خيوط اللعبة | نتنياهو لم يكذب... نحن صدّقنا
للمرء أن يتخيّل السيد حسن نصرالله يشاهد، عبر الشاشة الصغيرة في غرفته المتواضعة، سير المفاوضات الاسرائيلية ــــ الفلسطينية. قد يبتسم حين يرى مارتن انديك يلملم شعره الابيض ويترجّل من الطائرة ليلملم فشل جون كيري. أو قد يحزن لحال فلسطين بعد نحو ربع قرن من وهم التفاوض.
لنراقب المشهد:
انديك استرالي الاصل. لم ينل الجنسية الاميركية سوى عام 1993. أبدع، منذ عام 1982، بنضاله في صفوف الـ «ايباك» والمؤسسات الاميركية المؤيدة لاسرائيل. ها هو، اليوم، يلعب دور الوساطة. عال.
صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، هو شقيق انديك في المواطنة. حصل، هو الآخر، على الجنسية الأميركية بعد دراساته العليا حول السلام في اميركا وبريطانيا. يؤمن بأن المصالح هي التي تحرّك الدول، وان التفاوض ــــ لا السلاح ــــ هو السبيل الوحيد للسلام. ممتاز.
تسيبي ليفني، ابنة الموساد الاسرائيلي قبل ان تصبح وزيرة أو زعيمة «كاديما»، ربيبة عصابات البيتار. وإبنة والدين يفاخران بأنهما من عصابات الارغون التي ذبحت آلاف الفلسطينيين. السيدة الشقراء، معروفة بأنها وقفت خلف تصفية مسؤولين فلسطينيين وعرب. تارة كانت تدسّ لهم السم، وأخرى تجذبهم بعلاقات جنسية، وثالثة تلاحقهم بآلات قتل اخرى. هي، حالياً، المخوّلة بملف التفاوض مع الفلسطينيين. ممتاز أيضاً.
هؤلاء هم من يصنع السلام الآن بين الفلسطينيين والاسرائيليين. قد يبتسم السيد حسن نصرالله او يحزن. في الحالتين النتيجة نفسها. كل هذه المسرحية لن تؤدي سوى الى مزيد من المستوطنات، ومزيد من التهجير، ومزيد من سرقة الاراضي، ومزيد من التهويد.
الرئيس محمود عباس يشارف على الثمانين عاماً. أمضى جلّها مقتنعاً بأن السلام ممكن. اقتنع بذلك، حتى في أوج الكفاح العسكري الفلسطيني ضد اسرائيل. هو الآن أمام امتحان التاريخ والواقع. للتاريخ يريد ان يقول انه لم يتنازل، وللواقع يسعى حثيثاً الى البحث عن تسويات غير مجحفة. محمد دحلان بالمرصاد لتاريخه وواقعه. يحاذر «أبو مازن». وان اضطر لا بأس ان يفضح تاريخ دحلان قبل ان يصل الى الرئاسة. لا بأس ان يتهمه بالاشتراك في قتل فلسطينيين وبينهم الرئيس الشهيد ياسر عرفات.
الرئيس الاميركي باراك اوباما، من جهته، ينظر صوب سوريا. يفرك كفاً بكفّ. ماذا نفعل؟ دُمرت كل سوريا ولم يسقط الرئيس. دخل معظم ارهابيي العالم، وها هو بشار الاسد يستعد للترشح. فُتحت كل خزائن الخليج ولم تنفع. لا بد من تحقيق نصر خارجي. لا بد من العودة الى فلسطين.
هناك البازار أسهل. العرب لاهون عن فلسطين يتقاتلون بين بعضهم البعض. جيوشهم غارقة بحروب الداخل. العلاقات بينهم في الحضيض. الفلسطيني صار مشبوهاً في مصر وسوريا والخليج ولبنان بتهمة تورط حركة حماس. الاردن يكاد يتحول فعلاً الى ما يشبه الوطن البديل بعد موجات فلسطينية جديدة او تجنيس من هو مقيم.
من لاءاتهم الثلاث المشهورة في قمة الخرطوم، تراجعت احلام اهل النظام العربي الى مجرد القبول باطلاق سراح معتقلين منذ ربع قرن. يوم الاربعاء المقبل تعقد جامعة الدول العربية اجتماعا طارئا على مستوى وزراء الخارجية لبحث قضية فلسطين. هه. غريب فعلاً. الغرابة تكمن في أن اسرائيل لم ترفع مستوى تصلبها الا بعد القمة العربية في الكويت. وبعد القمة جاء اوباما الى السعودية.
من يقرأ كتاب نتنياهو الحامل عنوان «مكان بين الامم» يفهم ان الرجل وفيٌّ جدا لأفكاره. لا دولة فلسطينية. لا قدس. لا مجال امام الفلسطيني سوى القبول بدولة يهودية. الاردن وطن بديل. لا عودة الى حدود 1967. العرب لا يفهمون سوى بالقوة.
للمرء أن يتخيّل السيد حسن نصرالله أمام هذا المشهد. قد يغلق التلفاز ويتصل بأحد قادة المحاور جنوباً يسأل عن الاوضاع. تسيبي ليفني ورفاقها في حكومة نتنياهو يقولون ان المقاومة ضاعفت قدراتها مرات كثيرة . هم انفسهم يعتقدون ان قدرات المفاوض الفلسطيني تراجعت مرات كثيرة. عال. الخيار الواضح.
- قرأت 668 مرة
- Send by email