خيارات التعامل مع الحراك الجنوبي
في بداية هذا السطور أقول إن على الكاتب عندما يتطرق إلى قضايا وطنية هامة كخيار التعامل مع الحراك الجنوبي اليمني أن يتجرد من الانتماء الحزبي أو حتى اليمني وما يتفرع منهما، على الأقل حتى يتم كتابة المقال، وأنا هنا سأعتبر نفسي مخلوقاً فضائياً ينظر إلى ما يجري في اليمن من أجواء الكرة الأرضية، لا يهمه وحدة اليمن ولا تفككها، وسأتناول موضوع الحراك الجنوبي الذي يعتبره سكان هذه القطعة من الأرض أكبر قضية تزعزع أمنهم ووحدتهم، وللعلم أنني لن أنظر إلى مسببات الحراك بل إلى ما أشاهده من بعيد في هذه الأيام، المشاهدة التي ستمكنني من توقع مآله، وبالتأكيد أنني الآن أشاهد أن المنطقة الجنوبية أو ما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مليئة بأعلام دولتهم القديمة دون أن يلقى هذا النشاط أي اعتراض من رجال دولة الجمهورية اليمنية ليس لأنهم راضون بهذا التصرف، بل خوفاً من تطور القضية إلى وضع أسوأ فيما لو حاولوا منع لصق أو رفع هذه الأعلام، أشاهد أيضاً مسيرات أسبوعية تجوب هذه المدن وهي ترفع علمها القديم وتطالب برحيل المحتل دون أن تلقى أي اعتراض للسبب السابق نفسه، أشاهد أيضا قناة فضائية تبث لمدة 24 ساعة في اليوم باسم الحراك الجنوبي باعتباره الممثل الشرعي لهذه المنطقة، أشاهد أيضاً كبار مسئولي الدولة القديمة وهم يشرُّون وقود الحراك في هذه المنطقة، سواء أولئك الموقعون على اتفاقية الوحدة في عام 1990 أم أولئك الذين كانوا معارضين أو صامتين أو فارين، هذا الحراك يا أصحاب الأرض أصبح ينفذ إجراءات ما كان سيتم القبول بها إطلاقاً لو كانت هناك دولة وحدوية حقيقية، وهذا مؤشر خطير جداً على وحدتكم، فلو تم ذلك في أي دولة لما قبلت بها سلطتها إن كانت سلطة وحدوية، وإذا جئنا إلى مكونات الحراك الجنوبي فسنجده من جميع الأحزاب السياسية بل ومن أعضاء حكومة الوحدة الوطنية ومن قادة الجيش ومن بسطاء الناس المدنيين والعسكريين أي أنه غير مذهبي ولا فئوي ولا مناطقي ولا شعبي ولا رسمي فقط بل خليط من كل ذلك.
أشاهد أيضا أن اللجنة التحضيرية للحوار الوطني قد أقرت أن يمثل الجنوبيون في المؤتمر الوطني المزمع بما نسبته 50% وبحيث تكون نسبة الحراك في حدود 15% وهذا بدون شك اعتراف بأن الحوار بين دولتين لا بين مكونات دولة واحدة، ورغم ذلك فالحراك لا يريد إلا أن يكون هو المختص بتحديد أسماء الجنوبيين بشكل عام أي أنه لن يكتفي بالنسبة المحددة له من اللجنة التحضيرية، أنا كمتفرج أقول لو كان أعضاء لجنة الحوار أو من يأمرهم يريدون الحفاظ على الوحدة لما قبلوا بهذا الشرط التناصفي ولتركوه لمكونات المؤتمر، وهنا قد يزيد أو ينقص قوام الجنوبيين عن النصف حتى وإن أصبح من يمثل الجنوب النصف بالتمام والكمال أو حتى أكثر، وهو بصفة حزبية أو مجتمعية دون أن يوافق عليه رسمياً فإن الوضع كان سيكون أفضل لمن يريد أن يتبنى الوحدة الوطنية، أما أن تكون المناصفة معلنة ومقرة رسمياً فهذا قد يكون الخطوة الأولى للانفصال.
ورغم هذه المخاطرة من قبل اللجنة التحضيرية إلا أن قادة الحراك الفعليين لم يقبلوا بهذه المناصفة إلا إذا كانت تمثل الحراك لا الأحزاب ولا المقربين من السلطة وبحيث يكون الحوار بين ممثلي دولتين تمكن ممثلو الحراك من فرض خيار الموافقة على استمرار الوحدة أو إنهائها.
