هل فهم من يعنيهم الامر رسالة مناورات صعدة؟

تؤشر المناورة الضخمة التي اجراها انصار الله الاسبوع الماضي على الجانب اليمني المحاذي للحدود السعودية الى ان تطورات في طريقة التخاطب بدأت تظهر بينهم وبين المملكة النفطية القلقة مما يجري في خاصرتها الجنوبية. فالمناورة بالنسبة لانصار الله ليست جديدة من الناحية العسكرية باعتبار ان هذا التنظيم وبعد انتهاء الحرب السادسة مع النظام السابق والسعودية وبعد ثورة فبراير 2011 وامساكه بمحافظة صعدة اعاد تنظيم جسمه العسكري والأمني تحسباً لوضع كان واضحا ان اليمن يدخل فيه وسمته الفوضى واللااستقرار. 
 

حافظ السيد الحوثي على خطاب حُسن الجوار وأبقى اليد مفتوحة 
 

واستدعت عملية اعادة التنظيم والهيكلة اجراء تدريبات مكثفة في تلك المنطقة لم يكن لها في ذلك الحين اي بعد سياسي كما هي المناورة الاخيرة والتي جاءت في توقيت استلزم الرد على مسار استفزازي تصاعدي تنتهجه الرياض ضد انصار الله رغم سياسة اليد الممدودة التي اعلنها قائد الحركة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي تجاه المملكة حتى قبل انطلاق الثورة الاخيرة في الرابع من آب الماضي، وتحديداً في خطابه في الاسبوع الثالث من شهر رمضان المبارك عندما دعا الرياض الى الكف عن الاستثمار في دعم الارهاب والتكفيريين استجابة لطلبات خارجية اميركية وغيرها، وأشفق على المملكة ناصحاً بان هؤلاء الاميركيين لا يؤمن مكرهم وغداً عندما تحين ساعة السعودية وتخضع لمخططات التقسيم والتشظي الاميركية فلن تجد من يتعاطف معها في العالم العربي والاسلامي في محنتها بسبب سياستها هذه. وحتى بعد انتصار الثورة الشعبية في 21 سبتمبر 2014 حافظ السيد عبد الملك الحوثي على خطاب حسن الجوار وأبقى اليد مفتوحة وكان دائماً يراهن على اتجاه عقلاني داخل المملكة.


لكن بدلاً من الاستجابة لهذا الخطاب العقلاني والحريص، اتسم الخطاب والسلوك السعوديين بالتصعيد والاستفزاز وبدا أن الرياض لا تجد في اليمن سوى ايران، في حالة فوبيا غير مبررة على الاطلاق، ولا تعتبر ما يجري حراكاً شعبياً يمنياً مشروعاً انما انقلاب وتمرد لذلك استضافت اللواء الفار علي محسن الاحمر وصرفت له ميزانية مليار دولار لاعادة تنشيط بقاياه في اليمن، وعملت على الاتصال بما يتيسر لها من شيوخ القبائل  لمدهم بالمال لتشكيل جبهة  مناوئة لانصار الله. وذهبت بعد موت الملك عبد الله وتولي سلمان الحكم الى حد استدعاء التدخل العسكري الخارجي عبر محاولة استصدار قرار من مجلس الامن بموجب الفصل السابع، ثم السعي لتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة بقيادتها تضع اليمن هدفاً مباشراً لها، كما يجهد الملك سلمان اليوم لتشكيل تحالف مذهبي يضمه وتركيا وقطر ويتجاوز عقدة الاخوان المسلمين، ويكون الاطار الاعلى لهذه القوة العسكرية ودون هذين المشروعين عقبات كبيرة. وذهب السلوك العدائي السعودي حد نقل السفارة وبعض السفارات الخليجية الى عدن بعد فرار عبد ربه منصور هادي اليها، ومن ثم اجتهاد الرياض لاعادة احياء "شرعيته" المنتهية الصلاحية. لا بل ان المعلومات التي توافرت لدى جهات يمنية فاعلة أن المملكة تدفع باتجاه تعزيز خيار الانفصال الجنوبي عن الشمال وهو ما ورد  على لسان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عندما تحدث عن اليمن الجنوبي قبل ان تعيد الوزارة لتصحيح العبارة على الارجح تحت وطأة رفض أطراف دولية ترى في الاستعجال السعودي كارثة على خططها. مع الإشارة طبعا الى المشروع الاستراتيجي للمملكة الذي يتضمن مد أنبوب ضخم لنقل النفط من جنوب السعودية عبر محافظة حضرموت الجنوبية الى بحر العرب لتجاوز عقدة مضيق هرمز.

كما تفيد المعلومات ان السعودية طلبت من هادي بعد انتقاله للجنوب قيادة عمل عسكري ضد انصار الله على ان توفر له ما يحتاجه من دعم مالي ولوجستي حتى وان اضطر الامر الى مشاركة القوات السعودية في هذه العمليات. واليوم تحاول المملكة نقل الحوار اليمني الى الرياض بمن حضر وحتى لو غابت عنه مكونات اساسية، متذرعة بانه يتم في مقر مجلس التعاون الخليجي، وبناءاً على طلب هادي، وهي تعرف ان الجميع يعرف انها هي من طلبت من هادي بعث رسالة نقل الحوار.

