الامريكيون في الاردن والهدف سورية

تعودنا ان يرسل الاردن وحدات عسكرية خاصة الى مناطق الصراع الساخنة في الوطن العربي للمشاركة في اعمال قتالية، لما تتمتع به المؤسسة العسكرية الاردنية من ‘كفاءات’ عالية في هذا الخصوص، مما يعني ان الاردن ليس بحاجة الى استيراد قوة امريكية خاصة لمساعدته على مواجهة تدفق اللاجئين السوريين، مثلما كشفت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ في عددها الصادر امس، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام.
فالقوات الاردنية لعبت دورا كبيرا في اقتحام مدينة طرابلس، وثكنة العزيزية، المقر الرئيسي لقيادة العقيد القذافي، كما شاركت، وربما وحدها، في اقتحام دوار اللؤلؤة في البحرين واخلاء المعتصمين فيه بالقوة، وهناك تقارير تفيد بأن قوات اردنية قاتلت الى جانب نظيرتها السعودية لإنهاء تقدم قوات الحوثيين داخل اراضي المملكة وردها على اعقابها.
ومن هنا فإن القول بان القوة الامريكية الخاصة الموجودة حاليا قرب الحدود السورية جاءت ‘من اجل مساعدة الاردن على مواجهة تدفق اللاجئين السوريين’ خدعة لا يمكن ان تنطلي على اكثر السذج سذاجة. فالاردن يملك خبرات عريقة في مواجهة تدفق اللاجئين لا تباريه فيها اي دولة اخرى.
تاريخ الاردن حافل باستقبال موجات اللاجئين الفارين من الحروب، او المهجّرين قسرا من مختلف دول الجوار، بداية باللاجئين الفلسطينيين، ومرورا بالعراقيين وانتهاء بالسوريين. ولا نعتقد ان جنديا امريكيا قادما من شيكاغو او صحراء نيفادا يمكن ان يلقي محاضرات على الاردنيين في هذا التخصص الذي هم بروفيسوراته.
‘ ‘ ‘
مهمة هذه القوات مشبوهة، وربما تكون نواة، او مقدمة لأعداد اكبر من الجنود الامريكيين سيتدفقون على الاردن لاحقا، تمهيدا او استعدادا للتدخل عسكريا في الأزمة السورية، تحت ذرائع مختلفة ومن بينها السيطرة على الاسلحة الكيماوية السورية، والحيلولة دون وقوعها في ايدي جماعات ‘ارهابية’.
فقبل اربعة اشهر استضاف الاردن مناورات ‘الاسد المتأهب’ قرب الحدود السورية الجنوبية التي شاركت فيها قوات من 17 دولة على رأسها الولايات المتحدة تحت عنوان ‘تأمين الاسلحة الكيماوية السورية’ في حال انهيار نظام الرئيس بشار الاسد، وحدوث فراغ امني واضطرابات في البلاد.
القوة الامريكية الجـــديدة توجــــد حاليا على بعد 55 كيلومترا من الحدود السورية، وستتولى تقديم مساعدة بتجهيزات ‘غير قتالية’ للمعارضة السورية المسلحة، لتضاف الى قوات امريكية خاصة تتمركز على الاراضي التركية وتضم عناصر تابعة لوكالة المخابرات المركزية (سي آي ايه) مهمتها المعلنة الاشراف على توزيع الاسلحة على الجماعات المقاتلة ضد النظام داخل الاراضي السورية، بهدف الحيلولة دون وصولها الى عناصر جهادية اسلامية متشددة، وتنظيم ‘القاعدة’ على وجه الخصوص.
انه تدخل امريكي تدريجي مباشـــر في الصراع العسكري الدائر حاليا في سورية، مرشــح للتطــــور والتـــوسع بمضــــي الأيام والشهور وربمــــا السنوات، ليس فقط لإسقاط النظام وانما في مرحلة ما بعد سقوط النظام حيث يجمع المسؤولون الامريكيون وحلفاؤهم العرب انه ساقط لا محالة.
