع رجال القبائل الناقمين وأنصار صالح في عامي 2013 و2014 لإلحاق الهزيمة بأعدائهم المشتركين في الشمال ـ بما في ذلك العناصر القبلية المتحالفة مع الحزب الإسلامي السني، الإصلاح، وعائلة الأحمر واللواء علي محسن الأحمر، وهو الضابط الذي قاد المعارك ضد الحوثيين في ظل حكم صالح لكنه تحوّل ضد رئيسه خلال الانتفاضة. في أيلول/سبتمبر 2014، استولى المقاتلون الحوثيون على صنعاء بسهولة. أعداد كبيرة من قوات الأمن ـ كثيرون منهم مرتبطون بصالح وجميعهم محبطون من الرئيس هادي والعملية الانتقالية ـ إما انضموا إلى الحوثيين أو رفضوا مقاتلتهم.
أما الآن فقد يكون الحوثيون قد اندفعوا أبعد بكثير مما ينبغي وباتوا ضحية انتصارهم غير المتوقع. لقد أدى تعزيزهم لقوتهم في صنعاء بعد أيلول/سبتمبر وتوسعهم السريع على ساحل البحر الأحمر إلى مناطق جنوبي العاصمة، إلى ظهور مقاومة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الشافعية (السنية) مثل تعز ومأرب. في مأرب، حيث يتحالف رجال القبائل الموالون للإصلاح مع القاعدة في شبه جزيرة العرب للدفاع عن مناطقهم ضد التقدم الحوثي، فإن الصراع بات يتخذ منحى طائفياً خطيراً لم يكن موجوداً سابقاً في اليمن. الانفصاليون الجنوبيون، القلقون حيال مصيرهم في ظل شمال يسيطر عليه الحوثيون وشعورهم بإمكانية اغتنام فرصة سياسية لتوحيد صفوفهم المنقسمة تحت مظلة الحراك وربما الحصول على دعم إقليمي من السعودية، ضاعفوا من دعواتهم للاستقلال.
لقد وضع الفراغ الراهن في القيادة الحوثيين والبلاد في مأزق. الرئيس وأعضاء الحكومة قيد الإقامة الجبرية، وليس هناك إجماع بين القوى السياسية حول كيفية الخروج من الأزمة. حدد مجلس النواب جلسة في 25 كانون الثاني/يناير إما لقبول أو رفض استقالة هادي، إلاّ أنه أُجبر على تأجيلها، جزئياً بسبب مقاطعة أعضائه الجنوبيين، وبذلك تتعمق الأزمة الدستورية والشلل السائد في البلاد. أضف إلى ذلك، وبعد ساعات من إعلان هادي استقالته، أن المجلس الأمني لمحافظة عدن، وهو هيئة حكومية تضم المحافظ والمسؤولين الأمنيين، أعلن بأنه لن ينفّذ من الآن فصاعداً الأوامر الصادرة عن صنعاء.
وثمة ردود أفعال مشابهة صادرة عن المناطق الوسطى في اليمن، حيث يجد الخصم السياسي الرئيسي للحوثيين، الإصلاح، فرصة جديدة للمقاومة وذلك من خلال تنظيم مظاهرات شعبية. حتى صالح، الذي استفاد من انتصارات الحوثيين ضد أعداء مشتركين، فإنه يبعث برسائل تفيد بأنه قد يستغل الظرف الراهن للتحرّك ضدهم وتنظيم عودة حلفائه إلى السلطة من خلال الانتخابات.
الوضع الراهن بالغ السوء، إلاّ أنه يوفّر فرصاً أيضاً. كل المجموعات السياسية، إضافة إلى أغلبية المواطنين العاديين، غير راضين عن إدارة هادي للمرحلة الانتقالية. منذ استيلاء الحوثيين على العاصمة في أيلول/سبتمبر، بات يُنظَر إليه على أنه ضعيف وغير قادر على إعادة العملية السياسية إلى سكّتها الصحيحة. إن رحيله، رغم زعزعة الاستقرار التي يسببها، يوفر فرصة لليمنيين لاختيار قيادة أكثر فعالية وتحظى بقبول واسع. وهذا بدوره سيمكّن من التوصل إلى الإجماع السياسي غير الرسمي لكن الضروري لتنفيذ وتوضيح الاتفاقيات الانتقالية القائمة.
