وصفة أمريكية لاحتواء الجيل الجديد من حكام الخليج واستغلال اندفاعهم ( ترجمة )

          بعد عقودٍ من حكم شيوخ تتجاوز أعمارهم الثمانين لمقاليد الأمور في دول الخليج، يبدو أن المشهد يتغيّر سريعًا. يرصد جيفري مارتيني، في تقريره التحليلي بـ “فورين أفيرز” صعود الأجيال الجديدة إلى المناصب القيادية في الخليج، وما سيترتب على ذلك من تغيّرات وإصلاحات سياسية  واقتصادية.

 

أعمارٌ صغيرة

 

في العاشر من فبراير، أعلن الشيخ محمد بن راشد عن حكومة الإمارات الجديدة. ربّما تتصوّر أنّه عيّن مجموعة من الشيوخ في أرذل العمر، لكن التشكيل الوزاري شهِد 8 وزراء بمتوسط عمر أربعين عامًا، أصغرهم وزير الشباب الذي يبغ من العمر 22 عامًا. سبقه الشيخ تميم بن حمد الثاني، أمير قطر البالغ من العمر 35 عامًا، حين اختار محمد بن عبد الرحمن الثاني – 35 عامًا – لوزارة الخارجية القطرية. ومع اتساع الفجوة العمرية بين الحكّام وأولياء العهد -عشرون عامًا تفصل حكام البحرين والسعودية عن أولياء عهدهم- سيصبح المشهد أكثر شبابية عندما يحين ميعاد انتقال السلطة إليهم.

 

هؤلاء الشباب يعتنقون رؤى جديدة للسياسات الإقليمية والدولية. عاشوا في إقليم حكمهم أكثر من أسلافهم، وعاصروا غزو الكويت وحرب الخليج، وتلقى أغلبهم تعليمه في الولايات المتحدة، بدلًا من القاهرة وباريس ولندن.

 

لكن هل الشباب المقترن بالخبرة سيعني بالضرورة تغييرًا جذريًا، وإصلاحات سياسية موسّعة؟

 

قيود العائلة الحاكمة ومخاوف الربيع

 

يرى جيفري أن طبيعة النظم الحاكمة في دول الخليج تضع الكثير من الضغط على القادة الشباب، فهي تخلق جوًا معاديًا للإصلاح السياسي، ببساطة لأن الحاكم يخشى منافسيه بقدر ما يخشى شعبه. وبالتالي فإن اتجاهه للإصلاح السياسي سيتوقّف على قدرته فعل هذا بأقل قدر ممكن من انتزاع القوة من يد أفراد العائلة الحاكمة، وإلا فهو مهدّد بأن يُقصى عن منصبه. مِثالٌ على ذلك هو ولي عهد البحرين، سلمان بن حمد بن عيسى الخليفة، الذي حاول إجراء بعض الإصلاحات السياسية بعد القلاقل التي شهدتها البحرين في 2011، فارتدّت عليه ضربات العائلة الحاكمة بعنف.

 

صحيحٌ أنّهم سيتجهون إلى تعيين وزراء صغيري السن نسبيًا، ولكن أولويتهم الأولى هي تأمين قوّتهم أولًا قبل وضع القوة في يد الآخرين. كثيرٌ من دول الخليج لديهم كفاءات تنتظر على دكة الاحتياطي، ويتطلّب الأمر وقتًا لترقيتهم إلى المناصب العليا. عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي الجديد، أمضى 10 أعوام كاملة سفيرًا للمملكة في الولايات المتّحدة قبل أن يتولى منصبه.

 

سببٌ آخر طبقًا لتقرير “فورين أفيرز”، يحجز القادة الشباب عن الميل إلى الإصلاح الديموقراطي. لقد عايش هؤلاء تجارب تحوّل ديمقراطي انتهت بالفشل الذريع، بدايةً من حرب العراق وانتهاءً بالربيع العربي. على عكس المتوقّع، فإن الأجيال القديمة على استعداد أكثر لقبول التحوّل الديمقراطي لأنهم شهدوا عدة تجارب ناجحة في زمنهم، مثل سقوط جدار برلين. يُظهر استطلاع رأي في السعودية هذا بوضوح، حيثُ دعَم الكِبار الديمقراطية بينما عارضتها أغلبية الفئة العمرية من 26 إلى 35 سنة.

مواكبة العصر

من المتوقّع، على كل حال، أن الجيل الجديد من الحكم سيسعى لتوفير الخدمات العامّة بشكلٍ أفضل من سابقه، وتحسين الإدارة، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية تضمن رخاء دول التعاون الخليجي. تشهد دول الخليج حاليًا تقدمًا في مجالات تكنولوجيا المعلومات ومبادرات الحكومة الإلكترونية، وتدعم عمالتها المحلية. تسير الإمارات والسعودية في هذه المجالات بنجاح نسبي.

أيضًا فإن قادة الخليج الشباب يتركون بصمتهم في مجال الدفاع. الإمارات -أو سبارتا الصغيرة كما يسميها الجيش الأمريكي- هي أبرز دول الخليج في هذا المجال.

يسعى القادة إلى بناء جيوشهم بالإنفاق على تطوير القوات الخاصة، وتفادي الاعتماد الزائد على الولايات المتحدة عن طريق إضافة المزيد من بروتوكولات التعاون العسكري. يظهر الإصرار الخليجي على تطوير قدراتها العسكرية بوضوح في تبني الإمارات وقطر لنظام التجنيد الإجباري مؤخرًا.

الخليج الجديد والعلاقات الأمريكية

مع التغيّر الكبير في الحكومات الخليجية، فإن الولايات المتحدة يجب أن تتوقف عن اختزال علاقتها بالخليج في النمط المعتاد: النظر إليهم كمجموعة من الشيوخ الذين يبتاعون السلاح من الولايات المتحدة السلاح في مقابل المساهمة في محاربة الإرهاب. إن حكّام الخليج أرباب الثمانين عامًا راحلون، والحكومات الجديدة تخطّط للاستثمار في تطوير القطاع العام والخاص ومبادرات الإبداع، وسيوفّر أمام واشنطن المزيد من الفرص للتعاون مع القوى الإقليمية لتساعدها في بناء قوّتها وشحذ ثقتها، وتقوية علاقتها بالولايات المتحدة.

سيتوجّب على الولايات المتحّدة أن تخاطب قوى المنطقة الصاعدة بقدر من الصراحة المباشرة، كما طلب ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان في لقاءٍ معه:

”إن ما أطلبه هو أن تقولوا ما تؤمنون به حقًا”.

ليس الحل دائمًا هو المزيد من السلاح، والمزيد من الحروب. لا تحدث مثل هذه التحوّلات الإقليمية كثيرًا، وسيكون من المؤسف ألا تستغلها الولايات المتحّدة.