رؤية مختصرة لاستقلال القضاء اليمني وفقاً للمعايير الدولية:

الحلقة الاولى اصلاح الجهاز القضائي (التعديلات الدستورية والقانونية المطلوبه )

      الحلقه الأولى
                                             مقدمة :
يستمد استقلال القضاء اهميته من اهمية وجود القضاء نفسه .فاذا كان القضاء سلطة دستورية لازمة لكيان الدولة ،واستقرارها ،فان استقلاله واجب لتطبيق القانون،وفرض احترامه وحماية الحقوق والحريات ،والتمكن م ن تحقيق العدالة وسريان مفعولها،
كما توجد علاقة تلازميه بين استقلال القضاء وتوطين الديمقراطيه،واشاعة قيمة الحرية في الدولة والمجتمع،
و ليس صدفة ان يحظى القضاء بمكانه خاصة في عموم الانظمة الديمقراطية ،وبمفهوم المخالفة ،ليس غريبا ان يكون القضاء في المجتمعات التي تسود فيها ثقافة الاتباع والخضوع .في وضع استصغار ،لا نها مجتمعات يتعذر عليها استنبات الديمقراطية في مؤسساتها ،لذلك ظل القضاء في بلادنا ومازال تحت سيادة النظم العسكرية التسلطية وتابعا بشكل مطلق لتوجيهات السلطة التنفيذية ،حتى فقد المجتمع الثقة فيه ،
وبناءعلى ذلك فان مسألة استقلالية السلطة القضائية لم تعد شانا داخليا يخص الدولة وانما اصبحت مسألة دولية ،تستطيع اي دولة او منظمة دولية حكومية او غير حكومية مختصه بحقوق الانسان اثارتها ضد الدولة بااعتبارها تتعلق بحقوق الانسان ولاتستطيع الدولة الاخرى ان تتمسك في مواجهة ذلك بحقها في عدم التدخل في شئونها الداخلية ،(1)
وسنحاول في هذه الورقة استعراض وضع السلطة القضائية اليمنية في البنية التشريعية اليمنية ،الواقع ومتطلبات وضمانات استقلال القضاء ،ومدى مخالفة نصوص الدستور والقانون اليمني المتعلقة بالسلطة القضائية للعهود والمواثيق والقرارات الدولية االمتعلقة باستقلال السلطة القضائية،،
ونختتم الورقة بعدد من التعديلات المقترح تضمينها في الدستور والقانون اليمني لتوافق المعايير الدولية .
الفرع الاول :
وضع السلطة القضائية في البنية التشريعية اليمنية:
السلطة القضائية هي احدى السلطات الثلاث في الانظمة الديمقراطية المعاصرة وتأخذ حيزافي دساتيرها تبين فيه تعريف السلطة القضائية ومهامها وحدود سلطاتها وتشكيلها واقسامها غير ان دستور الجمهورية اليمنية عام 91م لم يعتبرها في التبويب من سلطات الدولة التي شملها الباب الثالث حيث خصص لها باب لاحقا هو الباب الرابع الامر الذي يوحي باانها مجرد مرفق خدمي بل ان العنوان كان مثيرا للبس حيث لم تذكر السلطة وانما (القضاة واعضاء النيابة)(2)
حتى جاء التعديل الدستوري عقب حرب صيف عام 94 الذي اورد احكام السلطة القضائية في الفصل الثالث ضمن الباب الثالث المخصص لتنظيم سلطات الدولة تحت عنوان السلطة القضائية وقد خصص الفصل الاول من الباب الثالث للسلطة
التشريعية نظم احكامها في اكثر من اربعين مادة وخصص الفصل الثاني من نفس الباب للسلطة التنفيذية نظم احكامها في 45مادة والفصل الثالث خصصه للسلطة القضائية ونظم احكامها في 6 مواد
ليس الا.
حيث رأى المشرع ان ست مواد تكفي لتنظيم السلطة القضائية في الدولة الامر الذي يتبين منه ان السلطة القضائية قد نالت من المواد الدستورية لتنظيمها اقل من السلطتين الاخريين.
