عن تجربة الاعتقال عام 1988م،وقصة "المعلم"
في العام الدراسي 1987م-1988م،ذهبت للتدريس الإلزامي ،بعد أن أنهيت دراسة ثالث ثانوي...وقتها كنت اتصور قدس واحة للاشتراكية العربية ،فمنها جاء "عيسى محمد سيف"ذلك القائد الشاب ،الذي يصفه سلطان الشيباني ،وهو من الاتحاد الشعبي ،الذي أسسه باذيب بأنه مثقف نادر في وقته ،لكنهم كانوا ياخذون عليه ارتباطه بالمصريين ،ويصفه عبد الحميد الشعبي ،في صحيفة النداء بأنه انساني ،وأخبرهم أن المصريين سيعتقلونهم ،ففرعبد الحميد الشعبي ،ونجا من الاعتقال ،ويؤكد الشعبي ارتباط عيسى بالمصريين ،وغيره من كوادر باذيب،وينسون أن علاقة عيسى بالمصريين لم تكن علاقة استخبارية ،والاّما ساعدهم على الهرب ،لكن وحدة المشروع العروبي هو الذي جمع القيادة العربية بعيسى ...
كنت في قدس إثناء مرحلة التدريس الإلزامي أتصرف بحرية فكرية ،كنت افتقدها في مدينة تعز ،فوقتها كان قراءة كتاب إيديولوجي يعد جريمة !
في المدرسة كنت مربيا للصف الأول الابتدائي ،وقد جعلت الحصة السادسة من كل يوم ،حصة للأغاني والرقص ،والمواهب ،أتذكر أنني كنت اغني مع الأطفال بنات وبنين ،أغنية لجورج وسوف ،ونلحن شعار الناصريين "حرية ،اشتراكية ،وحدة "ونردد بشكل جماعي اغنية لفنانة ليبية بعض كلماتها تقول "الحرية ...عليها نعيش عليها نموت" وأشرف على النشاط الثقافي للفرقة الكشفية ،وأشارك بتدريب الفريق الرياضي ،إلى جوار مدرب من السودان ،وقتها حقق فريق مدرسة ناصر بطولات على جل مدارس قدس ...المهم أن العام الدراسي انتهى ،لأعود في أول يوم من رمضان إلى مدينتي تعز ،بشغف من أدمن على مشاهدة الإسفلت ،وضجيج المدينة ،وأنساقها المختلفة نوعا ما ...,في نجد قسيم كان مخبرا من الأمن الوطني يفتش شنتطي ،ووجد فيها مجموعة كتب منها "تاريخ الفلسفة "و"الكتاب الأخضر "وشرح الكتاب الأخضر "واعتبرها دليل تلبس بجرم ،علما أن كتاب "تاريخ الفلسفة "كان مقررا في جامعة صنعاء،على طلاب التربية والآداب،وكل كتب مركز الكتاب الأخضر تباع وتشارك في معرض صنعاء الدولي ،الذي كان يقام وقتها في جامعة صنعاء،مما جعلني أرجح أن سبب الاعتقال هو نشاطي داخل مدرسة ناصر ...أخذني المخبر إلى جهاز "الأمن الوطني "الذي يقع فوق المستشفى الجمهوري ،وهناك وضعني في سجن يقع مقابلا للفرن ،الذي يضعون فيه المعتقليين السياسيين ،أدخلوني غرفة صغيرة ،مليئة بالمعتقليين ،وكان من بينهم قاتل من ماوية ،قام بقتل "المعلم"صاحب التجربة التعاونية بماوية،والذي كان نشاطه في السبعينات قد أضعف سطوة المشايخ هناك ،وتذكرت بعد ذلك أنني كنت التقي ب"المعلم"وأناصغير في السبعينات ،عند معرض خالي "اسماعيل عبد نعمان "وأنه إلى جوار نشاطه التعاوني ،كان من مؤسسي جمعية صغار التجار ،مع خالي "إسماعيل "...القاتل على المستوى الإنساني لم يكن شريرا ،لكنه كان مجرد أجير ،وأداة استخدمها مشايخ ماوية للانتقام من شخص ،كان عنوان مرحلة بكل زخمها واندفاعها وايمانها بالانسان المنتج ...لقد كان القاتل يحظى باهتمام ورعاية مشايخ ماوية ،وفي مقدمتهم بيت البحر ،سواء من حيث الطعام ،أو الملابس ،أو الزيارات أو المصروف !ففي يوم العيد جاؤا له بملابس ومشدة سلاطينية ...لقد كان هذا القاتل الأجير حين ينام يرعبني من شدة اصطكاك اسنانه ليلا،وفزعه من النوم من شدة الكوابيس ،مما جعلني انام وأنا في حالة خوف من امكانية أذيته لي !
لقد كان قتله للمعلم ضمن تصفية مرحلةالرئيس "اإبراهيم محمد الحمدي"،فالحمدي لم تكن تصفيته باغتياله فقط ،وإنما بالتخلص من كل ما يرتبط بمشروع التحديث وروح البناء التعاوني والتنموي!والمعلم كان واحدا ممن ارتبطوا بتجربة التعاونيات ،في التعليم والطريق والصحة ،وبجمعية صغار التجار ،لقد ارتبط اسم المعلم بأحلام الفلاحيين ،وصغار التجار ،في بناء دولة تنموية ،وفي تقليص نفوذ المشايخ ...كان بيت البحر ،من اهم بيوت المشايخ الذين اهتموابرعاية هذا القاتل الأجير ،حين كان في السجن ،...يبدو أن قصة المعلم والشروخات النفسية التي تركها الاعتقال في ذهني ،بعد الخروج من السجن ،هي أهم تجربة خرجت بها من هذا الاعتقال ...في المساء كان يتم أخذي للتحقيق معي ،كان المحقق واسمه-ربما- "عبد القوي "وضابط آخر اسمه "أحمد جياش "كان تحقيقهم بعيدا عن الكتابين الذين وجدوهما معي ،وبعد مرور شهر رمضان ،وتحديدا ثاني العيد ،تم إطلاق سراحي ،بضمانة عاقل الحارة "عبد الله محمد سيف "وهو قريب من الاخوان المسلمين ،وبأخذ التزام خطي مني بعدم ممارسة السياسة ،وبأخذ صور فتوغرافية لي ،عند المصورالعبسي ،الذي يقع في حارة المستشفى الجمهوري –عدت بعدها إلى البيت ،لأحتضن أمي التي لم تكل عن مداومة المجيء إلى جوار مبنى الأمن الوطني ،لتأتي لي بالطعام ،ولتسأل الجنود عن حالي ،وهو حالها أيضا حين داومت على زيارة مبنى الأمن السياسي ،لتأتي لي بالبطانية والفراش ،الذين احتجزهما السعيدي عنده لأكثر من عشرة أيام ،في 9-10 ديسمبر 1992م...
ويبقى السؤال الذي أوجهه للعميد علي السعيدي ،كونه آنذاك، كان نائبا لمدير الأمن الوطني ،وكونه انظم إلى الثورة بعد جمعة الكرامة :من هم قتلة المعلم الحقيقيين ،وفقا لتحقيقاتكم مع القاتل الأجير ؟
- قرأت 555 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