ازاء كل ما تقدم رفع السيد عبد الملك الصوت عاليا في خطابه ما قبل الاخير والذي خصص اغلبه للحديث عن الدور السلبي المفرط للسعودية بما يعني ان الرجل لم يجد بدّاً من تسمية الأشياء باسمائها بعدما ظهر أن الرياض تتهور بشكل مريع في مقاربتها للشأن اليمني ولا يوجد مكان للعقل والتعقل. ثم اتهم السيد الحوثي في خطاب يوم الشهيد في العاشر من الشهر الجاري دولاً خليجية بتقديم أسلحة وأموال الى مجموعات تكفيرية  في محاولة لتوفير مناخ في الجزء الجنوبي من البلاد يمكن لتنظيم القاعدة أن يتمكن فيه ولتبرير عملية غربية لاحتلال اليمن لاحقاُ.

 الرياض طلبت من هادي قيادة عمل عسكري ضد انصار الله


وبعد يومين من هذا الخطاب جاءت الرسالة العملية بقرار من السيد عبد الملك من خلال المناورة الضخمة التي اشترك فيها انصار الله واللجان الشعبية الى جانت ألوية وكتائب من الجيش اليمني بالتزامن مع اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في الرياض، ليفهم من يعنيه الامر ان اي تحرك سلبي تجاه الشعب والسيادة اليمنيين سيتم التصدي له بحزم وبحسم.

والاكيد ان السعودية راقبت الاف المقاتلين من انصار الله وهم يناورون بالاسلحة الثقيلة من دبابات وراجمات ومدفعية ومضادات للطيران وصواريخ مضادة للدروع وغيرها من الاسلحة المتوسطة والخفيفية وبزي عسكري موحد في منطقة تعتبر الاكثر استراتيجية على الحدود السعودية، البقع ـ وادي ال بو جبارة حيث كان يقبع معسكر كتاف التابع للقاعدة وكان له خط امداد نحو الداخل السعودي، واستعاده انصار الله في سياق المعركة المفتوحة مع التكفيريين والتي بدأت في دماج في خريف العام 2013.
ويكفي للاستدلال على ان المناورة_الرسالة حققت نتائجها تصريح وزير الخارجية القطري خالد العطية بعد اجتماع لمجلس التعاون الخليجي في الرياض عندما قال ان اعضاء المجلس لديهم قدرة كافية على حماية اراضيهم وسيادتهم وأي تحرك هنا أو هناك لن يؤثر على هذه الدول.


 

الحوثيون
الحوثيون 


واذا كانت المملكة التزمت الصمت فمن "حقها" أن تخاف عندما يجري انصار الله مناورة عسكرية ضخمة قد يفهم انها انذار صريح بان الرد سيكون قاسيا على اي تحرك عسكري من الجانب السعودي وغيره ضد انصار الله، سيما وان هذا الخوف يتكئ على تجريبة أليمة بالنسبة للمملكة دفعت ثمنها غالياً عندما اشتركت مع نظام الرئيس علي عبد الله صالح في الحرب السادسة عام 2009 _ 2010 ودخلت طرفا مباشرا فيها رغم تحذيرات الحوثيين لها من مغبة المغامرة. لكنها لم تسمع حينها النصيحة واعتقدت ان عدم توازن القوى ـ او ان صح التعبير لا مجال للمقارنة بين قوة الجيش الرقم الثلاثين في العالم وربما السادس او السابع في الشرق الاوسط وبين مجموعة من المسلحين ببنادق كلاشينكوف وقاذفات بي 7 ورشاش متوسط بي ك سي وبضع شاحنات صغيرة غير مصفحة ـ لكن هذا الاستخفاف الذي كان اول ضحاياه في تلك المعركة الضابط الذي تعامل باستهزاء مع المقاتلين الحوثيين وأمرهم بالانسحاب بلغة فوقية قبل أن يمطره احد الفتية بصلية من رشاشه فترديه على الفور ثم يبدأ بضع عشرات من مقاتلي انصار الله بالتوغل داخل الاراضي السعودية بعمق بلغ 90 كيلومتر مروا فيها على مدن وقرى عدة ولا يجدون من يقف امامهم سوى طائرات حربية متطورة تمكنوا من خداع اجهزتها الحرارية واللايزرية المتطورة بوسائل بدائية. وفي وقت قصير جدا تمكن عشرات الرجال من أنصار الله من السيطرة على جبل الدخان قبل أن يتوغلوا اكثر في الاراضي السعودية رغم محاصرتهم من قبل الجيش اليمني ومن جهات عدة ولم يتمكن الجيش السعودي بعتاده العسكري الكبير وتمركز في مواقع عدة من الدفاع عن مواقعه ولا استعادتها. 


وعاد مقاتلو انصار الله الذين لم يتجاوزوا المئتين وفق قيادي كان مشاركا في تلك الحرب عادوا بغنائم مهمة شملت دبابات اميركية الصنع وجرافات كبيرة وناقلات واسلحة متنوعة بما فيها قناصات متطورة، فضلاً عن عدد من الأسرى السعوديين، وخسرت المملكة في تلك المعركة مئتي قتيل من العسكريين.