وتستفتح المواد الدستورية الخاصة بالسلطة القضائية ببيان ان القضاء سلطة مستقلة والنيابة العامة هيئة من هيئاته حيث
تقضي المادة (149) من الدستور بأن : {القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً وإدارياً والنيابة العامة هيئة من هيئاته ، وتتولى المحاكم الفصل في جميع المنازعات والجرائم، والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية جهة وبأية صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شؤون العدالة ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم } الا ان القضاء والقضاة ظل وضعهم متدني لدورهم غير الهام في ذاك النظام ، حيث يعاملوا بصفتهم موظفين يؤدون وظائف كتابية ،ومن أبرز مؤشرات الوضع المتدني للقضاء إبعاده عن الرقابة القضائية على ممارسات القوى السياسية ، ويظهر ذلك جليا مما يلي(3) :
أ ) النص على مبدأ استقلال القضاء في آخر الباب الثالث في الفصل الخاص بالقضاء ، وكأنه استقلال القضاء والقضاة شأن خاص بهم ، وليس من أهم شئون الأمة كلها .
ب) أن آخر تعديل للدستور – في 2001م – قد شمل المادة (149) السالف ذكرها الخاصة بـ"أصول تعديل الدستور" ، بجعل تعديل بعض النصوص – أو أكثرها – لا يتم إلا بالاستفتاء ، ومنها ما لايحتاج لاستفتاء ومن ذلك جميع مواد الفصل الخاص بالقضاء .
ج) رغم النص أعلاه ورغم أن الدستور صريح في اعتبار القضاء سلطة من سلطات الدولة إلا أن ذلك مجرد كلام وتزيين للدستور ليس إلا ، بدليل أن القضاء يعامل كتابع للسلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل ، فنصوص القانون رقم (1) لسنة 1991م بشأن السلطة القضائية يقرر تبعية القضاة – في المحاكم الابتدائية والاستئنافية – ماليا وإداريا لوزير العدل ، كما تتبعه وبنص القانون هيئة التفتيش القضائي . وغير خاف أن هذا أول قانون أساسي صدر عقب الوحدة المباركة وبموافقة ومباركة جميع القوى السياسة الموجودة في الساحة والمشاركة في السلطة آنذاك . ليس ذلك فحسب بل إن لمجلس الوزراء – من الأمور الهامة المتعلقة بالقضاء والقضاة – ما ليس لمجلس القضاء الأعلى ، ومن ذلك :
1. أن مجلس القضاء الأعلى لا يملك أن يتخذ أي قرار بشأن استحقاقات القضاة المالية ، فذلك منوط بمجلس الوزراء بنص المادة (67) من قانون السلطة القضائية التي تصرّح بأنه : { تحدد المرتبات والبدلات لأعضاء السلطة القضائية وفقا للجدول الملحق بهذا القانون ، ويجوز بقرار من رئيس الوزراء بناء على عرض وزير العدل منح بدلات أخرى لأعضاء السلطة القضائية غير ما ورد بهذا القانون } .
ولم تكتفي السلطة التنفيذية بذلك بل قامت بمخالفة القانون بخفة وجسارة حيث اصدر رئيس الوزراء بناء على عرض وزير العدل جدول يحدد مرتبات اعضاء السلطة القضائية في عام2000م استحدثا بموجبه درجات قضائية لم ينص عليها قانون السلطة القضائية ،وهي درجتي نائب رئيس استئناف ورئيس محكمة استئناف في حين ان المادة (58)من قانون السلطة القضائية قد حددت وظائف السلطة القضائية على سبيل الحصر ولم تذكر تلك الدرجتين، فكيف تجرأت السلطة التنفيذية لتعديل القانون بقرار اداري ؛؛؛؛واستحدثت درجات قضائية ما انزل الله بها من سلطان،
2. كما لا يملك مجلس القضاء الأعلى تقديم أي من مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء أو حتى تعديلها – بما في ذلك قانون السلطة القضائية – وإنما يتم تقديم ذلك عن طريق الحكومة أصلا أو عن طريق أي من أعضاء البرلمان استثناء . إعمالا لنص المادة (85) من الدستور .
3. كما أن اجتماعات مجلس القضاء الأعلى لا تكون صحيحة إلا بحضور وزير العدل ، ولو حضر رئيس وأعضاء المجلس جميعهم . وهذا ما تقرره صراحة المادة (106) من قانون السلطة القضائية .
ما سلف ليس إلا غيض من فيض ، فهل من معنىً بَعْدُ لاستقلال القضاء .
