لفينشنال تايمز: قضية الجنوب أحد المشكلات الكبيرة التي تشكل مصدر قلق للأمن العالمي
قالت صحيفة الفينشنال تايمز البريطانية في تقرير سياسي مطول لها عن الجنوب ان حركة الاحتجاجات في جنوب اليمن باتت لا تشكل احد أهم المشاكل الكبيرة التي تواجه اليمن بل احد اكبر المشاكل التي تشكل مصدر قلق للأمن العالمي موضحة ان هناك فكرة راسخة في جنوب اليمن وعلى نطاق واسع والتي تقول إن مجتمعاتهم تختلف اختلافا جذريا عن المجتمعات في المناطق الشمالية , حيث يعتبر العدنيون أنفسهم مثالا لحياة التحضر والرقي كما يعتبرون مدينتهم مدينة تضم جميع الأعراق وهم فخورون بالروابط المدنية التاريخية مع الهند ( المدينة التي حكمت من قبل الانجليز من مدينة بومباي الهندية حيث كانت عدن تملك أحد أكثر الموانئ ازدحاما في العالم ).
رحلة إلى أرض في طي النسيان.
الغضب, الحنين, الخوف. رحلة إلى عدن يسدل الستار عن تصارع الناس حول مستقبل أمتهم .
أبيجيل فيلدينج سميث
منذ فترة ليست بالطويلة , قمت بجولة حول حصن الكنيسة الفكتوري والتي تطل على ميناء عدن الجنوب الغربي من البلاد للمرة الأولى منذ أكثر من عام . المكان الذي يكتوي بجحيم السيارات المفخخة والذي يقع في الجزء السفلي من شبه الجزيرة العربية حيث الصخور البركانية مع امتداد السواحل الخالية بشكل غريب , كل هذا لم يوقفني عن التفكير عن مدى التغير الكبير الذي حصل للمدينة.
عندما زرت مدينة عدن والتي كانت آخر زيارة لي مع نهاية العام 2010 قبل اندلاع الثورة والتي أسقطت الرئيس السابق علي عبد الله صالح حيث كانت البلاد في ذلك الوقت اقرب إلى الدولة البوليسية الاستبدادية وبعبارة أخرى بلاد كانت محكومة بالفوضى , كان الجنود في كل مكان وكان الناس يخشون الحديث مع الصحفيين في الشوارع العامة , ولكن اليوم أصبح الوضع مغاير للسابق فهناك مناهضة كبيرة للحكومة حتى على الجدران في جميع أنحاء المدينة كما حذرتنا الحكومة بالابتعاد عن احد الشوارع وذلك لتواجد بعض القناصة , وعلى الطريق الشرقي السريع للمدينة يجري قتال شرس بين قوات الجيش ومتشددي القاعدة والتي تركت أضواء الشوارع منحنية مثل الأشجار المقطوعة التي تمر عليها عاصفة .
كانت عدن في الماضي مستعمرة بريطانية , وفي غضون 30 عاما كانت عاصمة مستقلة مدعومة من قبل الاتحاد السوفييتي قبل أن تكون جزء من اليمن الموحد الجديد, بعد فترة لم تكون بالطويلة للدولة الانفصالية , والتي نهبت من قبل وحدات الجيش الحكومية في وقت لاحق , السكان المحليون في المدينة يصفون الوضع المضطرب في هذه المدينة المنسية خلال العام الماضي فقط على أنه أشد خطورة من أي شيء قد شهدوه في الماضي .
محمد علي أحمد والذي عاد مؤخرا إلى المدينة بعد حوالي ما يقارب ثلاثة عقود والمخضرم في الحرب الانفصالية في الجنوب يقول : الحكومة ليست قوية والناس لا زالوا غير متحررين ,ويضيف إنها نوع من الفوضى لم يعد بمقدور أحد السيطرة على أي شيء" والتي ربما لا تكون من أوليات العاصمة صنعاء حيث تجري هناك الاشتباكات بين الرئيس الجديد وفلول النظام البائد , ولكن الجنوب اليوم ينزلق خارج نطاق السيطرة حيث خلقت هذه الفوضى ملعبا مثاليا للصراعات على السلطة ناهيك عن تواجد القاعدة . إضافة إلى القاعدة الشعبية التي يمثلها الجنوبيون والتي تنبؤ عن عواقب كارثية في حالة إذا تم تجاهل قضيتهم , إن ما يحدث في الجنوب اليوم ليست أحد المشكلات الكبيرة التي تواجه اليمن فحسب ولكنها قد تكون مصدر قلق للأمن العالمي .
