نص كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطاب ذكرى عاشوراء
- وصلت بهم الدناءة والانحطاط والخيانة أن يقوموا بخطف البعض من أبناء الشعب اليمني وبيعهم للنظام السعودي ليكونوا أسرى لديه بعدما افتضح في ضعفه ووهن جيشه
- النموذج التكفيري الذي هو اليوم أداة بيد أمريكا تضرب به شعوب المنطقة وتشوه به الإسلام هو امتداد لذلك النموذج الذي كان له وجود في المراحل الماضية من تأريخ الأمة بتدينه الذي لا قيم فيه ولا رحمة ولا عدل بوحشيته وإجرامه، بواقعه أداة طيعة بيد المتجبرين والمفسدين
- هم غاروا على البلد كله، وواهم وغبي من يتصور أن المعركة لا تعنيه أو أنه غير مستهدَف بهذا العدوان الأمريكي الإسرائيلي السعودي، وإذا كان الاستهداف حتى في الحرية والاستقلال أليس استهدافاً للجميع؟
- لن نتوانى أبداً في مواجهة الغزاة المجرمين، لن نركع إلّا لله تعالى نعيش أعزاء أو نلقى الله في ساحة القتال والشرف كرماء
- المسألة ليست قابلة للمساومة، حرية أو استعباد، عز أو ذل، حق أو باطل، شرف أو هوان، فمهما طال أمد العدوان ومهما كان حجم التطورات لن يوهن ذلك من عزمنا
- يمكن لكل ضال أو مجرم أو مفسد أو ظالم إذا امتلك مالاً ومنالاً وسلطة وإعلاماً أن يشتري الكثير من عُبّاد المال وفاقدي الوعي وأسرى العصبيات والجهالات وذوي الأطماع والأهواء والنزوات
- مؤامرات الأمريكي والإسرائيلي وبواسطة عملائهما من المحسوبين على الأمة جلبت الشر والفتن والمآسي على شعوب المنطقة وأفقدتها الأمن والاستقرار والسلام واستهدفتها في قيمها ووعيها وسعت لتمزيق نسيجها الاجتماعي وتفريقها تحت كُلّ عناوين التفرقة
- الغالب في واقع الأمة هو غياب المشروع والهدف فالكثير من أبناء الأمة لا يعي مسئوليتها ودورها ولا يدرك المخاطر والتحديات التي تواجهها فيقع ضحية لذلك الجهل
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ..
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ..
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الملكُ الحقُّ المبينُ، وأشهَدُ أن سيدَنا محمداً عبدُه ورَسُــوْله، خاتمُ النبيين، اللهم صَلَّ على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن صحبه المنتجبين وَعن سائر عبادك الصالحين.
السلامُ على سبط رَسُــوْل الله، السلام على سيد شباب أهل الجنة، السلام على الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة سيدة نساء العالمين بنت خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.
شعبَنا اليمني العزيز أيها الأَحْــرَار والشرفاء السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته وعظّم الله لنا ولكم الأجرَ في هذه الذكرى الأليمة والفاجعة الكبرى ذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة حفيد رَسُــوْل الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وريث الهدى وقرين القرآن الإمام الحسين عليه السلام.