د ) تقضي المادة (150) بأن : {القضاء وحدة متكاملة ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها كما يحدد الشروط الـواجب توفرها في من يتولى القضاء وشروط وإجراءات تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم والضمانات
الأخرى الخاصة بهم ولا يجوز إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال} . هذا النص يقرر صراحة وحدة القضاء اليمني – أي الأخذ بنظام القضاء الموحد – باعتبار أن هذا النظام موافق للأصل الشرعي ، لهذا حظر الدستور إنشاء محاكم استثنائية {بأي حال من الأحوال} . هذا ما تعاقدت عليه الأمة وارتضاه الشعب باستفتائه على الدستور ، بيد أن المقنن قد خرج عن مبدأ وحدة القضاء اليمني بنصوص دستورية وقانونية ، منها :
1. المادة (68) من الدستور التي تمنح مجلس النواب ولاية قضائية للفصل في المنازعات المتعلقة بصحة العضوية فيه . بزعم أن "المجلس سيد قراره" . وستأتي مناقشة أوجه الخلل في ذلك النص لاحقا . وقد كان من ثمار "ثورة 25 يناير" في مصر إلغاء النص المثيل لهذا النص من دستورها.
2. المادة (153/د) من الدستور التي تجعل المحكمة العليا مختصة بـ{محاكمة رئيس الجمهورية ونائب الرئيس ورئيس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وفقاً للقانون} . أما عبارة : "وفقا للقانون" فقد كانت ذريعة لإصدار قانون خاص بمحاكمة هؤلاء ، هو القانون رقم (6) لسنة 1995م . بشأن محاكمة شاغلي الوظائف العليا
3. المادة (8/ب) من قانون السلطة القضائية ؛ فبعد أن أوردت الحظر الدستوري بعدم إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال ، أضاف إلى النص فقرة (ب) تنص على أنّه { يجوز بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناء على اقتراح وزير العدل إنشاء محاكم قضائية ابتدائية متخصصة في المحافظات متى دعت الحاجة إلى ذلك وفقا للقوانين النافذة} . فالمقنن بهذه الفقرة قد خرق الحظر الدستوري مستثنيا حالة واحدة هي المحاكم الخاصة، وقد ترتب على هذا الخرق الدستوري وجود أقضية خاصة( ) ومحاكم خاصة( ) . أمّا محاولة تجاوز هذا الحظر بتسمية المحاكم الخاصة بـ"المتخصصة" فلا يُضفي عليها الشرعية ، أو يُخرجها من كونها محاكم مستثناة من الأصل العام المقرر دستوريا . فإنشاء محاكم خاصة لنظر منازعات بعينها يترتب عليه تمييز بعض شرائح المجتمع عن غيرها أو الإضرار بشريحة دون غيرها . وإذا كان ثمة محاكم وأقضية خاصة في بعض دول العالم ، فهي الدول ذات القضاء المزدوج ، وحتى في هذه الدول فإن إنشاء كل صنف يتم بقانون خاص ، أما في اليمن فإن المقنن قد تنازل عن هذا الدور تاركا إيّاه لغيره!!! (وزير العدل ومجلس القضاء) ، ويُعدُّ هذا تفويضا تشريعيا ، وأمر كهذا لا يملكه المقنن ؛ إذ أن إنشاء المحاكم من مهام المقنن الأصيلة ، وهذا ما يقرره النص الدستوري أعلاه بقوله : {ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها} ، وبهذا التفويض التشريعي لم يعد ثمّة معنى لمبدأ الفصل بين المؤسسات ومبدأ الرقابة المتبادلة بينها . فبهذا التفويض لجهة الإدارة في تحديد اختصاص المحاكم صارت المحاكم الخاصة في اليمن (ذات القضاء الواحد) أكثر بكثير من غيرها من الدول (ذات القضاء المزدوج) ، فلا يوجد – ولم يسبق – تشتيت وتمزيق القضاء على هذا النحو في أي مكان أو زمان( ) .