حتى الآن، لم يكن لدى الحوثيين أي حافز للتوصل إلى تسوية. بوصفهم المنتصرين، فإنهم باتوا يفرضون بشكل متزايد تفسيرهم للاتفاقيات القائمة، وفي الآن ذاته يدّعون بأنهم يتحدثون نيابة عن جميع اليمنيين. إلاّ أنهم، وبفعلهم ذلك، ينفّرون خصومهم ويدفعونهم إلى التطرف، خصوصاً الإصلاح والانفصاليين الجنوبيين. في الظروف الراهنة، فإن أي محاولة من قبل الحوثيين (أنصار الله كما يفضلون أن يُسموا) لتشكيل مجلس عسكري أو رئاسي دون مشاركة حقيقية من الأطراف الأخرى سيؤدي إلى رد فعل محلي ودولي قوي ضدهم.
إنهم لا يستطيعون إدارة الحكومة دون مشاركة الأحزاب السياسية. المهم أيضاً، فإنهم بحاجة لدعم الجهات المانحة لمنع الانهيار المالي وحدوث كارثة إنسانية. السعودية، التي حافظت على بقاء الحكومة اليمنية بتقديمها أكثر من 4 مليار دولار منذ عام 2011، أوقفت الدعم المباشر للحكومة أصلاً رداً على استيلاء الحوثيين على العاصمة في أيلول/سبتمبر. إذا أصر الحوثيين على السيطرة الأحادية الآن، فإن ذلك سيقوي الموقف السعودي وسيشجع أطرافاً مانحة أخرى على أن تحذو حذوه. محلياً، فإن ذلك سيعزز تصميم الجنوب على الانفصال ويمكن أن يوفر حافزاً للسعودية لدعم استقلاله ضد الشمال الذي يهيمن عليه الحوثيون. كما يمكن للأجزاء الوسطى من البلاد أن تنقسم، خصوصاً مأرب الغنية بالنفط. إن أياً من ذلك لا يخدم مصالح الحوثيين. يقول ممثلو الحوثيين بأنهم يريدون حلاً شاملاً، إلاّ أن أفعالهم هي المهمة الآن.
إن الحل السلمي الوحيد الذي يمكن أن يوقف القوى الانفصالية والانهيار الاقتصادي يتمثل في تسوية سياسية حقيقية وشاملة بين جميع الأطراف المعنيين، بما في ذلك أنصار الله، وحزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح، وكتلة أحزاب اللقاء المشترك (الذي يشكل الإصلاح طرفاً رئيسياً فيها) وأكبر عدد ممكن من مكوّنات الحراك الجنوبي. حتى الآن، فإن للحوثيين اليد العليا دون منازع. إلاّ أن توسّعهم المفرط يوفّر فرصة لمجموعات أخرى لمقاومتهم وتقديم مطالب مقابل مشاركتهم.
تتمثل القضية الأكثر إلحاحاً الآن في وجود السلطة التنفيذية، حيث يترك الفراغ في البلد الذي يترنّح أصلاً على شفير الهاوية الاقتصادية دون موجّه وعرضة لانهيار خطير. ثمة عدداً من الخيارات المتاحة، أهمها إقناع هادي بسحب استقالته، وتشكيل لجنة رئاسية لتوجيه المرحلة الانتقالية إلى أن تجرى الانتخابات، أو بدلاً من ذلك، الالتزام بالدستور من خلال إجراء انتخابات رئاسية خلال 60 يوماً بعد اجتماع مجلس النواب الذي يصبح رئيسه مكلّفاً بأعمال الرئيس. من بين هذه الخيارات، فإن العودة إلى هادي، بعد كل ما حصل، قد تكون الأقل جاذبية، حيث إن من غير المرجح أن يوقف ذلك ترنّح وسقوط المرحلة الانتقالية. كما أنه من الصعب الاختيار بين الخيارين الآخرين، حيث إن لكل منهما محاسنه ومساوئه. ثم أن هناك تباينات بين هذه المواقف الثلاثة التي يجري نقاشها. الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لليمنيين هو الاتفاق معاً على أفضل الطرق وضمان أن أي حل يتم التوصل إليه يفضي إلى وجود سلطة تنفيذية مقبولة على نطاق واسع من جميع الأطراف. كما يفضَّل، إلى أقصى درجة ممكنة، أن يكون الحل الذي يتم اختياره في إطار الدستور.