ومن الواقع المرير والمأساوي الذي تعيشُه الأُمَّة الإسْــلَامية ومن ساحاتها الممتلئة ظلماً وظلاماً وجوراً نستذكرُ مأساة الأُمَّة يوم العاشر من محرّم، تلك الفاجعة التي لم تكن حدثاً عابراً وغابراً مضى وانقضى وعفا عليه الزمن ومحت آثارَه وتبعاتِه القرونُ المتعاقبة، بل هو حدث له ارتباط وثيق بالأمة؛ لأنه في أسبابه وحيثياته ومجرياته وأطرافه في صميم قضاياها الكبرى وأحداثها العظام الجسام ذات الإرتباط الوثيق والعميق والمؤثر في تكوّن توجهاتها ورسم مسارها وصناعة مستقبلها وصياغة مفاهيمها، وليس من الصدفة ما تعانيه الأُمَّة الإسْــلَامية اليوم وبالأَكثَر في المنطقة العربية من شتات وفرقة ونزاعات وظلم وجور وقهر وطغيان وإجرام من داخلها على يد بعض أنظمة العمالة والخيانة التي جعلت من نفسها أداة قذرة إجرامية لخدمة الطغيان اليزيدي الإجرامي المتمثل في هذا العصر بأمريكا وإسرائيل وعلى أيدي أعدائها من الخارج، تلك المآسي التي نراها اليوم في فلسطين واليمن وسوريا والعراق وسائر الأقطار الأخرى وعلى نحو لا نظير له في الأمم الأخرى، فالواقع الأسوأ في كُلّ الدنيا بكل ما فيه من تجرد من الأخلاق واستهتار بمبادئ الإسْــلَام والقيم الإنسانية الفطرية هو الواقع الذي تعاني منه الأُمَّة الإسْــلَامية وخصوصاً في المنطقة العربية وهي الأُمَّة التي تؤمن بكتب الله ورسله ونبيها خاتم الأنبياء محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله وبين ظهرانيها القرآن الكريم ولها في ذلك ما يضمن لها أن تكون على درجة عالية من الوعي والبصيرة وأن تتحلى بمكارم الأخلاق وأن تجتمع كلمتها على التقوى وعلى الخير والفلاح وأن تقيم العدل في الحياة وأن تكون ساحتها نظيفة من الطغيان والمنكر ومن هيمنة المجرمين الجائرين الظالمين، فما الذي أفقدها تأثير هذا الانتماء ما الذي جعل واقعها الأسوأ بين كُلّ الأمم بالرغم لما تمتاز به من مبادئ وقيم وهدى؟، أين أثر الأنبياء؟ وأين أثر القرآن؟ أين أثر الرَسُــوْل والرسالة؟ لماذا لم يكن هو السائد في واقع الأُمَّة؟ ما الذي أوصلها إلى هذا المستوى؟ أمة يحكمها الجائرون الظالمون أمة فاقدة للوعي والبصيرة، سوق مفتوح لكل من يروجون الفتن والظلال والباطل، ويمكن لكل ضال أَوْ مجرم أَوْ مفسد أَوْ ظالم إذا امتلك مَـالاً ومنالاً وسلطة وإعلاماً أن يجد ضالته في هذا السوق وأن يشتري الكثير الكثير من عُبّاد المال وفاقدي الوعي وأسرى العصبيات والجهالات وذوي الأطماع والأهواء والنزوات، وساحة مكشوفة لا أسوار لها ولا حواجز يدنسها الجبابرة والمفسدون، وميدان محطم التحصينات، كُلّ من أراد أن يدخل إليه دخل وأن يؤثر فيه أثر وأن يفسد فيه أفسد وأن يعبث فيه عبث، الأمريكي أتى من آخر الدنيا إلى هذه الساحة مستعمراً محتلاً ناهباً ظالماً مثيراً للفتن والحروب مستهدفاً للقيم وَالأخلاق ومتحكماً في مصائر الشعوب ومتدخلاً فيما به المضرة بالأمة في دينها ودنياها ومصادَرة حريتها واستقلالها وعزتها وكرامتها وضرب مصالحها والاستئثار بخيراتها وثرواتها، والإسرائيلي تمكن من إنشاء كيان له في قلب المنطقة مقتطعاً جزءً عزيزاً من بلاد المسلمين ومن المنطقة العربية ومن الأرض التي باركها الله، محتلاً لفلسطين مدنساً ومهدداً للأقصى الشريف وسائر المقدسات في فلسطين وممارساً لأبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني العزيز، وامتداد فساد ومؤامرات هذا الكيان إلى سائر المنطقة، والمؤامرات من كليهما الأمريكي والإسرائيلي وبواسطة عملائهما من المحسوبين على الأُمَّة في بقية دول المنطقة جلبت الشر والفتن والمآسي على شعوب المنطقة وأفقدتها الأمن والاستقرار والسلام واستهدفتها في قيمها ووعيها وسعت لتمزيق نسيجها الاجتماعي وتفريقها تحت كُلّ عناوين التفرقة، ولا يحتاجون إلى صعوبة في عملية الخداع والتضليل التي يؤثرون بها على الكثير من فاقدي البصيرة وأسرى الأطماع والأهواء والرغبات الشيطانية.
