اليمن ـ نقص العدالة يخيم على ذكرى بداية الفترة الانتقالية
مخاطر الإفلات من العقاب على الجرائم الحالية والسابقة ماثلة بعد عام من عمر الحكومة الجديدة
قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على الحكومة الانتقالية في اليمن أن تتخذ خطوات عاجلة لضمان تحقق العدالة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة أثناء انتفاضة عام 2011، ومنذ تنصيب الرئيس عبد ربه منصور هادي قبل عام. ويجب على السلطات، ضمن هذه الجهود، أن تجري على الفور تحقيقا في مقتل ما لا يقل عن أربعة متظاهرين في مصادمات مع قوات أمن الدولة في عدن في 20 و21 فبراير/شباط 2013.
تتسم التحقيقات المحايدة، وإنصاف الضحايا، وغربلة قوات أمن الدولة المتورطة في جرائم سابقة، بأهمية حاسمة لضمان نجاح الحكومة الانتقالية في القطيعة مع الإفلات من العقاب الذي اتسم به عهد الرئيس السابق على عبد الله صالح والذي امتد لـ33 عاماً.
اتخذ الرئيس هادي، الذي تولى منصبه في 25 فبراير/شباط 2012، بعض الخطوات في اتجاه انتزاع قوات الأمن من قبضة أقارب صالح، والتعامل مع مظالم سكان الجنوب في اليمن. كما أمر بإنهاء أية استعانة بالجنود الأطفال. إلا أن هيومن رايتس ووتش قد أعربت عن قلقها من بطء إيقاع الإصلاح بصفة عامة، بما فيه إخفاق الرئيس في تعيين أعضاء لجنة كان قد أعلن عنها في سبتمبر/أيلول 2012 للتحقيق في جرائم حقوق الإنسان المرتكبة أثناء الانتفاضة.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "رغم بعض التحسنات الملحوظة في اليمن إلا أنه كانت هناك انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان، وقد تمكنت المصالح المتجذرة لكافة الأطراف من إحباط جهود معاقبة المسؤولين. يجب على الرئيس هادي التشدد مع منتهكي الحقوق وتوطيد أركان سيادة القانون".
انتهت هيومن رايتس ووتش في 15 فبراير/شباط 2013 من زيارة لليمن دامت أسبوعين وشملت لقاءات مع العديد من المسؤولين الحكوميين والأمنيين وزعماء الأحزاب وأعضاء المجتمع المدني من مختلف الأطياف السياسية.
وقد اكتشفت هيومن رايتس ووتش أدلة ذات مصداقية على انتهاكات جديدة تشمل اعتداءات نفذتها قوات الحكومة وقوات غير خاضعة لسيطرة الدولة على حد سواء، وطالت وسائل الإعلام والمتظاهرين الذين كانوا سلميين إلى حد بعيد. قالت هيومن رايتس ووتش إن على المسؤولين الحكوميين وكذلك الشيوخ ذوي النفوذ وزعماء المعارضة أن يعتمدوا سياسة عدم التسامح مع مثل هذه الاعتداءات.
قال شهود لـ هيومن ريتس ووتش إنه في يومي 20 و 21 فبراير/شباط، في عدن، فتحت قوات الأمن المركزي النار على المحتجين الجنوبيين، الذين كان البعض منهم مسلحين بالحجارة والأسلحة نارية. كان المحتجون يحاولون تعطيل احتفالات أعضاء حزب الإصلاح ذي التوجه الإسلامي، بذكرى الانتفاضة، بسبب انتخاب هادي رئيسا عبر انتخابات في 21 فبراير/شباط 2012، كان هو المرشح الوحيد فيها.
قتل في هذه العملية ما لا يقل عن أربعة محتجين وأصيب 15 آخرين على الأقل بالرصاص، حسب ما ذكره نشطاء حقوق الإنسان في المنطقة. قال بعض النشطاء وأحد المسعفين لـ هيومن رايتس ووتش إن عدد القتلى يمكن أن يصل إلى 14 فضلا عن سقوط نحو 47 جريحا. كما احتجزت قوات الأمن اثنين على الأقل من قادة الحراك الجنوبي هما قاسم عسكر وحسين بن شعيب.
