الرئيس الأسد يرد على ترامب
عشرون يوما كانت كافية لإنتقال دونالد ترامب من حالة النضج الفيزيولوجي إلى حالة النضج الحقلي- الميداني كرئيس فعلي، فلم يعد مرشحا بل أصبح "الرئيس" وسيد البيت الأبيض .
لم يتأخر ترامب في طرق أبواب أدواته في تركيا والسعودية وقطر والأردن، وحتى"إسرائيل " ذاتها، وأعلن إهتمامه ليس بأمنها فقط، وإنما بسعادتها أيضا !.
وأعلن عودة بلاده إلى مقعد القيادة الأساسي، وعمد إلى توزيع المهام والأدوار للمرحلة الجديدة، فجاء غزله لراقص الحبال و"طيب" تركيا وأردوغانهاـ بإعلانه دعمه وتأييده لإقامة مناطق آمنة في الشمال السوري، بما يتماهى في الشكل مع مناطق أردوغان العازلة وأطماعه في الجغرافيا السورية، ويختلف عنها بالمضمون – فكل يغني على ليلاه – عبر سلوك يؤكد حرب إزدواجية المصطلحات والنوايا، والتي تكشف جزءا من الأهداف وأسرار المخططات.
لقد أراد إعادة أردوغان وإزاحته عن مقعد القيادة نحو مقعده الطبيعي كأداة أطلسية – شمالية للحرب على سورية، من خلال المخطط الصهيو- أمريكي الذي حيك ضد سورية والمشروع المقاوم في المنطقة، بعد إنتهاء تكليفه بإدارة واستهلاك الوقت في الحضن الروسي، لحين إتمام إنتقال إدارته إلى البيت الأبيض، وبما يضمن عودته إلى الحضن الأمريكي .. أما سعوديا، فقد بدا واضحا أن تكليفها الجديد يشمل عودتها إلى الشمال السوري أيضا عبر مجموعاتها الإرهابية واستمرار أدوارها السابقة كاملة، بالإضافة إلى إعادة دمج وتوحيد مشروعها الإرهابي الوهابي في البوتقة الإخوانية من جديد، الأمر الذي دفع "جبيرها" لإعلان تأييد بلاده لإقامة مناطق آمنة، وإعلان عدائها المباشر لأعداء تركيا من الأكراد خصوصا في حزب العمال الكردستاني، مضيفة بذلك عدوا جديدا إلى لائحة أعدائها الطويلة، والتي تبدأ ولا تنتهي بأعداء "إسرائيل" والحركة الصهيونية في المنطقة بما يتنافى مع مصلحة المملكة والشعب السعودي.
في حين تم شحذ الهمة القطرية من جديد لمضاعفة دعمها المالي واللوجستي والتسليحي لكافة الفصائل و المجاميع الإرهابية التي تعمل بالأمرة الأمريكية المباشرة على الأرض على كافة الجبهات والجهات السورية.
أما الأردن فقد أعيد إلى الساحة السورية مباشرة ليلعب دوره في المشروع ذاته على الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية، فيما تتكفل سلطات العدوالإسرائيلي بمتابعة حصتها في محاصرة سورية على الحدود الجنوبية لسورية.
لكن الرئيس الأسد لم يتأخر بدوره بالرد، وخاطب الرئيس ترامب بإعتباره الرأس الكبيرة، ووجّه له كلاما مباشرا وعبر الإعلام الأمريكي في موقع ياهو نيوز، بما يعكس جرأته وشجاعته ووضوح رؤيته، واستعداد سورية لقبول تعاون واشنطن " إذا أبدت نيتها الصادقة في محاربة الإرهاب" و"من خلال الحكومة السورية" بحسب الرئيس الأسد - وفي استجلاب ترامب نحو الحوار الحتمي المباشر المتوقع مع دمشق عاجلا أم اّجلا. معتبرا أن طرح الرئيس ترامب للمناطق الاّمنة " فكرة ً غير واقعية على الإطلاق"، وأن" المناطق الآمنة للسوريين يمكن أن تقوم فقط عندما يصبح هناك استقرار وأمن، وعندما لا يكون هناك إرهابيون وتدفق ودعم لهم من قبل الدول المجاورة والدول الغربية".