وباستثناء القوى الحرة والمستنيرة في أوساط الأُمَّة التي تعي حقيقة المؤامرات والمكائد المعادية وتتحرك بدافع المسئولية للتصدي لها ومواجهتها فإن الغالب وللأسف الشديد في واقع الأُمَّة هو غياب المشروع والهدف فالكثير من أبناء الأُمَّة لا يعي مسئوليتها ودورها ولا يدرك المخاطر والتحديات التي تواجهها، ويقع بالتالي ضحية لذلك الجهل.
واقع الأمة الحالي امتداد للماضي
لقد كان المسار الطبيعي للأمة هو الارتقاء، لو أنها في الاتجاه الصحيح وهي أمة الألف والأربعمائة عام وأمة الرسالة والهدى، ذلك المشروع الإلهي الكفيل بالارتقاء بها في كُلّ المجالات لتكون أهدى وخير الأمم وليعم خيرها العالم وتوصل نور الله إلى شتى أقطار الأرض؛ لذلك فإن من حقنا بل من واجبنا أن نبحث عن الأسباب فطريقنا للخلاص يبدأ من تشخيص الداء وأسبابه ومعرفة علاجه بعد أن وصلت أوضاع الأُمَّة إلى الواقع المظلم والأسوأ وبلغت معاناتها الحد الذي لا يطاق ولا يمكن تجاهله والتغاضي عنه، والواقع المرير والمأساوي بكل ما فيه من ظلم وظلام وعناء وشقاء ليس وليد اللحظة حتى نكون فجأةً رأينا الأُمَّة الإسْــلَامية تنتقل من وضع ينسجم كُلّ الانسجام مع مبادئها وقيمها وقرآنها وإسْــلَامها خيراً وعدلاً وعزاً ومنعة وإخاءً ووحدة وتعاوناً على البر والتقوى وتجسيداً لأخلاق الإسْــلَام إلى واقع مغاير، لا، إنما هذا الواقع هو امتداد للماضي ونتاج له، ومن هنا نتطلع إلى التأريخ ليس من زاوية مذهبية بل وفق ما نقله المؤرخون من كُلّ الأُمَّة، نتطلع إلى التأريخ من واقع ما امتد به هذا التأريخ من تأثير تجلى في هذا العصر فيما عليه الأُمَّة الإسْــلَامية من واقع هو الأسوأ في كُلّ الدنيا وبين كُلّ الأمم، وحينما نتطلع إلى التأريخ نجد ما تعانيه الأُمَّة اليوم وما تخشاه أيضاً قد وقع مثله والأسوأ منه فيما مضى، بما في ذلك الاستباحة لصفوة المسلمين وأخيارهم ولعامتهم وفي طليعتهم عترة رَسُــوْل الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وبقية صحابته من المهاجرين والأنصار وذريتهم والاستباحة للمقدسات، بما فيها مكة والكعبة والمدينة، وإرساء دعائم الجور والاستبداد والمُلك العَضُوض في حكم الأُمَّة والتحكم بها والاستئثار بفيئها وخيراتها والاستهداف لها في أخطر ما تُستهدف فيه من خلال عملية التضليل لتحريف المفاهيم الدينية وإفساد النفوس وتحويل الإسْــلَام إلى حالة شكلية وطقوس معينة مفرغة من أي مضمون ومعنى وانتماء غير واعٍ بحقيقة مبادئ الإسْــلَام الكبرى التي بها عزة الأُمَّة وقوتها وحرية الإنسان من العبودية للطواغيت وصلاح الحياة وإقامة العدل وبناء الإنسان في زكائه وقيمه وأخلاقه ووعيه وبصيرته ليبنيَ الحياة ويطبعها بطابع الخير.