وقال مسؤولون بالحكومة اليمنية إن ستة من عناصر قوات الأمن المركزي جرحوا في المصادمات. وفي 22 فبراير/شباط، هاجم مسلحون مؤيدون لانفصال الجنوب نقطة تفتيش للجيش في عدن، فقتلوا جنديا وأصابوا ثلاثة جنود آخرين، وفقا لما أوردته وكالة أنباء شينخوا.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات اليمنية التحقيق في تلك الأحداث. كما يجب عليها أن تحقق في الأحداث السابقة في عدن التي أسفرت عن سقوط قتلى ومصابين بجروح بليغة، بما في ذلك مقتل محتجين اثنين على يد قوات الأمن المركزي في 11 فبراير/شباط.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على مسؤولي إنفاذ القانون الالتزام بالمعايير الشرطية الدولية عندما يشرعون في أداء واجباتهم. يجب أن يكون استخدام الأسلحة النارية مقصورا فقط على الرد على تهديد وشيك بسقوط قتلى أو إصابات خطيرة، أو منع وقوع جريمة خطيرة بما يتضمن تهديدا جسيما للأرواح أو لتوقيف شخص يمثل تهديدا خطيرا ويقاوم السلطات، أو لمنعه/ها من الهروب. ويكون هذا فقط عندما تكون الوسائل الأقل شدة غير كافية لتحقيق تلك الأهداف.
يسمح بالاستخدام المميت عن قصد للأسلحة النارية فقط عندما لا يكون هناك مفر تماما من اللجوء إليه لحماية الأرواح. ومتى يصبح من غير الممكن تفادي الاستخدام القانوني للقوة والأسلحة النارية، فإنه على مسؤولي إنفاذ القانون في تلك الحالة أن يمارسوا ضبط النفس ويتصرفوا بشكل متناسب مع خطورة المخالفة والهدف المشروع الذي يسعون لتحقيقه.
في لقاءات مع مسؤولي الحكومة اليمنية، شددت هيومن رايتس ووتش على أن المحاسبة على الجرائم السابقة هي مكون ضروري من مكونات الإصلاح السياسي والعسكري.
العدالة الانتقالية المعطلة
دعت هيومن رايتس ووتش الرئيس هادي إلى استخدام سلطاته التنفيذية لإصلاح وإنفاذ قانون العدالة الانتقالية الذي طال تأجيله، والذي من شأنه أن ينشئ سجلاً تاريخياً لجرائم حقوق الإنسان الخطيرة السابقة، وأن ينصف ضحايا تلك الانتهاكات. تعطل القانون في البرلمان بسبب الخلاف المرير على الفترة الزمنية التي يغطيها، فبعض الفصائل تريد له أن يغطي عام 2011 فحسب، بينما يريد بعضها الآخر للقانون أن يرجع حتى الحرب الأهلية اليمنية في عام 1994، أو أن يشمل فترة رئاسة صالح الممتدة لـ33 عاماً كلها.
ومن شأن أحدث نسخ القانون، التي قدمها مكتب الرئيس للبرلمان، أن يلغي إنشاء السجل التاريخي، وأن يقصر نطاق التحقيق على عام 2011. كما تنص هذه المسودة صراحة على أن أي تحقيقات تجري بموجب القانون ستخضع لقانون الحصانة الصادر في عام 2012، والذي منحه البرلمان بإيعاز من دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لصالح ومن عملوا معه.
إذا أخفق البرلمان في تمرير قانون جديد للعدالة الانتقالية فبوسع هادي أن يوقع عليه بنفسه، بموجب شروط مسودة انتقالية تسري لمدة عامين وتمنح الرئيس سلطة تمرير القوانين من طرف واحد إذا أخفق البرلمان في تحقيق الإجماع. تم وضع المسودة بوساطة من الأمم المتحدة ووقع عليها كل من حزب الرئيس السابق، المؤتمر الشعبي العام، وتكتل أحزاب اللقاء المعارض. قال جو ستورك: "تعرضت مسودة قانون العدالة الانتقالية للتخريب حتى أفرغت من مضمونها، وعلى الرئيس هادي أن يستخدم ما يتمتع به من سلطة للموافقة على قانون يحقق العدالة، وليس مجرد تمويه".
دعت هيومن رايتس ووتش السلطات اليمنية أيضاً إلى إعادة فتح التحقيق الجنائي في ما يعرف بمذبحة جمعة الكرامة التي وقعت يوم 18 مارس/آذار 2011، وكانت أكثر الاعتداءات دموية في الانتفاضة من المسلحين الموالين لصالح على المتظاهرين السلميين إجمالاً. وقد توصل تقرير حديث لـ هيومن رايتس ووتش إلى أن تحقيقات الحكومة السابقة كان يشوبها التدخل السياسي السافر والإخفاق في التحقيق في أدلة كان من شأنها توريط مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى.