وكان ترامب المرشح قد وصف رحيل الأسد بـ "الجنون"، فيما يرى السوريون أن أمتناعه عن حوار دمشق –حتى اللحظة – هو الجنون بعينه.
وللحديث عن المناطق العازلة أو الاّمنة في سورية لابد من تقسيم الدول المنخرطة في الحرب عليها إلى مستويين أو طابقين وذلك من حيث موقعها الجغرافي وإتصالها بالجغرافيا السورية، وتلك البعيدة المستفيدة أو الطائعة و العميلة :
1- دول ذات إتصال جغرافي مباشر : كتركيا والعراق والأردن ولبنان والكيان الإسرائيلي الغاصب، بالإضافة للسعودية وقطر كونهما عابرين فعليا للجغرافيا الأردنية بدليل عبور اّلاف الإرهابيين والمرتزقة وعشرات الأطنان من الأسلحة وكافة أدوات الدعم اللوجستي.
2- دول ذات إرتباط عضوي – سياسي بحسب محيطها الجغرافي الحيوي و المصالحي و الإستعماري، كفرنسا وبريطانيا وبعض الدول العربية وخصوصا تلك الأوروبية والغربية المنضوية في التحالف الستيني المشبوه، والتي لا تقل دورا وعداء وشراسة في الحرب على سورية .
إن لجوء ترامب بداية لدول المجموعة الأولى يأتي تحت ضغط الحدث الميداني المتسارع، ومن خلال بحثه عن نصر سريع يضمن له مكانة موازية لبعض ما حققه الروس هناك، ويُظهره بمظهر القوي القادرعلى إدارة الحرب الكونية الحالية .
فخلال السنوات الست الماضية كان يدور الحديث دائما عن أدوار الأصلاء والوكلاء، لكنه اليوم توقف عند حدود دول المجموعة الأولى، والتي يمكن إعتبارها جميعا دولا أصيلة في المشروع الصهيوني، إما من حيث النسب و المنشأ أو بحسب الولاء الإيديولوجي – الإرهابي على إختلاف التسمية أو المطيّة، بإستثناء من خاب بهم ظن واشنطن أو كانوا أصلاء في المشروع المقاوم قولا وفعلا من أحزاب وتيارات وشخصيات وحركات مقاومة معروفة من قبل الجميع .
وعليه فإن الدولة السورية واقعة فعليا تحت أذرع الأخطبوط ذاته، طالت يداه أم قصرت، ويمكن التأكيد في هذا السياق على الكماشّة الصهيونية عموما، من الشمال عبر نظام أردوغان، وصولا إلى الجنو عبر سلطة الكيان الإسرائيلي الغاصب.
وعليه تبدو فكرة المناطق الاّمنة أو العازلة ليست بالشيء الجديد، فقد حاول أردوغان ومنذ بداية الحرب الإدعاء بأن الأمن في تركيا لن يستتب إلاّ بإقامة "جدار عازل" ، وتطور به الأمر ليطلق عليه اسم "المناطق العازلة" ومن ثم "المناطق المحمية",لأجل هدف وحيد هو قضم المزيد من الأراضي السورية.
كذلك إسرائيليا، فالموضوع قديم وسبق أن أطلقت عليه سلطات الإحتلال بـ "الجدار الطيب", والتي لم تتوان في السعي لفرضه واقعا إسمنتيا أو شريطا شائكا أو كتلأ إستيطانية أو حزاما بشريا، في غزة والضفة وفي جنوب لبنان وفي الجولان السوري المحتل، معتقدة أنه سيضمن لها أمنها ويسمح لها بهضم ما إبتلعته من الأراضي العربية ؟.