المعيار الأساس للموقف
إن الطغيان والظلم والجور الذي تعاني منه شعوب المنطقة ليس حالة جديدة وواقع الأُمَّة فيما يعانيه الكثير من أبنائها من نقص في الوعي وقابلية للتضليل والخداع وانسياق خلف الجائرين المستبدين والمفسدين المضلين هو نتاج لتراكمات ذلك الانحراف الكبير والخطير الذي أفقد الكثير من أبناء الأُمَّة الفرقان والاستنارة ببصائر الهدى والقرآن وأزاح المعايير والأسس الكبرى وعلى رأسها الحق، الحق كمعيار أساس للموقف "ذلك بأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم"، وأصبح البديل عن الحق هو المال والمنال والطمع والأهواء "اشتروا بآيات الله ثمن قليلاً"، ولذلك نجد الكثير من الناس، في دوافع قراره وموقفه أين يكون وفي أية ساحة ومع من وضد من، يلغي الحق من حساباته ويجعل البديل عنه المال، فهو مع الموقف الذي فيه مال فيه سلطة وليس مع الموقف الذي يستند إلى الحق، يجعل البديل المال أَوْ السلطة أَوْ العصبية والأهواء "سماعون للكذب أكّالون للسحت"، يتحركون كما الحيوانات بدافع الغريزة والأهواء والأطماع بَـدَلاً عن المبادئ وبعيداً عن الحق والمسئولية، والحكم الأموي لعب الدور الأسوأ في ذلك، فهو أتى في مرحلة حساسة ومهمة وسخّر ووظف الإمكانات الهائلة للدولة الإسْــلَامية يوم كانت الدولة الإسْــلَامية هي الأكبر والأقوى في العالم يوم كان بإمكان الدولة الإسْــلَامية أن ترسيَ دعائم الحق والعدل والخير في كُلّ العالم فحرف مسارَ الأُمَّة وأفسد واقعها وبدّل وغيّر، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما قيل عنهم بأنهم إذا تمكنوا من السيطرة على مقاليد أمور الأُمَّة اتخذوا دينَ الله دغلاً وعباده خولاً وماله دولاً، فيما يعنيه هذا من إفساد للدين بتحريف مفاهيمه وطمس قيمه وتضييع أخلاقه، ومن استعباد عباد الله تحويلهم إلى خَوَل يعني إلى خدم إلى عبيد، والاستئثار بالمال العام مال الأُمَّة والإفقار لها، وهذا الذي كان بما تجمعه هذه العبارات من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من توصيف شامل ودقيق، فكانت جنايتهم بذلك على الأُمَّة وعلى البشرية من وراء الأُمَّة عظيمة تفوق التصور والخيال، وآثارها اليومَ ماثلة في واقع الأُمَّة فيما تعانيه من ظلم وقهرٍ وطغيان، حيث عمدوا وسعوا وحذا حذوهم في ذلك حكام الجور في الحقبة العباسية وما بعدها وبمساعدة علماء السوء ووعاظ السلاطين إلى فصل الأُمَّة عن كُلّ عوامل ومنابع الهداية والصلاح والاستقامة والعزة والخير، عن الأخيار والهداة والصالحين، عن المفاهيم العظيمة الهادية، عن القيم والأخلاق والمبادئ الحقة.
لقد أراد الله لهذه الأُمَّة أن تكون أمة الأنبياء وأمة خاتم الأنبياء صلى الله وسلم عليه وعلى آله ومرتبطة بورثتهم الصادقين، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وقال تعالى (واتبع سبيل من أناب إليَّ)، وأن لا تقبل أبداً بالمضلين والمنحرفين والفاسدين والجائرين والظالمين أن يحكموها وأن يتقلدوا أمرها ويتحكموا بها قال تعالى "ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا"، أراد الله لهذه الأُمَّة أن تكون مع الصادقين لا أن تكون مع أصحاب الدولارات مع أصحاب الدينار والدرهم مع أصحاب الأطماع والأهواء والنزوات والرغبات، أن تكون أمة الحق "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، ذلك بأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم "فَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ "، أن تكون أمة العدل "كونوا قوامين بالقسط"، أن تكون أمة الوعي والنور والبصيرة "قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها"، "قد جاءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين".