تحول الاعتداء، الذي قتل 45 متظاهراً على الأقل وجرح 200 آخرين، إلى رمز للرد الوحشي من قبل قوات الأمن والعصابات الموالية للحكومة على الانتفاضة. في لقاء بتاريخ 14 فبراير/شباط مع هيومن رايتس ووتش، أنكر النائب العام على أحمد ناصر الأعوش وجود أي قصور في التحقيق. إلا أن وزير العدل مرشد علي العرشاني قال لـ هيومن رايتس ووتش قبل هذا بأيام قليلة إنه أقر بالحاجة إلى تحقيق جديد.
طالبت هيومن رايتس ووتش في تقريرها عن الاعتداء، طالبت مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتحديد موعد لليمن كي يبدأ تحقيقات نزيهة ومحايدة في جرائم حقوق الإنسان الخطيرة أثناء عام 2011، والتفويض بتحقيق دولي إذا أخفقت السلطات اليمنية في الالتزام بالموعد المحدد.
بدأت الحكومة اليمنية في تعويض ضحايا اعتداء 18 مارس/آذار، علاوة على آلاف الآخرين ممن جرحوا، وعائلات مئات الأشخاص الذين قتلوا أثناء الانتفاضة. لكن الكثيرين من الضحايا ادعوا وقوع تمييز سياسي في صرف الأموال من خلال جمعية خيرية خاصة. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة أن تضمن توزيع التعويضات بشكل عادل وسريع.
الحوار الوطني
حدد الرئيس هادي موعد مؤتمر للحوار الوطني ـ أوجبته اتفاقية الانتقال السياسي السارية لمدة عامين ـ بحيث يبدأ يوم 18 مارس/آذار، الذي يوافق الذكرى الثانية لاعتداء جمعة الكرامة. في يناير/كانون الثاني أمر الرئيس هادي بإقامة لجنتين للحوار الوطني من أجل التعامل مع مظلمتين رئيسيتين من مظالم الجنوب: نزاعات الأراضي وإقالة الأفراد الجنوبيين العاملين في الحكومة والأمن والقوات المسلحة بعد حرب عام 1994 الأهلية التي هزمت فيها قوات الشمال القوات الجنوبية. وصفت هيومن رايتس ووتش هذه الخطوة بأنها مهمة، لكنها قالت إن هناك حاجة للقيام بالمزيد لضمان جدية عملية الحوار.
قال جو ستورك: "إن الحوار الوطني الذي يخفق في الإقرار بانتهاكات الماضي بحق كافة قطاعات المجتمع المدني والتعويض عنها لن يكون سوى إهانة جديدة لذكرى جمعة الكرامة".
لخلفية وتفاصيل إضافية يرجى متابعة القراءة أدناه.
الخلفية:
بموجب اتفاقية الانتقال السياسي التي توسط فيها مجلس التعاون الخليجي، تشرف الحكومة الانتقالية اليمنية، المكونة من أعضاء في الحزب الحاكم السابق وفي أحزاب المعارضة، على الحوار الوطني، وعلى إعادة هيكلة القطاع الأمني، وعلى صياغة دستور جديد، وعلى العدالة الانتقالية، وعلى إصلاحات انتخابية تؤدي إلى انتخابات عامة في فبراير/شباط 2014.
انتهاكات جديدة بحق صحفيين ومتظاهرين
رغم أن هيومن رايتس ووتش وثقت وقوع انتهاكات أقل للحقوق في 2012-2013 مما وقع أثناء الانتفاضة، إلا أنها اكتشفت اعتداءات جديدة على حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات من كافة الأطراف، علاوة على مزاعم بالإفراط في استخدام القوة من جانب قوات الأمن. ويزعم المدافعون اليمنيون عن حقوق الإنسان أن العديد من المتظاهرين المعارضين للحكومة ما زالوا قيد الاحتجاز التعسفي من جانب قوات الأمن والمليشيات الخاصة ـ وهو الانتهاك الذي وثقته هيومن رايتس ووتش في مايو/أيار 2012.
في 12 فبراير/شباط هاجم أفراد من قوات الأمن المركزي المتظاهرين المخيمين أمام مبنى مجلس الوزراء في صنعاء للمطالبة بالرعاية الطبية التي وعدت بها الحكومة الانتقالية المصابين أثناء الانتفاضة. جرحت تلك القوات 5 متظاهرين على الأقل، بمن فيهم النائب البرلماني أحمد سيف حاشد، الذي دخل المستشفى بسبب جرحين عميقين في الرأس نجما عن الضرب العنيف.
