نجاح الحوار اليمني الذي سينطلق في جنيف بعد ثلاثة ايام انقاذ لدول الخليج والسعودية بالذات اكثر مما هو انقاذ لليمن.. وبيان وزراء خارجية مجلس التعاون “التصعيدي” قد يعطي نتائج عكسية

اختتم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي اجتماعا وزاريا عقد في العاصمة السعودية الرياض، وتصدر اجندته ملف الاوضاع في اليمن، علاوة على تطورات الازمة في سورية، ولم ينس المجتمعون القضية الفلسطينية وعملية السلام، فمروا عليها مرور الكرام، ومن قبيل المجاملة لا اكثر ولا اقل.

التأكيد على الحلول السياسية السلمية كان القاسم المشترك في البيان السياسي الذي صدر في نهاية الاجتماع، ولكن الحلول العسكرية ما زالت مستمرة، وان كانت تراوح مكانها في اليمن وتعطي نتائج عكسية، بينما تحقق تقدما في سورية، حيث نجحت قوات المعارضة السورية المدعومة من المثلث التركي السعودي القطري الممثلة في جيش الفتح وجبهة النصرة، واحرار الشام في الاستيلاء على قاعدة اللواء 52 للجيش السوري الذي يعتبر اكبر القواعد العسكرية في جنوب سورية.

السيد خالد العطية وزير الخارجية القطري الذي يرأس الاجتماع قال في مؤتمر صحافي عقده في ختامه “ان تحالف “اعادة الامل” لن ينته ما لم تنفذ قرارات مجلس الامن الدولي ذات الصلة ومن ضمنها القرار 2216″، لافتا الى ان “مجلس التعاون الخليجي قادر وسيستمر في حماية مصالحة”.

وكان لافتا ان السيد العطية لم يستعمل مصطلح “عاصفة الحزم” واستبدلها بتعبير عملية “اعادة الامل”، ولكنه لم يقل كيف سيستمر هذا التحالف، وعلى اي ارضية بعد ان تغيرت قواعد اللعبة في الازمة اليمنية، وتحولت الى ازمة سعودية يمنية صرفة تتمثل في الحرب الدموية المتصاعدة على الحدود بين البلدين.

بيان مجلس التعاون الخليجي الذي وردت بعض فقراته في المؤتمر الصحافي المذكور، وما تضمنه من لهجة تصعيدية قوية، جاء قبل ثلاثة ايام من انعقاد الجلسة الاولى للحوار اليمني الذي تشارك فيه غالبية اطراف الصراع تحت مظلة الامم المتحدة.

من حق مجلس التعاون حماية مصالحه الاستراتيجية، ولكن مطلوب تحديد دقيق لهذه المصالح خاصة في الملفين اليمني والسوري، فلهجة التهديد التي وردت في البيان قد تؤثر سلبا في حوار جنيف قبل ان يبدأ، وتلقي بظلال الشك على نتائجه، لانها تنحاز الى جانب ضد آخر.

السيد العطية اكد ان التحالف الذي يستهدف اعادة “الشرعية” في اليمن لم ينته، وانه مستمر حتى يتم تنفيذ قرارات الامم المتحدة، خاصة القرار 2216 وفق البند السابع، ولكن الوقائع على الارض تقول عكس ذلك، فالطائرات الخليجية والعربية التي شاركت في “عاصفة الحزم” في بداية غاراتها الاولى عادت بهدوء في معظمها الى قواعدها، بما في ذلك الطائرتان المغربية والسودانية، لان الازمة تحولت الى حرب يمنية سعودية، او بالاحرى بين التحالف الحوثي الصالحي، وقوات الجيش السعودي، وبات دور الطائرات غير السعودية محدود جدا، او بلا اي داع.

كان المأمول ان يدعم وزراء مجلس التعاون الخليجي بقوة مؤتمر الحوار اليمني الدولي الذي سيبدأ الاثنين في جنيف، ويوفرون له كل ضمانات النجاح من خلال تبني مواقف اكثر مرونة واعتدالا وعقلانية بعيدا عن التهديدات، ولكن يبدو ان هؤلاء الوزراء لا يرون ما يجري من تطورات على الارض بعد ثلاثة اشهر تقريبا من بدء “عاصفة الحزم”، وان راؤها فانهم لم يدرسوها بشكل جيد لاستخلاص العبر والدروس المستفادة، التي يمكن ان تؤدي الى مراجعة حقيقية جدية للسياسات المتبعة التي ثبت عدم نجاحها حتى الآن على الاقل.

اللهجة التصعيدية، والتلويح باستخدام القوة لفرض حلول سياسية، ووالتمسك بسياسات الاقصاء والتهميش لاطراف سياسية عسكرية فاعلة في الازمة مثل التيار الحوثي وحزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، دفعت الولايات المتحدة الى تجاوز دول الخليج والالتفاف عليها، وفتح حوار مع الحوثيين في مسقط، تماما مثلما فعلت الشيء نفسه عندما تفاوضت مع الايرانيين حول البرنامج النووي من وراء ظهر المملكة العربية السعودية.

نجاح الحوار “الاممي” في جنيف لن يكون انقاذا لليمن وحدها، وانما لدول مجلس التعاون الخليجي ايضا،

لان استمرار عدم الاستقرار في اليمن،  وتوسع نظاق الحرب فيه، يشكلان اكبر خطر يهدد دول مجلس التعاون، فالطائرات الامريكية الحديثة من طراز “اف 16″ و”اف 15″ التي تملكها دول التحالف الخليجي لم تنجح في حسم الحرب، وتجبر الحوثيين وحلفاءهم على رفع الرايات البيضاء استسلاما رغم اكثر من ثلاثة آلاف غارة على مدى 75 يوما، كما انها لم تمنع اطلاق صواريخ الكاتيوشا ودخول صواريخ “سكود” الى الحلبة.

اتركوا اليمنيين يتحاورون فيما بينهم، وتذكروا ان حوار جنيف انطلق دون اي شروط مسبقة، وتذكروا دائما ان اليمنيين اثبتوا قدرة عالية على التحاور، فيما بينهم بطريقة حضارية وتوصلوا الى اتفاقات تقود الى مصالحة وطنية واستقرار تدريجي، ولكن سياسة “النزق” و”تكسير الرؤوس″ والثأرات الشخصية كان لها رأي آخر.

“راي اليوم”

 

  •