نماذج الانحراف في مسار الأمة
ولكن للأسف أولئك المجرمون حرفوا مسار الأُمَّة وحرّفوا مفاهيم دينها وأفسدوا قيمها، وكانت النتيجة صناعة نموذجين، النموذج الأول ألبسوه رداء التدين لاستيعاب واحتواء المتعطشين للتدين في أوساط الأُمَّة باسم الدين وباسم الإسْــلَام بينما حقيقة الأمر صناعة لخليط من المفاهيم المزيفة والأباطيل والأفكار المنحرفة المحسوبة على الدين، والنموذج التكفيري الذي هو اليوم أداة بيد أمريكا تضرب به شعوب المنطقة وتشوه به الإسْــلَام هو امتداد لذلك النموذج الذي كان له وجود في المراحل الماضية من تأريخ الأُمَّة بتدينه الذي لا قيم فيه ولا رحمة ولا عدل بوحشيته وإجرامه، بواقعه أداة طيعة بيد المتجبرين والمفسدين، ونموذج آخر منفلت لم يعد له ارتباطٌ أصلاً بالمبادئ الدينية، على قطيعة تامة معها، يتحرك في مواقفه وأعماله وتصرفاته بالغريزة والأهواء والرغبات والأطماع كالحيوانات بَـدَلاً من المبادئ، فهو مع المال وليس مع الحق، مع المناصب وليس مع المبادئ، مع الأطماع وليس مع القيم، وساموا بقية الأُمَّة سوء العذاب استبداداً وقهراً وإذلالًا وظلاًم من موقع القدرة والسلطة والحكم، وهذه هي الخطوة الكبيرة التي عم بها الضرر والخطر وتضاعف بها التأثيرُ السيء، وبالجبروت والطغيان وبالتضليل والإفساد عملوا على تدجين الأُمَّة وإخضاعها لجورهم وسيطرتهم فضلّوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، ولكن كانت مشكلتهم الدائمة والممتدة عبر التأريخ هو ذلك الامتداد في المقابل للرسالة والحق للإسْــلَام النقي للقرآن في حمَلته الحقيقيين الصادقين ورموز وأعلام الهدى والذين معهم من الأَحْــرَار والشرفاء في الأُمَّة، والحسين عليه السلام هو معلم من معالم الحق وأعلام الهدى، وحينما قال الرَسُــوْل صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه وفي أخيه الحسن: "الحسَن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خيرٌ منهما"، وحين قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم "حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسين"، "حسين سبط من الأسباط"، فليس ذلك مجرد ثناء وإنما يقدمه إلى أمته امتداداً لهديه وتأكيداً على الدور المهم له عليه السلام في مرحلة من أخطر المراحل التي مرت بها الأُمَّة، المرحلة التي يصل فيها يزيد بكل ما هو عليه من طغيان وفسق وفجور وَاستهتار بالإسْــلَام ونبي الإسْــلَام وقيم الإسْــلَام، إلى سدة الحكم ليكون خليفة للمسلمين وحاكمهم والمتحكم فيهم، بما يترتب على ذلك من طمس لمعالم الإسْــلَام كما قال الإمام الحسين عليه السلام قال "وعلى الإسْــلَام السلام إذا قد بليت الأُمَّة براعٍ مثل يزيد"، فتحرك الحسين عليه السلام ونهض نهضتَه التى امتدت بآثارها المباركة في أجيال الأُمَّة حرية وعزاً وإباءً وحفظت للإسْــلَام خلوده وللحق بقاءه وللهدى امتداده وأرسى دعائم الإسْــلَام المحمدي القرآني الأصيل الذي لا يقبل بالإذعان والاستسلام للطغاة والجائرين والمستكبرين، وقال عليه السلام عن حركته ونهضته تلك "ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"، والحسين عليه السلام بموقعه في المسئولية وريث للهدى وقرين للقرآن وبمقامه الإيماني العظيم لم يكن أبداً ليقبل بأن يفرغ الإسْــلَام من مبادئه وقيمه وتحرف مفاهيمه وتضام الأُمَّة وتُذل وتُستعبد وتتحول ساحة المسلمين إلى ساحة لا وجود فيها للحق، أي إسْــلَام هذا الذي يكون واقع أبنائه وَالمنتمين إليه واقعاً مفرغاً من الحق يسود فيها الباطل بكل امتداده في الحياة من ظلم وفساد؟؛ لأن خلو الميدان من التحرك بالحق لمواجهة الباطل معناه أن تتحول إلى ساحة للشر والأَشْرَار وتمتلئ بالظلم والظلال معناه ضياع للحق من واقع الحياة، ولهذا قال الامام الحسين عليه السلام "ألا ترون أن الحقَّ لا يُعمَلُ به والباطلَ لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمنُ في لقاء الله محقاً فإني لا أرى الموتَ إلا سعادةً ولا الحياةَ مع الظالمين إلا بَرما"، معناه ضياع للإسْــلَام وضياع لكل الجهود التي قدّمها الأنبياء وقدمها خاتم الأنبياء رَسُــوْل الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهداية البشرية والسمو بالإنْـسَـان والسعي لتحقيق العدالة والخير وَالارتقاء بالحياة نحو السعادة في الدنيا والآخرة.