في لقاء بتاريخ 10 فبراير/شباط، قال وزير الداخلية عبد القادر قحطان لـ هيومن رايتس ووتش إن الوزارة لم تجر أي تحقيقات ولا اتخذت إجراءات تأديبية بحق قوات الأمن المركزي في ما يتعلق بمزاعم انتهاكات أفرادها أثناء انتفاضة عام 2011. إلا أنه وعد بخضوع قوات الأمن للتحقيق في أية انتهاكات ارتكبت منذ تغيير الحكومة. وكتبت هيومن رايتس ووتش خطاباً إلى الوزير في 15 فبراير، داعية إياه إلى متابعة هذا الوعد والتحقيق في ما يبدو أنه كان استخداماً مفرطاً للقوة من قبل القوات ضد حاشد وغيره من المتظاهرين.
تحدث صحفيون لـ هيومن رايتس ووتش عن استمرار المضايقات والتهديدات والاعتداءات على أشخاصهم أو ممتلكاتهم. فعلى سبيل المثال أصدر وزير الدفاع تصريحاً يطعن في شخص خالد الحمادي، الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان الذي يلقى احتراماً واسعا، بعد أن كتب مقالة في يناير/كانون الثاني تنتقد قيام الرئيس هادي بتعيين أفراد من عائلته في مناصب رسمية. ردت وزارة الدفاع بتصريح يهاجمه، ويقرر أن "على خالد الحمادي أن ينظر إلى هذا كله بعين خالية من النزعة العنصرية والجهوية المريضة والمدمرة... الحمادي وأمثاله إنما هم أدوات رخيصة تدفع بهم القوى المتآمرة التي تحاول تعطيل المبادرة الخليجية".
كما كان العديد من الصحفيات والناشطات هدفاً لحملة "تكفير" ـ تم فيها التنديد بهن كمرتدات وكافرات ـ أطلقها مجهولون في بعض الحالات، وأطلقها أعضاء سابقون في حزب الإصلاح الإسلامي واسع النفوذ أو وسائل الإعلام الممالئة له، في حالات أخرى. شملت الحملات التهديد بالقتل والدعوة إلى العنف ضدهن على السواء. وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة الانتقالية أن تسارع إلى التحقيق في هذه التهديدات وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.
الإصلاح العسكري الناقص
تشعر هيومن رايتس بالتشجيع بفعل الخطوات المحدودة التي اتخذها الرئيس هادي لوضع القوات العسكرية وشبه العسكرية في اليمن تحت رقابة مدنية، لكنها قالت إن عليه مواصلة هذه الجهود في الأشهر المقبلة.
ضمن خطوات أخرى، أصدر الرئيس هادي في ديسمبر/كانون الأول مرسوماً بإعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية إلى 5 وحدات ـ الجيش والبحرية والقوات الجوية وحرس الحدود وقوات الاحتياطي الاستراتيجي. كما قام هادي بنقل يحيى صالح، ابن شقيق على عبد الله صالح، من منصب قائد قوات الأمن المركزي ، وأمر بتفكيك الحرس الجمهوري الذي يقوده ابن صالح، اللواء أحمد علي صالح، والفرقة المدرعة الأولى المنافسة، التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر.
قال كل من أحمد علي صالح والأحمر لـ هيومن رايتس ووتش إنهما سيمتثلان لأي أمر بالاستقالة، لكن كلا منهما بدا في الوقت الحاضر باقياً على رأس قواته.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لحكومة هادي أيضاً أن تقوم بغربلة مدققة لقوات الأمن كجزء من عملية إعادة الهيكلة، لضمان إزاحة كافة المسؤولين عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان عن مناصبهم. وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات سابقة ارتكبتها وحدات من الفرقة المدرعة الأولى، ومن الحرس الجمهوري، ومن قوات الأمن المركزي.
يجب على مسؤولي الحكومة أيضاً نقل مهام حفظ الأمن من الجماعات المسلحة العسكرية والخاصة إلى الشرطة. تسيطر قوات عسكرية، منها الفرقة المدرعة الأولى وميليشيات عائلة الأحمر واسعة النفوذ ـ التي لا تمت بصلة للواء الأحمر ـ على مناطق محورية من صنعاء، رغم تناقص حضورها على مدار العام الماضي.
- قرأت 930 مرة
- Send by email