الكاتب السعودي سامي جاسم آل خليفة : الحوثيون نصر الله وتأييده

الحوثيون نصر الله وتأييده : سامي جاسم آل خليفة

لم يكن الإعلان الدستوري الذي جاء بعد فشل القوى السياسية في التوافق على مخرج لأزمة الرئاسة غير ترجمة حقيقية لإرادة الشعب اليمني الذي خالف فيه التوقعات بفراغ رئاسي وتعطيل لروح الدولة ولم تكن اللجان الشعبية في ذلك الإعلان يقودون مرحلة انقلاب كما يحاول بعض الأحزاب فرضه على الساحة السياسية اليمنية الداخلية وإيهام العالم بذلك بل كانت تلك اللجان صمام أمان في الحفاظ على مؤسسات الدولة والتعاون مع الأجهزة الأمنية ولعل الإعلان من القصر الجمهوري وما فيه من رمزية سيادية منح الشعب كثيرا من الاطمئنان والثقة برجالات الثورة وقيادات الحراك الشعبي لاسيما حركة أنصار الله الحوثية التي كانت ولا تزال تغلب المصلحة اليمنية العامة للشعب اليمني على الفئوية الحزبية والنظرة الضيقة للمصالح الشخصية والسياسية لكن خصوم السياسة لم يجدوا في صدورهم مساحة كافية لتغليب العقل وتقبل الأمر لهذا الطوفان الثوري وأخذوا في الصراخ والعويل عبر القنوات الفضائية متهمين حركة أنصار الله بعدم الشرعية تارة واختطاف السيادة من جهة أخرى ووصلت القذارة السياسية بهؤلاء الخصوم أن يرموا الحوثيين بعدم الكفاءة والحداثة في تعاطيهم بالسياسة ولا أدري ماهي مقاييس السياسة التي ينبغي على حركة أنصار الله أن يقوموا بتفصيلها حتى يرضى عليهم خصوم السياسة ويقروا بشرعية الإعلان الدستوري والاعتراف أن اليمن بدأ في صياغة يمن جديد خلع عنه الإملاءات الخارجية والتوجه نحو ما يخدم اليمن بإرادة الشعب نفسه الذي بذل ولا يزال يبذل في سبيل ألا يستمر اليمن تحت وطأة الهيمنة الدولية والذل السياسي الذي تمارسه عليه كثير من الدول العربية والغربية.

 

على خصوم الحوثيين أن يدركوا أن المرحلة الجديدة التي يمر بها اليمن مرحلة خطيرة تأتي في ظل عواصف سياسية وأخطار يستحوذ اليمن على حصة كبيرة منها لا سيما التهديد الأمني الذي يتربص باليمن من عدة محاور وحركات تتطلب منهم الترفع عن التهريج السياسي والنعيق المشؤوم الذي لا يخدم الشعب اليمني وهنا أتوقف لمعالجة بعض النقاط :

 

 إن الإعلان الدستوري الذي أثار حفيظة الخصوم لم يأت كما يصور بعضهم نتيجة فرض حالة بقدر ما هو تثبيت لسيادة وطن لا سيادة أشخاص فاستقالة الرئيس عبدربه هادي لا يمكن أن تعطل مفاصل الدولة ويلجأ الشعب اليمني إلى العويل والبكاء واستجداء الرئيس للبقاء وكأن اليمن يخلو من الرجال والقيادات .

 

 الوقوف على تسمية الإعلان بالدستوري حيث لا دستوريه أو لماذا لم يُسمَ بالثوري هو كمن يقف على جدلية البيضة والدجاجة وهو من الخزي السياسي لخصوم حركة أنصار الله حيث المفاجأة والصدمة التي نالت منهم إذ لا تعارض بين تسميته دستوري أو ثوري فدستورية الإعلان يستمد وجوده من الثورة الشعبية وهو بهذه الحالة ولادة من رحم الثورة وليس منفصلا عنها .

 

 إِشكالية توقيت الإعلان والسرعة في إعلانه بعد انتهاء الفترة الممنوحة للتشاور ليست محل إشكال بل على العكس تماما هو دليل ذكاء وفطنة سياسية يحسب لقيادات الثورة الشعبية وعلى الأخص حركة أنصار الله إذ كان المخطط الخارجي كما أتصوره أن تكون خطوة الاستقالة التي أقدم عليها الرئيس هادي محرجة للحوثيين وتضعهم في قيد التنازلات والوهن السياسي وهذا ما تنبهت له قيادة حركة أنصار الله وأقفلت هذا الباب بكل دراية وحنكة سياسية.