وبجهاد الحسين عليه السلام وتضحيته مع الخُلَّص وَالصفوة من صالح الأُمَّة القلة القليلة الوفية التي تحركت معه وبشهادته عليه السلام وبما قدمته في ملحمة عاشوراء بالقول وبالفعل خلّد للأمة مبادئ الإسْــلَام نقيةً وجسّد أخلاقَ الإسْــلَام وأحيى الشعورَ بالمسئولية والاستعداد العالي لتضحية والوعى الراسخ والعميق بخطورة الإذعان للذل والهوان، منادياً في الأُمَّة بمسئوليتها في مواجهة الجور والظلم وَالتصدي للظالمين والمستكبرين قائلاً "أيها الناس إن رَسُــوْلَ الله صلى الله عليه وعلى آله وَسلم قال مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحُرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رَسُــوْل الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله"، وحين واجه التحدي والطغيان وساوموه بين الذلة وَالهوان أَوْ القتل والشهادة قال عليه السلام بعزة الإيمان بمبادئ الإيمان بروحية الإيمان "لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرارَ العبيد"، وقال عليه السلام "ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة وبين الذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورَسُــوْلُه والمؤمنون ونفوسٌ أبية وأنوفٌ حمية تؤثر مصارعَ الكرام على طاعة اللئام"، وبذلك كانت نهضته عليه السلام بكل ما فيها مدرسة معطاءة غنية كُلّ الغنى بالروحية والقيَم والمبادئ والدورس والعبر التي تحتاج إليها الأُمَّة ويستفيد منها كُلّ الأَحْــرَار من البشر في مواجهة التحديات مهما كَبُرَت ومواجهة الطغاة والأَشْرَار والمستكبرين والجائرين مهما كانَ جبروتهم ومهما بلغت وحشيتهم وفضعت جرائمهم، وأمتنا اليوم تواجه نفس الطغيان اليزيدي بنفس وحشيته واستكباره وإجرامه وأهدافه في الاستعداء للناس وممارسة الإذلال والظلم وتدمير الحياة متمثلاً بأمريكا الشيطان الأكبر وَالكيان الإسرائيلي الغاصب منبع الشر وَالفساد وراعي الإجرام الممتد إلى شتى أقطار العالم، والمستهدف بالدرجة الأولى شعوب أمتنا الإسْــلَامية في المنطقة العربية وغيرها، مستفيداً من أياديه الإجرامية القذرة التي اخترق بها الأُمَّة من الداخل من قوى الخيانة والعمالة والارتهان التي خانت الإسْــلَام وخانت الأُمَّة وجعلت من نفسها بكل ما تملك جنوداً مجندة في خدمة أعْـدَاء الإسْــلَام وَالمسلمين وضد أبناء الأُمَّة وعلى رأسها النظام السعودي المجرم والتكفيريون المتوحشون الذين لا يألون جُهداً في خدمة أمريكا وَإسرائيل وما يقوم به النظام السعودي تحت قيادة أمريكا وبإدارتها وتوجيهها ورعايتها ولخدمتها من عدوان غاشم وأثيم إنما يخوض به ومن معه من العملاء والمرتزقة معركة أمريكا وإسرائيل على يمن الإيمان والحكمة ونفس الأُسْلُوب والممارسات الأمريكية والإسرائيلية المتجردة من كُلّ الأخلاق والقيم من قتل جماعي للأطفال وَالنساء ومن تدمير لكل مقومات الحياة، لا يرعى حُرمة من الحرمات، يقتل الأطفال الرضع والشيوخ الركع والأنعام الرتع والنساء وَالرجال، يحصار شعباً بأكمله، يتجاوز وينتهك تعاليم الإسْــلَام ويستهتر بها والمواثيق والقوانين الدولية، لا يختلف في وحشيته وإجرامه وعدوانيته عما تفعله إسرائيل وأمريكا ولا كأنه ينتمي للإسْــلَام، ويسعى بكل ما يستطيع ومَن معه من المرتزقة الذين اشتراهم بالمال وأرخصوا أنفسهم، بعض القوى من الخارج وَالبعض من الداخل، يسعى إلى احتلال البلد ليجعلَ منه ساحةً محتلة لأمريكا وَإسرائيل وَليجعل من الشعب اليمني الحر الأبي العزيز شعباً مستعبَداً لا استقلال له ولا إرَادَة له ولا قرار له ولا حرية له، ذليلاً مقهوراً مستسلماً خانعاً.
