مبررات فكرة الفدرالية لا تنطبق على الحالة اليمنية : د. عبده البحش
إن النظام الفدرالي هو نظام قديم يرجع إلى أكثر من خمسمائة سنة, جاءت فكرته عن طريق المفكر نيكولا ميكافيلى, فقد تم الحكم على الرجل بالنفي خارج دولة روما بعد إن تمكنت أسرة مديتشى من الوصول إلى الحكم في روما وكان الرجل احد رجال النظام السابق. حاول ميكافيلى وهو في المنفى التودد إلى الحكام الجدد لروما فقدم لهم هدية على شكل أفكار ومقترحات سياسية لخصت في كتابين أهمهم كتاب الأمير وأقترح فيه فكرة الفدرالية للأول مرة حيث أن الفكرة لم موجودة قبل ذلك.
كانت روما في ذلك الوقت دولة مستقلة عن الدول الأخرى كسراكوزا, صقليه, ميلانو, فنيسيا،... إلخ لم تكن ايطاليا بالمفهوم المتعارف عليه اليوم بل كانت كل دويلة لها كيان مستقل تمام عن الأخرى (مما يعنى انه كانت هناك دويلات مختلفة سياسياً, اجتماعياً وثقافياً). تصور ميكافيلى اجتماع هذه الدويلات لتكوين اتحاد عسكري وسياسي لمواجة أي عدو يمكن إن يهدد المنطقة ككل وبحيث تحتفظ كل دويلة بحكمها المحلى مع فرض نظام الضرائب والشرطة واستغلال ثرواتها الاقتصادية مع إعطاء نسبة حوالي 10-20% من إجمالي الدخل لكل دويلة عضو في الاتحاد إلى الحكومة المركزية (الفدرالية) للإنفاق على التعليم, السياسة الخارجية والتسليح العسكري, وهذا يعنى أن النظام الفدرالي هو نظام يناسب مجموعات مختلفة عرقيا ودينيا ولغويا.
فأمريكا في بداية نشأتها على سبيل المثال هاجر إليها أكثر من 50 جالية من جنسيات مختلفة تختلف عن بعضها لغوياً, ثقافياً, ودينياً كالهولنديين, الأيرلنديين, الأسبان, الفرنسيين, الاسكندينافيين, الانجليز. حتى وصل عدد الجاليات إلى 52 جالية, واتخذت كل جالية رقعة جغرافية معينة في القارة الجديدة , استقر المهاجرون الانجليز في ما يعرف بميامي, ومع بداية الثورة الصناعية تم اكتشاف الفحم الحجري في ما يعرف اليوم بتاكسس, من هنا دعمت الحكومة البريطانية المهاجرون الانجليز للاستيلاء على ما يعرف اليوم بتاكسس من اجل السيطرة على هذه الثروة حيث كان الهولنديين هم من سكن تاكسس, هاجم الانجليز سكان تاكسس فاجتمعت عليهم الجاليات الأخرى مساندةَ للهولنديين ضد الانجليز وخصوصاً الفرنسيين الذين طلبوا مساعدة الحكومة الفرنسية (ومن هنا بدأت الحرب الأهلية الأميركية ) واستمرت الحرب لسنين عدة وبعد هزيمة الانجليز وبانتهاء الحرب الأهلية قرر بناء دولة موحدة تحتفظ كل جالية بقوانينها وثقافتها والاستفادة من ثرواتها الداخلية تحت ظل حكومة فدرالية تجتمع تحتها كل الجاليات المهاجرة من اجل الوصول إلى توحيد البلاد فتكونت الولايات المتحدة الأميركية من مجموع 52 ولاية بعدد الجاليات المهاجرة، وهذا يعنى انا نظام الحكم الفدرالي في أميركا لم يكن خيارا بل كان امرا واقعا لا مفر منه.
لقد قدمت الفدرالية الآلية المناسبة التي يمكن للمجتمعات المفككة (جغرافياً، عرقياً، لغوياً، ودينياً) إن تنظّم تحت راية واحدة، فالهند على سبيل المثال توجد بها أكثر من 25 لغة وأكثر من 15 إقليم مترامية الإطراف، وكذلك الحالة الكندية المتكونة من، الانجليز والفرنسيين والاقاليم المترامية الاطراف.
والحالة الثالثة ليست عنا ببعيد ألا وهي دولة الإمارات العربية، فقبل عام 1971 كانت هناك دولة صغيرة تسمى دبي وكانت هناك دويلة مجاورة لها صغيرة يسمى أبو ظبي و الشارقة والعين ورأس الخيمة...الخ، كلها كانت دويلات مستقلة عن بعضها تماماً سواء من الناحية العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية، كل ما كان يربطهم هو الجوار الجغرافي والخوف من العدو الخارجي والرغبة في الظهور بشكل اكبر واقوي في الساحة الإقليمية و الدولية. ومع ظهور عصر التكتلات الدولية قرر رؤساء هذه الدويلات الصغيرة إن يكوّنوا اتحاد يجمع هذه الدول الصغيرة والضعيفة. فلم يكن هناك إلا النظام الفدرالي لجمع هذه الدويلات المختلفة فقرر الاتحاد على إن تحتفظ كل دويلة (إمارة) على حكمها المحلى واعطاء حصة او نسبة من الدخل الاجمالي لكل امارة الى الحكومة الاتحادية ومن هذا المنطلق نجد أن هناك إمارات غنية مثل أبو ظبي ودبي وأخرى فقيرة مثل العين ورأس الخيمة. كذلك نجد إن القوانين تختلف من إمارة إلى أخرى فعلى سبيل المثال يسمح ببيع الخمر في دبي وتمنع في الشارقة وهذا يخلق مشكلة وهي، التقاطع أو الاصطدام بين القوانين المحلية مع القانون الدستوري.
بعد العرض الموجز لفكرة الفدرالية واسباب نشأتها وتطورها والتي ثبت انها وجدت كفكرة لتوحيد دول مستقلة او دويلات مستقلة ومختلفة عرقيا ودينيا ولغويا في كيان فدرالي أي في دولة اتحادية واحدة لتشكل قوة كبيرة لمواجة أي عدوان خارجي ضدها ولتسهيل حركة التجارة بين الكيانات التي توحدت، وعليه فان مبررات فكرة الفدرالية واعتمادها نظاما سياسيا لادارة الدولة لا تنطبق على الحالة اليمنية اطلاقا وهذا يكشف بجلاء واضح ان مشروع الفدرالية في اليمن مشروعا خارجيا وليس مشروعا وطنيا والهدف منه تقسيم اليمن لغرض اضعافه بما يلبي اطماع الشركات الاحتكارية العالمية في مجال النفط والغاز وايضا بما يلبي مصالح الجارة السعودية التي ابتلعت اكثر من مساحة نصف اليمن وما زالت تسعى لابتلاع اجزاء مهمة واستراتيجية من مساحة اليمن الحالية.
- قرأت 630 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