ويقول محمد المخلافي وهو عضو في الحزب الاشتراكي في صنعاء " صعود القضية الجنوبية اليوم كانت نتيجة لعد التعامل معها لسنوات طويلة في الماضي " محاولا دفع الحكومة اليمنية الجديدة إلى اعتماد قانون يقوم بمعالجة المظالم التي وقعت على الجنوب وهو البديل لاغتنام هذه الفرصة نحو التغيير بدلا من زج الدولة نحو الفوضى.
التوقع بالفوضى ليس بالشيء الجديد, فكل بضع سنوات (أو على نحو متزايد أشهر) يكون هناك حدث كما حصل مع السفارة الأمريكية مؤخرا في العاصمة صنعاء والذي سيعطي اليمن مطالبة بسيطة للحصول على الاهتمام العالم, وفي سلسة المشاكل المألوفة في اليمن كالفقر وندرة المياه والقاعدة إضافة إلى القبائل المدججة بالسلاح الثقيل سيتم التغلب عليها ولكن هذا الإيحاء لم يأت بعد , تاركا ذلك الطابع الذي يقول بان هذه الأرض المكونة من الصخور والقلاع والرقصات بالخنجر تظل مرونة غير عادية وفي واقع الأمر يتم إخفاء تزايد الاختلالات في المناطق الأقل وضوحا مثل الجنوب حيث يسعى المواطنون جاهدون والذين يعتريهم الخوف لمعرفة المكائد التي يقوم بها اللاعبون السياسيون .
حيث يرمز إلى حالة عدم اليقين عن طريق ما تشهده محافظة أبين وهي محافظة زراعية تقع شرق مدينة عدن , حيث الجمال تجر العربات التي تحمل المحاصيل الإنتاجية , والتي سيطر عليها مسلحون إسلاميون إبان ذروة الانتفاضة اليمنية في العام الماضي والتي كانت نتيجتها إرسال عشرات الآلاف إلى مدينة عدن بحثا عن الأمان , حيث تعرف هذه الجماعة بأنصار الشريعة والذي يعتقد أنها خليط من أفكار القاعدة الإيديولوجية , والتي يكون أعضاؤها متذمرون محليون أو حتى بعض العناصر التي ترتبط بالنظام البائد .
ووفقا لما يقوله الناشط في مجال حقوق الإنسان عادل وهو احد ساكني مدينة جعار حيث فضل عن عدم كشف اسمه الأخير " قابل المسلحون مقاومة بسيطة هناك , ويضيف " لم يجبروا الناس هناك لكنهم حاولوا أن يكسبوا العقول والقلوب , لقد فعلوا شيئا لم يكن بمقدور الحكومة ولا المشايخ القبلية أن تفعله لقد فرضوا سيادة القانون".
وعندما زرت أبين في الصيف , كان المسلحون قد غادروا مواقعهم بعد قتال عنيف مع القبائل المحلية والجيش , حيث كانت النتائج اضرار كبيرة ناجمة عن هجمات يشتبه في كونها ضربات قامت بها طائرات أمريكية من دون طيار وكان أحدهم قد كتب على أحد المساجد المدمرة : هل هذه هي الديمقراطية ؟؟؟ , مدينة زنجبار حيث ناقلات الجند المدرعة تقف في ظل المباني المدمرة والفارغة إلى حد كبير في حين مدينة جعار تحمل صورا اقل بكثير للقتال الذي دار في أبين .