نشرح اكثر ونقول انه في حال سقوط النظام، ستتواجد على الاراضي السورية كتائب جهادية تضم الآلاف من مقاتلين جاءوا من مختلف انحاء العالم، للقتال ضد نظام يعتبرونه ملحدا ورافضيا، حسب ادبياتهم، وبمجرد انتهاء مهمتهم هذه، بمساعدة الامريكان او بدونها، سيصنفون على انهم ارهابيون يجب القضاء عليهم جميعا، سواء بقتلهم او فتح معسكرات اعتقال لهم على غرار معتقل غوانتنامو في كوبا.
ربما يتهمنا البعض بالمبالغة، وهو ليس الاتهام الاول على اي حال، وردنا بسيط ونختصره بالقول ان المخابرات البريطانية اعتقلت بالامس سخصين مسلمين في مطار هيثرو كانا عائدين من سورية، بتهمة التورط في اعمال ارهابية، ومن المتوقع ان يواجه كل المسلمين البريطانيين الذين لبوا دعوة الجهاد في سورية المصير نفسه.
بمعنى آخر عندما يقاتل هؤلاء في بلد يريد الغرب اسقاط نظامه، فإنهم مقاتلون من اجل الحرية، وفور انجاز المهـــمة وخروجــهم من ميادين المعارك سالمين فإنهم يتحولون فـــورا الى ارهابيين، يجب مطاردتهم واعتقالهم او حتى قتلهم، كنوع من رد الجميل ومكافآتهم على تضحياتهم وانجازاتهم. فالولايات المتحدة ارسلت 20 طائرة بدون طيار، وفتحت لها قاعدة عسكرية في ليبيا، من اجل مطاردة عناصر جهادية ابلت بلاء حسنا في القتال لإسقاط نظام العقيد القذافي، لتصفيتها انتقاما لمقتل السفير الامريكي وثلاثة من الدبلوماسيين الآخرين اثناء اقتحام القنصلية الامريكية في بنغازي، ولا نستبعد تكرار السيناريو نفسه في سورية لاحقا.
‘ ‘ ‘
الاردن يغرق بشكل متسارع في الرمال السورية المتحركة والملتهبة، وربما يأتي ثمن هذا التورط مكلفا للغاية، خاصـــة اذا اندلعـــت حرب اقليمية طائفية في المنطقة قد تتطور الى حرب عالمية ثالثة، فالامريكان ينسحبون من ميادين الصراع اذا ما تفاقمت خسائرهم البشرية والمالية، ويتركون عادة حلفاءهم المحليين يدفعون الثمن وحدهم من أمنهم واستقرارهم، واسألوا حميد كرزاي، ومن قبله برهان الدين رباني، واحمد الجلبي واياد علاوي والباجه جي في العراق، ولا ننسى فيتنام في هذه العجالة.
ندرك جيدا ان مساعدات مالية كبيرة تتدفق على الاردن حاليا من امريكا وحلفائها في دول الخليج لسد العجوزات في ميزانيته، وكمكافأة لاستضافة القوات الحالية واللاحقة، ولكننا نتحدث هنا عن الخسائر الامنية والبشرية، والمتغيرات الاقليمية والاستراتيجية التي تحدث عادة في مراحل ما بعد انتهاء الحروب، او كأعراض جانبية لها، وبعضها اعراض قاتلة لا شفاء منها.
علمنا آباؤنا ‘الفلاحون’ ان ظهور طائر القرقز (ابو فصادة) في الحقول هو مؤشر على نضوج الزيتون وبدء موسم الخريف، مثلما علمتنا متابعة التحركات الامريكية في العراق وافغانستان وليبيا ان بدء وصول قوات امريكية الى ‘منطقة ما’ هو مقدمة لحرب طويلة مدمرة.
نعتذر لطائر ابوفصـــادة الجمــــيل الوديع على هذه المقارنة ومفارقاتها

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
7 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.