إن هذا العدوان الغاشم هو أمريكي، أمريكا من قررت وأمرت، أمريكي الإدارة أمريكي الفعل والتدبير بإشراف مباشر ومشاركة من أمريكا وتحالف مفضوح مكشوف مع إسرائيل.
كل ذرائع العدوان سقطت
وشعبنا اليمني العزيز وبعد أَكثَر من نصف عام منذ بداية هذا العدوان معني بأن يواصل معركته في الدفاع عن نفسه وعن حريته وعن استقلاله وعن أرضه وعرضه وعن قيمه ودينه، وقد تعرى المعتدون واتضحت حقيقة أهدافهم بعد سقوط كُلّ المبررات والذرائع الواهية التي جعلوا منها عناوين وشعارات لعدوانهم، فبات اليوم من الواضح أن هدفهم بكله هو احتلال البلاد واستعباد وإذلال الشعب اليمني العزيز، ونحن كشعب يمني مسلم ينتهي إلى قيم الإسْــلَام ومبادئ الإسلام التي تحرك بها الإمام الحسين عليه السلام ونادى بها في الأُمَّة وتمسك بها وَواجه بها الطغاة والمجرمين نقول بأعالي أصواتنا من أعماق قلوبنا وبكل إحساسنا ومشاعرِنا كما قال الإمام الحسين عليه السلام "هيهات منا الذلة" ونقول "لا والله لا نعطيهم بأيدينا إعطاء الذليل ولا نقر إقرار العبيد" وعلى خُطى الحسين عليه السلام في درب جده رَسُــوْل الله صلى الله عليه وعلى آله بتوكلنا على الله واعتمادنا عليه لن نتوانى أبداً في مواجهة أولئك الغُزاة المجرمين، لن نقبل بالهوان ولن نخنع ولن نخضع ولن نركع إلّا لله تعالى نعيش أعزاء أَوْ نلقى الله في ساحة القتال وَالشرف كرماء.
وبهذا الإيْمَان وبهذا العزم وبهذه الروح وبهذا الوعى فإن كُلّ الشرفاء والأَحْــرَار في بلدنا حاضرون ومستعدون للصمود وللتضحية مهما بلغ حجم التضحيات ومهما كان مستوى الطغيان؛ لأن المسألة ليست قابلة للمساومة، المسألة حرية أَوْ استعباد، عز أَوْ ذل، حق أَوْ باطل، شرف أَوْ هوان، أن تعيش إنْـسَـاناً أَوْ أن يجعلوا منك حماراً وحيواناً ممتهناً، ولذلك فإنه مهما طال أمَدُ العدوان ومهما كان حجمُ التطورات لن يوهن ذلك من عزمنا ولا من ثباتنا ولا يكسر إرَادَة شعبنا؛ لأنه صمودٌ وثبات وعزم مستمد من التوكل على الله والثقة بالله والاعتماد على الله تعالى ومن القيم الراسخة قيم الحرية والعزة والإباء ومن الوعى بالأهداف الشيطانية لهذا العدوان الأمريكي السعودي الإسرائيلي.
الصمود خيّب آمال الأعداء
وأقول لشعبنا العزيز: أنت بتوفيق الله تعالى وبعونه تمكنت من الصمود لأَكثَر من نصف عام بالرغم من حجم الإجرام وتكالب المعتدين وما مارسوه بحقك من القتل والدمار والإجرام، وأنت باعتمادك على الله تعالى وبوعيك وحريتك وعزتك وإبائك وشموخ قادرٌ ليس فقط على الصمود وإنما على هزيمة ودحر الغزاة المعتدين وتحرير كُلّ شبر من أرضك قد احتلوه وكسْر أطماعهم بكلها، ولم يكن هذا الصمود عديمَ الجدوى، كان صموداً مجدياً وفاعلاً ومؤثراً خيّب آمالَ الأعْـدَاء إلى حد كبير، كسر أطماعهم إلى حد كبير، كبَّدهم الكثير والكثير من الخسائر على مستوى المال، المليارات الكثيرة التي قد خسروها، على مستوى الإمكانات طائرات أسقطت والمئات من العربات والآليات العسكرية دُمّرت، بارجات أيضاً حربية دُمّرت، عدد كبير من الجنود وَالمرتزقة قُتلوا والبعض منهم أسروا، وأنت يا شعبنا العزيز أنت بالله الأعلى والأقوى "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، وبيدك الخيارات الفاعلة وَالمؤثرة في الميدان.