لم يكن بمقدور أحد أن يشاهد الجيش في أي مكان في المدينة في ظل غياب تام لأي سلطة أخرى لكن مجموعة من المحليين حالوا تشكيل لجنة تقوم بإدارة المدينة , حيث قام أحد الرجال بقطع السوق كي يقابلنا ويقول " لقد مر شهر على مغادرة تنظيم القاعدة , ولم نشعر بقدوم أي قوة أمنية ويضيف " نحن نحاول جاهدين تنظيف القمامة من الشوارع العامة وإدارة الأسواق إضافة إلى مراقبة اللصوص ,,لم تأت الحكومة ولم تفعل أي شيء ".
مثل غيره من سكان جعار , لم يقتنع أبدا من أن المتشددين قد ذهبوا حقا , حتى أنه لم يمل أحدا إلى إنزال لافتاتهم من على الشوارع والجدران , ترى أناس مسلحون ولكنك لا تعرف من هم بالضبط فقد يكونوا ربما من تنظيم القاعدة , وفي الوقت نفسه يتردد النازحون في مدينة عدن من الرجوع إلى ديارهم وذلك لأنهم مقتنعين أن المنطقة لا زالت غير آمنة والذي يثبت هذا الحذر ما حصل في الخامس من آب حيث قتل مهاجم انتحاري ما يقارب 45 شخصا في مدينة جعار.
هناك فكرة راسخة في جنوب اليمن وعلى نطاق واسع والتي تقول إن مجتمعاتهم تختلف اختلافا جذريا عن المجتمعات في المناطق الشمالية , حيث يعتبر العدنيون أنفسهم مثالا لحياة التحضر والرقي كما يعتبرون مدينتهم مدينة تضم جميع الأعراق وهم فخورون بالروابط المدنية التاريخية مع الهند ( المدينة التي حكمت من قبل الانجليز من مدينة بومباي الهندية حيث كانت عدن تملك أحد أكثر الموانئ ازدحاما في العالم ).
ويصور محمد على أحمد الثقافة السياسية في الشمال على أنها تقوم على " التضحية بالأبقار "
حلت الحكومة الماركسية محل بريطانيا والتي حكمت جنوب اليمن , في ذلك الوقت دخلت دولة الجنوب في اتفاقية مع دولة الشمال لتوحيد البلاد في العام 1990 ولكن سرعان ما توترت العلاقة, ويقول محسن فريد صاحب الرأس الأحمر في الستينات من العمر ناشط في حقوق الجنوبيين " كتبنا المدرسية تدعونا إلى التمسك بالوحدة " وبضيف كنا على قدر كبير من التفاؤل من أن إخواننا في الشمال على نفس المستوى من الفهم والإخلاص للوحدة , أنظر إلى عدن الآن العاصمة الجنوبية أصبحنا نستخدم المشاعل بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي , لقد كنا نملك دولة نعم دولة حقيقية , لقد كنا نملك مؤسسات.
يظل هناك الكثير من الحنين لدولة الجنوب الديمقراطية الشعبية في اليمن في هذه الأيام, هناك معرض أقامه بعض الناشطين من أبناء الجنوب والذي يمثل فيه الحقبة الزمنية في تلك المرحلة حيث يظهر فيها نساء يلعبن الشطرنج من دون حجاب , حيث ازدهرت في ذلك الوقت مدارس محو الأمية والتي زودت الخدمات الأساسية , ولكن الخلافات السياسية كانت قد وصلت إلى ذروتها في يناير كانون الثاني للعام 1986 حين قتل الآلاف من الناس في سلسلة من الاشتباكات.
نشطاء جنوبيون يقولون لا توجد هناك مبررات , لقد تم معاملة الجنوب كغنيمة حرب عندما اجتاحت جيوش الحكومة المركزية في العام 1994 , حيث تأثرت العمالة المدنية بعد ذلك بشكل كبير حيث تزايدت البطالة وانخفضت الخدمات المدنية , وخلال العام 2007 بدأت الاحتجاجات تجتاح الجنوب , حتى أن فريد تم اعتقاله عدة مرات وفي العام 2010 يقول بن فريد لقد قامت قوات الأمن بإيداع طفل يبلغ من العمر 15 عاما . هل يستطيع أحد أن يتخيل وضع طفلا تحت الأرض لعدة أشهر؟
عندما تصاعدت الاحتجاجات بعد اندلاع الربيع العربي كذلك تصاعدت أعمال القمع , كما سجلت منظمات حقوقية كمنظمة هيومن رايتس مقتل تسعة أشخاص على الأقل برصاص قوات الأمن في مدينة عدن في فبراير 2011 , ولكن فيما يبدوا أن الحكومة التي تتحمل فوق طاقتها لا تستطيع أن تمنع أشكال أخرى من المعارضة.