4- المادة (100/1) من قانون تنظيم مهنة المحاماة الذي جعل الاختصاص بنظر دعاوى إلغاء قرارات الجمعية العمومية للنقابة ومجلس النقابة أمام المحكمة العليا مباشرة . وكذلك الحال في قانون الجامعات فقد جعل المحكمة العليا هي المختصة بدعاوى إلغاء قرارات مجلس الجامعة بفصل أعضاء هيئة التدريس(مادة 46). فنصوص كهذه تتضمن مخالفة صريحة للنظام العام فهي تميز القرارات الصادرة عن هذه الجهات عن غيرها ، وتفوت على المدعي (الطرف الضعيف) درجتي التقاضي ابتداء واستئنافا . وبهذا يفقد المحكوم عليه أهم ضمانات التقاضي . فلا يستساغ أن يحرم الموظف في الجامعة من اللجوء إلى المحاكم العادية كغيره من الموظفين ويجبر على اللجوء مباشرة إلى المحكمة العليا . وكذلك الحال بالنسبة للمحامين ومنهم مواطنون شأنهم شأن غيرهم .
هـ) تنص المادة (68) على أن : { يختص مجلس النواب بالفصل في صحة عضوية أعضائه ويجب إحالة الطعن إلى المحكمة العليا خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تسليمه للمجلس وتعرض نتيجة التحقيق بالرأي الذي انتهت إليه المحكمة على مجلس النواب للفصل في صحة الطعن خلال ستين يوماً من تاريخ استلام نتيجة التحقيق من المحكمة، ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر من مجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس ، ويجب الانتهاء من التحقيق خلال تسعين يوماً من تاريخ إحالته إلى المحكمة } .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - د خالد محمد جمعة مبدأ استقلال القضاء في العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والدستور الكويتي منشور في مجلة الحقوق العدد 1-لسنة 32 ربيع الاول 1429ه- مارس 2008 صفحة 154
2- دمطهر اسماعيل العزي المبادىء الدستورية العامة والنظام الدستوري للجمهورية اليمنية مركز الصادق صنعاء ط 3 ص443
3- القاضي عبد الملك عبدالله الجنداري اسباب انتفاضة الشباب تشخيص واقعي شرعي قانوني بحث غير منشور يونيو 2011ص19
4 - كالقضاءين العسكري والتجاري .
5 - تتمثل في المحاكم التالية :
1. الجزائية المتخصصة .
2. الجزائية العادية . (محاكم أنشئت في بعض المحافظات خاصة بنظر الجرائم الجسيمة فقط في عموم المحافظة)
3. الأموال العامة .
4. الصحافة والمطبوعات .
5. الضرائب .
6. المرور .
7. المخالفات .
7 -) إذ يصدق عليه أمين عام مؤتمر العدالة المصري المستشار أحمد مكي ، إذ يقول : "لا أعرف بلدا حرص على تمزيق سلطة القضاء والتحقيق بين جهات شتّى مثل بلدنا . فالعهد بالأمم – إذا استقلت بإدارة شئونها – أن تعمل على استقلال ووحدة قضائها، هكذا فعلت مصر حين نالت استقلالها ؛ فألغت المحاكم القنصلية المتعددة عام 1875 وأحلت محلها المحاكم المختلطة ، ثم ناضلت لإلغاء المحاكم المختلطة عام 1949 لتجمع سلطة القضاء في يد المحاكم الأهلية والشرعية ، ثم ألغيت الأخيرة عام 1955 بدعوى توحيد القضاء ، ثم نكصنا على أعقابنا : تُفتتُ سلطة القضاء والتحقيق إلى شظايا ؛ قضاء عادي وآخر إداري وثالث عسكري وخاص بأفراد الشرطة ثم أمن دولة ومحكمة قِيَم ولجان يصعب حصرها . ونيابة عامة عادية وأخرى إدارية وثالثة عسكرية ومدع اشتراكي له مساعدون من القضاة وغير القضاة ، حتى زادت جهات القضاء عندنا عن عدد المحاكم القنصلية . فهل مِن حِكمة؟!! ، وهل تخلصنا من الاحتلال لنقع في طور التفكُّك والانحلال ؟ أم المقصود هو القضاء على القضاء؟!!" (راجع ورقته الموسومة بـ"أضواء على طريق الاستقلال المؤتمر الأول لمراجعة نظام التقاضي ومشكلات العدالة في مصر" ، الوثائق الأساسية لمؤتمر العدالة الأول ، القاهرة 20 – 24 إبريل 1986م)

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
1 + 4 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.