ورغم إختلاف الرؤى حول أشكال المناطق المعزولة أو الاّمنة، يبقى مدى التطابق - الظاهري – بين أنقرة وواشنطن حول هكذا مناطق، بما يضمن عزل سورية وكسر سيادتها وإضعافها كرأس حربة للمشروع المقاوم، ولقطع طريقه جغرافيا ومنعه من الإمتداد من فلسطين ولبنان و سورية والعراق وصولا إلى إيران، وليس لخدمة مصالح أردوغان وأطماعه كسلطان عصملي واهم .
وتأتي الحصة الكبرى للسعودية وتركيا وقطر في الغزل الأمريكي، لما لهم من تأثير على من يسمونهم بـ"المعارضة المعتدلة" لأجل الحصول على موافقتهم و توقيعهم كسوريين لإقامة المنطقة الاّمنة على طول الحدود السورية بدءا من الشمال وبإتجاه الحدود الشرقية وصولا ً إلى الحدود الجنوبية للدولة السورية.
فيما تأتي المحاولة الفاشلة لإخضاع العراق عبر الحرب الإرهابية الشرسة ذاتها، في محاولة لفصل البلدينـ ومنع الجيشين العربيين الشقيقين والقوى الرديفة لهما من متابعة سحقهما للإرهاب، كذلك بعد فشل الضغط على لبنان المنقسم أصلا– بعيدا ً عن عمليات التجميل الحالية – ، فيما يبدو من المحال الفصل بين الشعبين والجيشين والمقاومة، على الرغم من حديث الرئيس عون عن المناطق الاّمنة، لكن وفق الرؤية والمصلحة السورية وعبر الحوار معها.
أما الموقف الروسي حيال المناطق الاّمنة، فيبدو أن موسكو تحاول نزع فتيل الإنفجار في المنطقة، وتحاول استقطاب واحتواء الموقف التركيـ في مسعى منها لإستتباب الأمن والإستقرار في المنطقة، وتعاونها مع الجانب التركي وفق مبدأ الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم المساس بسيادتها، وقناعتها بأن تركيا لن تنشئ منطقة عازلة في شمال سورية – بحسب ألكسندر بوتسان – خارتشينكو مدير القسم الأوروبي في الخارجية الروسية - ، وتُبدي استعدادها لدعم سورية وللسير معها حتى النهاية، على الرغم من الخلافات العديدة مع النظام التركي وعدم ثقة موسكو بالرئيس أردوغان، وتنظر موسكو إلى موضوع إقامة مناطق عازلة وفق مفهوم ضمانة الأمن للجهة التركية أيضا، ووجود منطقة خالية من السلاح نهائيا، لا تستخدم فيها القوة العسكرية، لكن الأتراك يرفضون ذلك ويفضلون العمل في المناطق الاّمنة وفق المفهوم الأمريكي وليس الروسي .
لقد فضح مصطلح "المناطق الاّمنة" ترامب والسعودية وتركيا ومن لف لفهم، وبدت أهدافهم واضحة في محاصرة الدولة السورية ،وعزلها، وتقسيمها ... في وقت تُبلي فيه الدولة السورية وحلفائها بلاءا حسنا، وتمضي قدما نحو تحرير كل شبر من أراضيها، من خلال صمود شعبي قل نظيره، وبسالة وشجاعة الرئيس الأسد والجيش العربي السوري، الذي يحظى بإلتفاف شعبي لم يعرفه جيش اّخر حول العالم، فيما تتابع المصالحات في سورية توجيه الصفعة تلو الصفعة على وجه أصحاب المشروع القذر، الذين ما فتئوا يحاولون إبعاد أبناء سورية عن حضنها الدافئ، في محاولة فاشلة لإسقاطها من الداخل.
للإشتراك في قناة الرابط تيليجرام على الرابط التالي :
http://telegram.me/thelinkyemen
_____________________________
- قرأت 776 مرة
- Send by email