عن الشرعية في اليمن وعجلة التغيير
سأفهم مسألة الشرعية بارتباطها بسيادة القرار ،وبصناعة الرؤساء...،هي لدى السلال كانت تعبر عن سيادة حامي "الثورة السبتمبرية "والشريك في صناعتها ،أقصد المصريين ،وفي فترة الارياني كانت تعبر عن هيمنة أركان مؤتمر خمر وجمهورية 5نوفمبر ،وبالتالي تمدد النفوذ السعودي الذي وصل إلى إزاحة الارياني لعدم تعاطيه بشكل مرض للهيمنة السعودية ،ثم جيء بالحمدي وفقا لرغبة سعودية وتزكية من الشيبخيين "عبد الله وسنان "-مع الفارق بين حجم كل منهما -لكن الرجل سرعان ما تجاوز مهادنة الارياني صوب سيادة يمنية ،وشرعية مرتبطة بنهوض لليمن ،ضمن مشروع طموح كانت بداياته في عهد الارياني سواء في البدء بالتعاونيات أو الخطة الخمسية ،لكنها وجدت فاعليتها وتجسيدها العملي في فترة الشهيد الحمدي ،وحين جاء الغشمي أراد شرعية من السعودية ومنع ذراعها المشيخي من دخول صنعاء فكانت نهايته السريعة بالقتل ،وجاءت فترة علي عبد اله صالح لتجسد شرعية سعودية وانتصارا لخيارات جمهورية 5نوفمبر ،واستمر الحال على هذا المسار حتى جاءت الوحدة ،واتجه إليها صالح بمباركة امريكية ،وتحفظ للقبيلة السياسية والاخوان المسلمين ،ووقتها الرجل سار بعيدا باتجاه التواصل مع الامريكين متجاوزا بذلك الاختصاص السعودي وتبعيته لها ،وجاءت حرب 94 م لتوحد حلفاء الحكم في لداخل ضد دولة يرونها مجرد فرع ويجب الى تعود للأصل ،وبعدها بدأ صالح بتأسيس جيش يخصه بعيدا عن شركائه ،وصل الأمر إلى بداية فك الارتباط معهم بشكل تدريجي بدأ في 97م ووصل حد لا رجعة عنه في 2006 م،ثم إلى قطيعة ومواجهة مسلحة ما بعد جمعة سميت ب"جمعة الكرامة "وفعلا استطاع حلفاؤه أن يستعيدوا كرامتهم من رجل قالوا أنهم صنعوه ثم غدر بهم حسب منطوقهم ولسان حالهم ودافعهم الثوري_,لأ‘لأ ما صرح به "عبد الوهاب الديلمي يوم الاحد الموافق 26-2-2012مما يعززذلك ،اضافة إلى تعبئتهم لكوادرهم بأن صالح غدر بهم نولذا فهم على استعداد لأن يتقبلوا أي فرد مهما كان قربه من صالح ،ولو كان ابنه احمد كوزير للدفاع ،على أن يتقبلوا صالح ولو بمجرد مراسيم وداع لرئيس سابق !... ،وهكذا أعادته التسوية إلى حضور لا يتجاوز ربع السلطة ،أو إلى لافتة تستقيم طالما ظلت السعودية ممسكة بأطرافه ويتحول إلى كومة من نسيج إذا تركته !
وحين جاء "عبد ربه منصور هادي "كرئيس توافقي ،جاء من نفس دوائر صناعة الشرعية باليمن سواء بالداخل ،او الخارج ،لهذا كانت الانتخابات الرئاسية ،التي لا تحمل صفة الانتخابات ولا الاستفتاء شبيهة بطريقة صعود الارياني والحمدي ،والغشمي وعلي عبد الله صالح نيأتي حضور الجمهور في سياق البيعة العامة التي تتم داخل المسجد أو عبر صندوق تابع للهيئة العليا للانتخابات !فلانتخابات تقوم على التنافس بين المرشحين،والاستفتاء يبنى على خيارات الموافقة والرفض ،والنفي والتثبيت ،أما ما حدث في وصول "هادي "للرئاسة فلم يكن سوى بيعة عامة بعد أن بايعه اهل الحل والعقد ،أي الأطراف الرئيسية المعنية بالحكم ،بعد أن تم صياغة التوافق والتسوية امريكيا وسعوديا ،أي بعد ان تم صناعة الشرعية الرئاسية القادمة عبر دوائرها المختصة !
لهذا فإن ما حدث من تنافس بين الاصلاح والقبيلة السياسية والاقطاع العسكري من طرف وبين ما تبقى من سلطة لصالح ممتثلا بما تبقى له من الوجاهات وبعض كوادر المؤتمر ،والحرس الجمهوري والأمن المركزي...الخ كل ذلك التنافس المتمثل بمن سيحشد أكثر ،ومن سيزور أكثر لصالح الرئيس التوافقي ،ليس سوى تعبير عن رغبة المتصارعين في استقطاب منصب الرئاسة ،لهذا دخل حزب التجمع اليمني للاصلاح هذه الانتخابات معززا بخطاب ديني يعتبر المشاركة في مبايعة هادي ،مسألة دينية ،أي تقربا إلى الله حسب تعبير "صعتر " مما يذكرنا بموقف الاصلاح من علي عبد الله صالح منذ بداية حكمه وحتى انتخابات الر ئاسة عام 99م...
شدني جلال أمين، في كتابه "شخصيات لها تاريخ "حين رأى أنه من الخطر ايقاف عجلة التاريخ ،ومن الخطر ايضا تسريع حركتها ...وضرب مثلا بذلك بالزعيم التشكسلوفاكي "دوبشك"حين قام عام 1968م بعملية اصلاح في تشيكسلوفاكيا ،تجمع بين إطلاق الطاقات الفردية والحرية السياسية ،والقطاع العام ،والعدالة الاجتماعية ،لكن الاتحاد السوفيتي اقتحم تشكسلوفاكيا ،وتم القضاء على هذه الحركة ،التي يبدو أن جلال أمين أراد من خلالها أن يقول لنا ،أن تسريع عجلة التاريخ الذي قام به "دوبشك"كان خطرا يسبق وقته بعقدين من السنوات ،لهذا حين أعيد الاعتبار لهذا الزعيم نعام 90م كان الوقت قد داهمه فلقد وصل إلى سن السبعين نوتتابعت صدماته من ثقل جسمه خفوت همته ،ووفات زوجته نثم وفاته بعد أن تعرض لحادث سير ...÷لأ نستطيع ان نقول أننا في اليمن نحتاج إلى تغيير يستوعب قدرة عجلة التاريخ وطاقة سرعتها ،أم اننا بحاجة إلى تسريعها ،مما يعني المغامرة نحو المجهول سواء بشكل الدولة أو بشكل الاقتصاد ورؤيتنا للعدالة الاجتماعية ،والحرية ...
- قرأت 539 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