نداء لكل أحرار اليمن
وأوجه النداء لكل الأَحْــرَار والشرفاء في هذا الشعب أن يرفدوا الخيارات الاستراتيجية الفاعلة التي بدأت بتقدُّم أبطال الجيش واللجان الشعبية في محاور القتال في جيزان ونجران وعسير وكبّدت المعتدين خسائرَ فادحة قتلاً وأسراً وتدميراً لمعداتهم الحربية، وبرفد الجبهات الداخلية لصد المحتلين ومواجهة المرتزقة الذين أرخصوا أنفسهم وباعوها وباعوا شعبهم وبلدهم وخانوا أمتهم، وللأسف الشديد وصلت بهم الدناءة والانحطاط والخيانة أنهم الآن يقومون بخطف البعض من أبناء الشعب اليمني وبيعهم للنظام السعودي ليكونوا أسرى لديه بعدَما افتضح في ضعفه ووهن جيشه، فجيشُه يُقتل وَالبعض منهم يُؤسر..
ولا يفوتنا اليوم أن نشيدَ بما يقوم به الجيش وعلى رأسه القوة الصاروخية من توجيه ضربات مدمرة وقوية بصواريخ سكود وغيرها للقواعد العسكرية وللبارجات الحربية، مؤملين منه الاستمرار بفاعلية.
وفي هذا اليوم في ذكرى ملحمة عاشوراء يوم العز والتضحية وَالصبر يوم الثبات وَالوفاء يوم مقارعة الطغيان وَالاستكبار نؤكد ما يلي أولاً: مهما بلغت معاناتنا كشعب يمني ومهما كان حجم العدوان لن ننسى ما يحدث في فلسطين من تهديد للمسجد الأقصى والمقدسات ومن احتلال للأرض ومن اضطهاد وظلم وتعذيب للشعب الفلسطيني العزيز، ونؤكد تضامنَنا ووقوفنا إلى جانب الشعب الفلسيطني، بل إننا نرى المعركة واحدة والقضية واحدة.
ثانياً: مهما بلغ حجمُ العدوان فإن شعبنا اليمني مستمرٌّ في التصدي للغزاة والمحتلين ولن يقبل مهما بلغت التضحيات بالإذلال والاستعباد ومصادَرة حريته واستقلاله ودينه وأرضه وانتهاك كرامته.
ونصيحتي للمعتدين أن يأخذوا الدروسَ والعِبَر مما قد حصل وأن يعرفوا أنهم إنما يغرقون أَكثَر وأَكثَر في مستنقع الهلاك والخسائر فليُعيدوا مراجَعَة حساباتهم.
ثالثاً: كما في كُلّ المناسبات نؤكد على أهمية وضرورة التعاون والتفاهم بين كُلّ المكونات والقوى في البلاد، هم غاروا على البلد بكله، وواهمٌ وغبي من يتصور أن المعركةَ لا تعنيه أَوْ أنه غيرُ مستهدَف بهذا العدوان الأمريكي الإسرائيلي السعودي، والله إن كُلّ يمني ويمنية مستهدَف حتى في حريته واستقلال بلده، وإذا كان الاستهداف حتى في الحرية وَالاستقلال أليس استهدافاً للجميع؟، حتى المرتزقة الذين رضوا لأنفسهم بيعَ الحرية وأن يكونوا عبيداً مأمورين عبيداً لعبيد أمريكا.
رابعاً: أؤكد من جديد على أهمية الدور الذي يقومُ به كُلّ الأَحْــرَار والشرفاء من علماءَ ومثقفين ووجاهات اجتماعية وَإعلاميين في التعبئة المعنوية ومواجَهة الحرب التضليلية الإعلامية وأبواق الخيانة وَالإرجاف، ونحث على الاستمرار على ذلك بفاعلية أكبر ونشاط أَكثَر، كما نشيد من جديد بالدور المتميز للقبائل اليمنية.
ونسألُ اللهَ تعالى أن يرحَمَ شهداءنا الأَبْــرَارَ وأن يشفيَ جرحانا وينصُرَ شعبنا ويخيّبَ آمالَ المعتدين.
والسلامُ عَليكم ورحمةُ الله وبركاتُهُ.
- قرأت 2437 مرة
- Send by email