"نقطة قوّة" فهل نحسن استثمارها ؟!

عاش اليمنيون بمختلف فئاتهم، وشرائحهم المجتمعية خلال المرحلة الماضية من عمر الثورة اليمنية المجيدة ظروفا صعبة، وأوضاعا مزرية انعكست على واقعهم الوجودي، والمعيشي فتدهورت الحالة الاقتصادية لعامة الناس، وكثرة حالات القتل، والسحل، والإبادات الجماعية، وتفاقمت المشاكل الأسرية، واتسعت الشروخ المجتمعية- المجتمعية ،وبرزت النعرات المناطقية، والطائفية كأحد اهم وسائل تغذية الصراعات الاجنبية- الأجنبية في الداخل اليمني وسادت حالة الفوضى، وعم الخراب، والدمار كل منطقة وقرية يمنية "شمالية و جنوبية" ، "وسطى و شرقية""ساحلية وصحراوية وجبلية" فالعدوان البربري الهمجي لم يترك أي وسيلة قذرة الا واستخدمها، ولم يستثني أي منطقة يمنية من عبثه وغطرسته وظلمه.
كل تلك الممارسات القبيحة بحق شعب منكوب تآلبت عليه قوى الشر من كل احداب الدنيا تحولت في لحظة وقوف مع الذات اليمنية الأصيلة الى (نفحة) روحية عجيبة، ومشاعر وجدانية طبييعة انتجتها مظلومية حقيقية جثمت في أكنّة الصدور اليمانية النقية تلك الصدور التي كان لجينات اجدادها الوراثية موقفا صلبا في تغيير دفّة التاريخ، وتحريك عجلته بعكس مايشتهيه الغزاة وأربابهم المخدوعين حين تحولت الى كتل صمّاء امام المؤامرات الكونية واستطاعت بمهنية واحتراف عالي وخبرة جينية فريدة تكرار مشاهد التاريخ بصورة مذهلة وعجيبة ولتبقى تلك النفحة الالهية الخالدة جاثمة في خلجات الصدور، ربما لاستخدامها مستقبلاً في عملية النهوض والبناء بشكل أوسع من ذي قبل .
لم يكن اليمنيين ينوون الحرب، ولاصفة التعدي من خصالهم، وقيمهم العربية الأصيلة فهم عاشو خلال اكثر من عشرة الف عام من الزمن في بيئة سادها الاحترام، والتعايش، وحسن الجوار، واشتهروا بتسامحهم، وكرمهم، واحترام صداقاتهم وحافظو عليها في اكثر من مرحلة، ومحفل والى قبيل انطلاق العدوان السافر كان الجميع بالنسبة لهم أصدقاء، وأخوة، وجيران، وابناء عم ولكن يبدو بأن اهواء القتلة وذنوبهم ، وشهية السفّاحين وميولاتهم الانتقامية الحاقدة قد جعلت اليمنيين يعيدو النظر في تلك الخصال الحميدة باتجاههم هم شخصيا فتجسدت لدى عامّة اليمنيين قضيّة حقيقية انبثقت من مظلمة واقعية معاصرة فأصبح كل يمني يعيش لتلك القضية ويناضل من اجلها،ويبذل الغالي والرخيص لاستقامتها وتجسيدها ومن المؤكد بانه سيتفانى في سبيلها الى مالا نهاية،
تماهت الهوية اليمنية لدى العديد من النخب والجماعات والمنظمات والأحزاب اليمنية المتعددة خلال العقود الماضية، وضاعت من أوساط شرائح مجتمعية مهمة ومع اتساع ظاهرة العولمة وتنوع أساليب الغزو الناعمة اصبحت في سلاّت المهملات والنسيان بيد ان الحرب الكونية الأخيرة وبالرغم من حقارتها وصلفها وهمجيتها فقد أسهمت بشكل كبير في التئام اللحمة اليمنية-اليمنية وأعادت المياه الى مجاريها الطبيعية "وان بنسبة لأبأس بها" وبالتالي: حتى لو لم يكن من ايجابياتها الغشومة انها ساعدت اليمنيين لأن يعرفو (عن كثب) من هم؟ ومن اعدائهم ؟ لكفى .!
تلك الحالة الروحية الفريدة التي جسّدتها آلة الفتك الأمريكية في شرايين كل يمني كفيلة بأن تجعل من الشعب اليمني العظيم - المظلوم يسابق الريح، ويقهر الصعاب، ويتحدى المستحيل بحثا عن موجبات النصر الحتمي وعوامل البقاء الدائم فالقضية باتت متجذّرة وحالة العداء أصبحت ظاهرة ومستفحلة والأمور لم تعد كما كانت في سابق عهدها حيث "الخمول" و"التيه" و"البلاهة"فالمجازر المروعة بحق الأطفال والنساء جعلت أعين اليمنيين تُتفتّح بشكل واسع، وأجفان النخبة المعنية لا تذق طعم النوم بينما أصبحت حواسنا وكل جوارحنا مهيأة للانطلاقة القصوي تلك الانطلاقة التي لاتعرف معنى التعب ولاتجد مكامن النفس فيها سبيلا للارهاق والتذمر، فمالذي تريده الشعوب الحُرّة أكثر من قضية واضحة المعالم لتجعلها تشمّر وتسابق الامم في صناعة امجادها ؟ لاشي .!