 

 الإعلام الأعور الذي تقوم به بعض الفضائيات لتأجيج الشارع اليمني على إعلان الدستور في حيز ضئيل من اليمن وتصويره بأنه رفض شعبي وفي الوقت نفسه تتغافل عن مساحات شاسعة وحشود غفيرة من الشعب المرحب بإعلان الدستور يوضح مدى التكالب الدولي الحقير لاسيما المرتبط بالصهيونية العالمية لمواجهة محور المقاومة على اعتبار أن الحوثيين امتداد للمقاومة التي ترفض الخنوع للغطرسة الأمريكية وتنفيذ أجندتها في المنطقة .

 

 إن العزف الدائم على سيمفونية الحوثيين اختطفوا السيادة الوطنية ينم عن انهزام نفسي وركون في زاوية الضعف والتبلد السياسي فسيادة اليمن لا ترتبط بشخصية عبدربه هادي ولا بحزب الإصلاح أو الحزب الناصري أو غيرهم من الأحزاب والشخصيات حتى يمنع عن الحوثيين تلك السيادة أو المشاركة في بناء الدولة السياسية بل حتى منصب الرئاسة ليس حكرا على أحد وفق منهج المشاركة السياسية والقانون وعليه فالحوثيون كغيرهم لهم الحق في الترشح أو ترشيح من يرون أهليته في قيادة المرحلة المقبلة دون أن ينقصهم أحد ذاك الحق أو يرميهم بعدم الدراية السياسية أو الخبرة وهذا التوجه من حركة أنصار الله لا يقلل من شأن الآخرين كما يتوهم بعضهم ويعيب على الحوثيين السعي أو حتى الوصول لكرسي الرئاسة.

 

 إن من يرفض إعلان الدستور ودخول أنصار الله في العملية السياسية لقيادة اليمن حريا به أن يحارب التكفيريين والقاعدة وأخواتها كما يفعل الحوثيون أما الجلوس على منابر القنوات الفضائية وكراسي المناصب والوجاهة والتنظير من يحكم ومن لا يحكم فهو من الهذيان السياسي والإفلاس الذي لا يقدر صعوبة المرحلة وتداعي الأزمات .

 

 من المخجل ما يتغنى به خصوم حركة أنصار الله في كل محفل وناد بأنها حركة مرتبطة بإيران وتنفذ أجندتها باليمن والمنطقة للوصول إلى حكم اليمن وأقول لهؤلاء إن نتن الطائفية الخبيثة ستقتلكم ولن يغير من الواقع شيئا ولو افترضنا وجود علاقة فهي علاقة لا تعدو عن كونها ارتباط مقاومة شريفة للوقوف بوجه القاعدة وإفشال المخطط الأمريكي المرسوم لليمن لتقسيمه وتقطيع أوصاله كما أن العلاقة بإيران ليست عيبا سياسيا حتى تعير به حركة أنصار الله في وقت نرى فيه دولا كثيرة ترتبط مع إيران بعلاقات سياسية واقتصادية ومشاورات حتى مع وجود الاختلاف بل أجد أن الارتباط بإيران بمنظور محور المقاومة شهادة شرف لحركة أنصار الله ولا أدري هل يريد خصوم أنصار الله أن يرتبط الحوثيون بأمريكا أم إسرائيل ؟!.

 

في الختام أجد نفسي معنيا كوني عاشقا لليمن أن أدعو الشعب اليمني العزيز بما فيهم خصوم أنصار الله الوقوف بجانب القوى الثورية ومساندة اللجان الشعبية والجيش اليمني والاتحاد لمواجهة خطر القاعدة والدواعش كما أدعوهم أن يستشرفوا المستقبل برؤية واضحة بعيدة عن الارتباطات الخارجية والأمراض المذهبية والحزبية وهذا الاستشراف يتطلب منهم منح الزمن الكافي لينهض اليمن ويكسر قيوده لإحداث التغيير لخلق يمن سعيد جديد بعيد عن إملاءات الذل والهيمنة والانكسار التي تريدها له كثير من دول المنطقة والعالم .

 

بانوراما الشرق الأوسط