لوحات كبيرة لشهداء سقطوا إبان الاحتجاجات جعلت المدينة تبدوا وكأنها محررة , علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في كل مكان في عدن , معارض للصور الفوتوغرافية واللائحات الديكورية ,, الناس مثل معجون الأسنان , إذا خرج من مكانه لن تستطيع وضعه مرة أخرى في مكانة , أمين أحد الناشطين.
ويقول أنصاف مايو رئيس حزب الإصلاح الإسلامي في عدن "لا يريد كل شخص الانفصال أو يتوجس من الحكومة المركزية هناك كثير ممن يريدون الحكومة , الذين يطالبون بالانفصال هم قلة قليلة في الواقع , والمقترح الذي يتحدث الناس عنه الآن هو الحل الفيدرالي والذي من شأنه أن يعطي حكما ذاتيا أكثر للجنوب والحق في إجراء استفتاء على الاستقلال في وقت لاحق .
الأصوات التي تدعو إلى إيجاد حلولا جذرية هي الأصوات التي تعلوا دائما , صحيفة الأيام هي أول من دعا إلى هذه الفكرة بعد الحرب في عام 1994 , ويقول تمام باشراحيل مدير تحرير صحيفة الأيام المحظورة في الوقت الراهن : إذا خرجت الآن من هذا الباب وتحدثت عن الفدرالية سيتم ضربي إذا لم أقتل ويأتي ابن أخيه هشام قائلا : عدن أصبحت مكانا ينعدم فيه القانون ومسرحا للعنف . حيث تؤكد الحكومة على تواجد عناصر مسلحة من الحراك الجنوبي على الرغم من نفي الحركة لهذه التهم , ويخشى الكثيرون من أن تنزلق المسألة في اتجاه الكفاح المسلح في حالة إذا لم يتم التصدي لها , ويقول أحد ناشطي الحركة وهي يجلس في غرفته كان قد كشف لنا عن خيارات الحركة " نحن لا نريد أن نصل إلى هذا الخيار لكن إذا شعرنا أنا مضطرون لذلك سوف نقوم بها " كما قال.
الجميع يؤكد على الوصول إلى حل سياسي , فهناك المؤتمر الوطني الذي يحاول حل القضايا مثل قضية الجنوب حيث من المقرر أن يعقد في وقت لاحق من هذا الشهر , ولكن المشكلة تكمن في حركة الاحتجاجات الجنوبية كونها مجزأة حتى وان كانت الحكومة المركزية مستعدة لتقديم صفقة قابلة للتطبيق على أرض الواقع, فالحركة الجنوبية يمكن أن تصبح أكثر من ذلك , فهذا النوع من القيادة تميل أن تكون في شرك للعبة المكيافيلية(الماكرة) في السياسة اليمنية . وأفضل تلخيص لما يجري اليوم على الساحة اليمنية ما يقوله أحد المحليين " إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ".
إن هؤلاء الناس الذين يعيشون في هذا الوضع الراهن يكافحون من أجل فهم السياسة المتشابكة ولكن بمقدورهم أن يستشفوا النمط الأساسي , وفي ليلتنا الأخيرة في مدينة عدن , استوقفنا رجل عجوز عندما كنا عازمون على مغادرة أحد المقاهي بعد أن شربنا الشاي والذي قد تدفق عليه الناس عند وقت الغروب , أراد أن يوصل إلينا الفكرة التي تقول ما إذا كنا قد رأينا الانحطاط الذي حصل في البلد الذي راه , فقال الرجل العجوز بينما كنا مارين على امتداد أكياس من القمامة " لقد كان البريطانيون الأفضل, لقد جعلوا من عدن زهرة جميلة.
كل ما جاء بعد ذلك كان أسوأ بكثير من ذي قبل ,,,
- قرأت 558 مرة
- Send by email