معظم الشعوب التي ظلمت وقُهرت خلال القرون الماضية بقت لديها نفس الحالة التي يعيشها اليوم كل يمني حُر يأبى الإذلال والخنوع والاستعباد ويهمّه في المقام الأول مستقبل بلده وشعبه بعد ان شاهد ورأى بأم عينه ما يجري من قتل، وقهر طال مختلف اليمنيين بمختلف انتماءاتهم، وتوجهاتهم، ومناطقهم حيث لا يوجد بيت يمني تقريبا عاش بمنأى عن الأحداث ولاتوجد اسرة يمنية الا ولديها شهيد قدم روحه في سبيل ان يعيش من تبقى من الأحياء بكرامة ومجد، فهل سيخيب الأحياء ظنون شهدائهم ويدفنو آمالهم وطموحاتهم، هكذا ببساطة ؟ بالتأكيد لن يفعلو، وان فعلو فقد كتبو على أنفسهم الفناء من حيث لايشعرون .!
الشعب الياباني العظيم ظُلم وأبيد عن بكرة أبيه لكنه سرعان ماخرج من معركته التاريخية المجحفة متعافياً حين حاول تضميد جراحه حيث بدأت السلطات اليابانية بارسال البعثات التعليمية الى مختلف دول العالم للدراسة والتعليم ، وفعلا نجحت بجداره وأصبح الشعب المضطهد يقهر أعدائه في المجال الاقتصادي وهو منكوب ولا يمتلك مقومات النهوض الاقتصادي نظرا لندرة موارده، وقلّة امكانياتة، وصعوبة الاستثمار في اراضيه فمساحة شاسعة من الأرض اليابانية هي في الاساس أرض بركانية لاتصلح للزراعة والاستثمار وليس فيها ثروات طبيعية كما هو الحال في اليمن والمنطقة العربية عموما بيد ان القضية والمظلومية جعلت الرجال يزعون على شرفات المنازل وفي قوارب الصيد .
انها تجربة ناجحة بكل المقاييس كان الدافع ورائها نفحة الظلم والكبت الذي عاشه اليابانيين حين دفعو ثمن حريتهم اكثر من نصف مليون نسمة بضربتين امريكيتين نوويتين سحقت مُدنهم وناثرت منازلهم حيث بقيت آثارها ممتده ومشاهده في الأجيال اللاحقه لكنها كانت نفحة في وجهتها الصحيحة استطاعت السلطات اليابانية المعنية ان تجذّر مفهوم العداء لدى ابنائها فكان الطالب الياباني يذهب للدراسة في الخارج وهو يعرف جيدا من هو، ومن هم اعدائه، وبالرغم من انهم لم يحصلو على حريتهم حتى اللحظة بالشكل الكافي لكنهم حافظو على هويتهم وأصالتهم فكانت تلك أحد أهم وابرز العوامل التي ساعدتهم على النهوض والتقدم والقفز الى مراتب اقتصادية متقدمة وبالمثل عاش اليمنيين مظلومية حقيقية لم يسبق لشعوب العالم ان عاشتها خلال القرن الحادي والعشرين حيث عشرات المجازر الجماعية واطنان من المتفجرات النيترونية والفراغية وسيول جرارة من الدماء البريئة والطاهرة التي سفكت دون وجه حق، بل دون معرفة السبب الكامن وراء ذلك، فيما تظل شرايين الأحياء تنبض بالعزيمة والاصرار وقد اُعيدت لها بعضا من هويتها الغائبة وكرامتها المسلوبة وانطلقت بهمّة أكبر وصمود اعظم باحثة عن مكامن القوّة وعوامل الانتصار وكأن لسان حالها يقول: سننتصر رغماً عن النصر ذاته .
لامظلومية تضاهي مظومية الشعب اليمني ولا قضية حيّة يمكنها ان تقارن بقضية اليمنيين او ان تصل الى معشار اخماس ما حلّ بهم طوال الاعوام الماضية ولكن: بالمقابل لابواكي علينا ومالم نتحرك جميعاً ككتل من الحديد الصلب لدفع أي خطر قادم ثم نتكاتف لبناء وطننا فسنتعب كثيرا وربما اكثر من التعب الذي عشناه ولامسناه خلال مرحلة العدوان وماقبله، لان الشعوب القوية هي تلك التي تنتشل مجدها من تحت ركام الأنقاض ولاتنتظر مد يد العون من الآخرين كما ان الشعوب المتقدمة لم تبنيها العاطفة الجيّاشة ولا الصراخ او الأنين العقيم انما كانت العاطفة دافعا لذلك فحسب .!
المرحلة النهائية باتت قريبة جدا ومن الضروري الدعوة الى الاهتمام بجانب التاهيل العلمي واعطائه الأولوية واستثمار حالة السخط القائمة لاعداد اجيال بمستوى التحدي والمواجهة فالمرحلة مواتية والظروف مهيأة وعلى السلطات المعنية مواصلة التحرك ، ومن الله التأييد والتوفيق والسداد .
- قرأت 487 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