إن الاتفاق على السلطة التنفيذية سيكون الخطوة الأولى. أما التسوية الدائمة فينبغي أن تتصدى للقضايا التي لم يتم حلها، خصوصاً تقاسم السلطة قبل الانتخابات إضافة إلى المسألة الإشكالية المتعلقة ببنية الدولة ومستقبل الجنوب. كما ينبغي أن تعكس التسوية، إلى أقصى درجة ممكنة، مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، الذي استفاد من المشاركة الواسعة التي لم تقتصر على الذين يحملون السلاح. لقد كانت هذه القضايا مصدراً دائماً للصراع وستستمر في إلقاء ظلالها على أي عملية سياسية إلى أن تتم معالجتها. إذا لم يؤدِ التهديد المتصاعد بالتقسيم والصراع الخطير إلى إقناع جميع الأطراف بتقديم تنازلات أكبر، من المرجّح أن ينزلق البلد إلى صراع طائفي تراهن عليه القوتان الإقليميتان السعودية وإيران.
إن التوصل إلى تسوية أمر منوط باليمنيين. لا يتمتع اللاعبون الخارجيون، باستثناء السعودية وإيران ربما، بدرجة كبيرة من النفوذ للتأثير على حسابات اللاعبين الداخليين الرئيسيين. تتمتع السعودية نظرياً بالنفوذ المالي والعلاقات مع جميع الأطراف بحيث يمكن أن تشجع تسوية شاملة حيال القضايا العالقة، إلاّ أنها اختارت حتى الآن عدم القيام بذلك. يبدو أن الرياض غاضبة مما تعتقد أنه دور إيراني في انتصار الحوثيين، ولذلك تبدو عازمة على إفشال هذا الانتصار بأي وسيلة. ربما تبالغ السعودية بالدور الإيراني، وقد تكون أكثر نجاحاً في الاحتفاظ باليمن في فلكها الجيو-استراتيجي إذا دفعت إلى التفاوض مع الحوثيين، باستعمال قوة المال. إن تشجيع الحوثيين على أن يكونوا مكوّناً بناءً في إطار حكومة وطنية جامعة سيسهم أيضاً في مقاومة القاعدة، وهي مجموعة مكروهة من قبل السعودية والحوثيين على حد سواء.
حتى الآن، حقق الحوثيون نجاحاً ملحوظاً في محاربة القاعدة. إلاّ أن استعدادهم لقيادة المعركة أدى أيضاً إلى ارتفاع عدد المنضمين إلى خصمهم، الذي يتحالف مع القبائل التي تعتبر الحوثيين غزاة وتستعمل لغة طائفية صريحة ضد الشيعة بشكل عام للتشجيع على القتال. سيكون من مصلحة الولايات المتحدة تشجيع السعوديين على التواصل مع الحوثيين وتحفيز اندماجهم في حكومة شاملة يمكن أن تحارب القاعدة. كما ينبغي على مجموعة أصدقاء اليمن (التي تضم مجلس التعاون الخليجي، وأعضاء مجموعة الثماني، وممثلين عن الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي) أن تحث السعوديين على دعم اليمن اقتصادياً كوسيلة لمنع الانهيار الاقتصادي وربط الحوثيين بالدولة لتجنب انقسامها.
كما يمكن لإيران أيضاً أن تلعب دوراً بناءً من خلال تقديم النصيحة للحوثيين بأن لا يتوسعوا أكثر من اللازم وألاّ يقصوا الأطراف الأخرى، وهي الأشياء التي تهدد بتقويض المكاسب السياسية الكبيرة التي حققوها. بصرف النظر عن العلاقة الفعلية مع أنصار الله، فإن إيران تتمتع بنفوذ سياسي ودعائي كبير على المستوى الإقليمي نتيجة للانتصارات التي حققها الحوثيون. إلاّ أن لا إيران ولا الحوثيين سيستفيدون من الانهيار الاقتصادي والصراع الذي لا شك سيحدث ما لم يتم التوصل إلى تسوية وطنية شاملة قريباً.
ويمكن أيضاً للمبعوث الخاص للأمم المتحدة أن يساعد في جمع اللاعبين الرئيسيين، إلاّ أن القرار النهائي إما بالقتال أو بالتوصل إلى تسوية هو بشكل رئيسي قرار اليمنيين. ينبغي على الحوثيين، أولاً وقبل كل شيء، أن يقتنعوا بأن مصلحتهم بعيدة المدى تكمن في التوصل إلى حل تفاوضي. إذا اقتنعوا بذلك، فإنه من المحتمل أن تحذو حذوهم في ذلك الأحزاب السياسية الأخرى وبعض مكونات الحراك. أما إذا مضى الحوثيون في مسارهم الحالي الخطير، فإن الوضع الحالي سيستمر، وسيمضي خصومهم في الحشد لخوض صراع لا يمكن لأحد أن يكسبه.
- قرأت 394 مرة
- Send by email