حينها اضطر الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز الى زيارة قواعد عسكرييه في المنطقة الجنوبية لرفع معنوياتهم، فيما قطع ولي العهد آنذاك الامير سلطان بن عبد العزيز وكان وزيراً للدفاع اجازته للمغرب وجاء بنفسه ليدفع باتجاه وقف النار وقال حينها لمن يهمه الامر في المملكة ان هؤلاء اليمنيين لا يمكن الدخول معهم في حرب وانا اعرفهم اكثر منكم، ثم القى في مرحلة الاتفاق خطابا مهما اشاد فيه ببسالة اليمنيين وقال حرام ان تذهب هذه القوة والشجاعة في حرب مع السعودية، وانتهت الحرب الى اتفاق انسحب بموجبه انصار الله من الاراضي السعودية التي استولوا عليها واطلقوا سراح الاسرى السعوديين لكنهم رفضوا مبالغ مالية ضخمة بعشرات ملايين الدولارات لتسليم الغنائم العسكرية.

ومع ذلك فان الآلاف من السكان القاطنين بالمدن الجنوبية السعودية ممن غادروها اثناء المعارك لم يعودوا اليها كم هجرت قرى باكملها في منطقة جيزان وأصبحت مقفرة تتراقص فيها الفراشات فوق جدران مهدمة وبيوت مليئة بثقوب القذائف كما وصف مراسل وكالة رويترز انجوس مكدوال في تقرير له في 11 تشرين الثاني الماضي خلال جولة له على تلك المنطقة بعد اربع سنوات من انتهاء الحرب.

 لولا انصار الله وضبطهم لجزء كبير من الحدود لكانت عمليات تهريب السلاح والممنوعات إلى المملكة اكبر بكثير مما تتحدث عنه في تقاريرها الرسمية


بعد مرور هذا الزمن يبدو ان الرياض تتناسى تعهدها بموجب الاتفاق المذكور بان لا تتدخل عسكريا في اليمن بعد هذه الحرب. وربما تعتقد ان انهماك انصار الله في حفظ الامن والاستقرار في المحافظات الشمالية  التي يديرونها مع اللجان الشعبية وازمة الحكم المفتوحة ومحاربة القاعدة في عدد من المحافظات والتهيؤ لمعالجة الوضع في الجنوب، ربما تعتقد ان انصار الله في حالة استرخاء على حدود اليمن الشمالية وانهم مستنزفين في الداخل ويمكن الانقضاض عليهم، لذا بدت احدى وظائف المناورات وكانها عملية تصحيح معلومات حتى لا يشطح بعض المغامرين في الجارة الجنوبية او بعض الخليجيات ممن أدمنت العبث بمصائر الشعوب في جر المملكة الى خطوة من هذ النوع، قد تدفع بالأمور نحو ما لا تحمد عقباه بالنسبة لمن يريد تجريب المجرب مرة ثانية، عسى وفق مصدر يمني مقرب من قيادة الثورة ان يفهم من يطلق معادلة "امن الخليج من أمن اليمن" حقيقة ومعنى هذه المعادلة بالفعل وليس باللفظ، وينضبط تحت سقفها ولا يتعدى حدوده ويمس أمن اليمن أو يعتقد أن فصل الجنوب يمر مرور الكرام دون ان يلتفت الى معادلات خطيرة قد تبصر النور في اي لحظة، ولا تقف في وجهها لا عوائق حديدية ولا خنادق او اسلاك كهربائية او كاميرات مراقبة تنصبها المملكة على حدود طولها 1700 كلم، وهي تعرف انه لولا انصار الله وضبطهم لجزء كبير من تلك الحدود لكانت عمليات تهريب السلاح والممنوعات بما فيها المخدرات اكبر بكثير مما تتحدث عنه في تقاريرها الرسمية.

على اي حال ثمة أمل بان تكون الرسالة الردعية ادت دورها واعادت التفكير بطريقة تخدم حسن الجوار وتعزز من فرص التعاون بين البلدين الشقيقين وهي فرص لا تزال صنعاء بقيادتها الثورية تعتبرها متوافرة، وهو ما اكده السيد عبد الملك الحوثي امام وفد اعلامي كبير زار صعدة وحضر المناورات العسكرية وجال في مناطق الحروب السابقة واختتم جولته بلقاء مع السيد الذي جدد تأكيده على التمسك بالعلاقات الايجابية مع جميع دول الجوار بما فيها السعودية شرط ان تقوم على الندية والاحترام المتبادل. اما الرسالة الأخرى التي يؤمل أيضا ان تكون الرياض تلقفتها هي الشعارات الجديدة التي باتت ترفع في المسيرات الشعبية الحاشدة دعما للإجراءات الثورية المتواصلة والتي تسير اسبوعياً في صنعاء وصعدة وحجة وغيرها من المحافظات اليمنية، وباتت تنادي بيمنية جيزان وعسير ونجران، وهو صوت شعبي كبير اثبتت التجارب انه لا يحب المزح معه.