وأنا أتوقع كمتفرج من بعيد أن السلطة عندما وافقت على المناصفة الشمالية الجنوبية وافقت على أمل أنها هي التي ستختار من يمثلون الحراك أو الجنوبيين، وسيكون لها خيار الرؤية، والحراك إذا لم يكن له خيار تعيين من يمثله فإنه بمسيراته، بأعلامه، بشعاراته، بوسائل إعلامه سيستمر أثناء انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وهذا يعني أن الذين ستختارهم سلطة الوحدة وتعتبرهم يمثلون الحراك لم يكونوا كلهم منه بل من خارج إطاره. وهذا التصرف إن تم سيكون محرك بحث لمخرج جديد يؤجج الحراك.
طيب هناك من سيقول إن قرارات الأمم المتحدة والدول الراعية للمبادرة الخليجية أكدت على أن يكون الحوار تحت مظلة الوحدة اليمنية، وهو السلاح الوحيد الذي بيد السلطة أمام الحراك الجنوبي، لكن أيهما أقوى الحراك أم قرارات الدول الخارجية؟ أنا أرى أن الحراك أقوى وأن استمراره في نشاطه أثناء عقد مؤتمر الحوار سيقوضه ويفشله، لكن هل ستقبل هذه المنظمات والدول الراعية في حالة إصرار الحراكيين على نشر الفوضى السلمية حتى يتحقق لهم الانفصال؟ هل ستقبل الأمم المتحدة بالمشاركة في إخماد هذا الحراك بالقوة العسكرية تحت رايتها وهي التي تنادي بحرية النشاطات السلمية؟ بالتأكيد سيكون الجواب بالنفي وفي أحسن الأحوال ستعطي الضوء الأخضر للسلطة اليمنية على إخماده بالقوة، وهنا ستكون النتائج غير معلومة. اعتقد أن ما قد قلته هنا كافٍ كمؤشر لعدة مسارات.
والخلاصة أن السلطة اليمنية التي تعد للحوار الوطني أمام ثلاثة خيارات لا رابع لهم وهي:
الخيار الأول وهو عقد المؤتمر بنفس النسبة التي قد أقرتها الجنة التحضيرية للحوار الوطني لكن بممثلين للجنوب تختار منهم 85% وسيكون أغلبهم وحدويين أو على الأقل سلطويين، وبقية النسبة 15% تترك اختيارها لقادة الحراك السلمي الجنوبي، وفي هذه الحالة لن يقبل الحراك بهذه النسبة وسيستمر في المناطق الجنوبية على نفس الوتيرة إن لم ينشط أكثر، واستمرار الحراك سيجعل من مؤتمر الحوار مؤتمراً شكلياً غير ملزمة نتائجه للجنوبيين.
أما الخيار الثاني فهو القبول بالحوار غير المشروط الممثل للحراك الجنوبي بنصف العدد الحقيقي لقوام المؤتمر يختارهم الحراكيون أنفسهم وبحيث تكون الوحدة اليمنية أهم بند في جدول عمل المؤتمر الوطني، مما يعطي المؤتمر الوطني جدية أكثر، وهنا بالتأكيد سيخف نشاط الحراك الجنوبي انتظاراً لموافقة المؤتمر على الانفصال أو على الأقل الموافقة على إجراء استفتاء شعبي في مدة زمنية قصيرة.
أما الخيار الثالث وهو الأهم والأخطر فهو الخيار الأول المصحوب بخيار إعلان إخماد الحراك بالقوة بقتل أو سجن من يخرج في المسيرات المطالبة بالانفصال أو يرفع علم الدولة الجنوبية المنتهية باعتباره مكدراً للسلم العام، وإن كان هذا الخيار سيحتاج إلى قانون فإن السلطة قادرة على إصداره، وبالتأكيد فإن إعلان هذا الإجراء حتى ولو لم ينفذ سيخفف من نشاط الحراك لكن سيظل الجنوبيون يرددون موالهم السابق وهو أن الوحدة قائمة بالقوة، لا بالقبول الشعبي وسيظلون ينادون بالانفصال سراً ثم علناً.
فأي الخيارات أقل كلفة وأكثر فاعلية لخروج الدولة اليمنية من مستنقع الحراك الجنوبي؟
الأولــى
- قرأت 530 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