ارحل يا علي محسن!
في الأيام الأولى للثورة الشعبية كنا نحس بنسمة الحرية بمجرد دخولنا ساحة التغيير واليوم نجد أن ساحة التغيير قد أصبحت سجناً من سجون النظام, فقد أصبحت شوارع صنعاء أكثر تنفسا من ساحة التغيير التي أصبح الوعاظ التقليديون أكثر من الثوار, لكن كان لابد من الترحم على أجدادنا الأقدمين فلقد، لخصوا لنا تجارب آلاف السنين في أمثلة صغيرة فالأحداث التي عايشوها خلال عشرات السنين لخصوماً في جملة لا تتعدى كلماتها بعض كلمات فمن تجاربهم في تطويل المقاضاة وإخماد الحروب والثورات خرجوا لنا بالمثل التالي: "الحرب لا بات ليلة أمست حباله تناوي و الشرع لا بات ليلة أمست حباله تقاوى".
والقصد من ذلك أن الحرب إذا توقفت يوما واحدا فأنها لا تشتعل من جديد مهما كانت المسببات وسواء كانت بين أفراد أو بين دولة وعكس ذلك إجراءات الشريعة وتقاضي الخصوم، فإذا لم تحل القضية الشرعية بيومها فأنها ستأخذ سنين قادمة.
الشعراء الشعبيون كذلك لخصوا تجارب الحياة في بيت أو بيتين من الشعر من ذلك فيما يتعلق بالثورات فقد قال الشاعر:
باشد حبل الحرابة وأطول المياح لاما العسر ينجح الجودة تشباحي
فتجربته الثورية خرج منها البيت السابق الذي أوجب علية أمام خصمه الشجاع أن يهدئ الأمور ولا يعلن الحرب بل فرض عليه أن يفاوض ويحاور ويأخذ ويعطي عبر وسطاء ودخلاء حتى تزال فكرة إعلان الحرب من رأس خصمه الذي سيستهلك شجاعته على أقساط وحينئذ سيكون قادراً على كسب القضية.
تذكرت الأمثلة السابقة وأنا أتابع مجريات الثورة الشعبية الشبابية اليمنية التي طالت أيامها قبل أن تحقق هدفها والإطالة لا تخلو من مثل يمني يلخصها: )ما طال سُمج)
وفي الواقع ما سمج ترك ولم يعد مطلوباً فالملح إذا يتحجر ويتساقط من الشيء المملوح بمرور الزمن، فإذا طلب وجد سامجاً والسامج يترك إلى غيره.
والثورة اليمنية كما نشاهد لم تنجح في أيامها الأولى كما نجحت ثورة تونس وبعدها ثورة مصر وبالتالي فإنها طالت وسمجت السماج الذي حولها من ثورة إلى أزمة لكن ما هي الأسباب؟
لقد مرت الثورة اليمنية منذ اندلاعها في ساحة التغير بصنعاء في 11 فبراير من عامنا هذا إلى الآن بمراحل ثلاث يمكن تلخيصها فيما يلي:
المرحلة الأولى وهي التي أخذت من شهر فبراير ثمانية عشر يوما ومن شهر مارس مثلها ثمانية عشر يوماً والتي انتهت بمذبحة الجمعة يوم 18 مارس فهذه هي أيام الثورة الفعلية التي كانت الثورة فيما تنمو في نفس الوقت الذي كان فيه الجانب الآخر ينهار الأنهيار الذي تكلل بقرار مواجهة الصدور العارية بالرصاص, فقتل في لحظة 52 قتيلاً إضافياً إلى ما كان قد سقط في الأيام السابقة.
اللحظة التي سقط فيها ثوار جمعة الإنذار هي بداية لمرحلة جديدة قد تكون لصالح الثورة أو ضدها فالثمن قد دفع غالباً دما وأرواحا من قبل فتية قدموا أرواحهم لينتصر بها وطنهم والدور حينئذ تحول إلى المرابطين في ساحة التغيير أو في مكاتب التغيير فكان يجب استثمار دم الشهداء سريعا بقطف ثمار الثورة اليانعة ليتواصل الدور البطولي والنضالي بدون الدخول في حسابات الخسائر المصاحبة لأنها لن تكون أكثر مما قد دفع في لحظة فوران الثورة، هذا الموقف هو الذي كان سيرضى أرواح الثوار وتطيب به نفوسهم المحلقة في أجواء ساحات التغيير لشعورهم بأن تضحيتهم قد حققت ما كانوا يصبون إليه في حياتهم.
لكن للأسف الشديد فقد تم التردد والتلكؤ في تحديد ساعة الصفر حتى العسر منهم أنجح الجودة تشباحي على حد المثل السابق، فالثورة هي تلك اللحظة التي سالت فيها دماء أشجع رجال ساحة التغيير التي فرت بعدها عصابات القتل وتوارت عن الأنظار فاتحة الطريق أمام من هدوا جدار الظلم إلى المكان الذي كانوا يريدونه. لكن الطريق ظل فارغاً من أى ثائر حتى أعيد سده من جديد وببقاء الثوار في جولة العشرين انتهت المرحلة الأولى لتبدا المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية وهي مرحلة تهاوي المستقيلين فبعد مذبحة أشجع الثوار وتعثر مستلمي علم الثورة أتيحت الفرصة للانتهازيين في عصابة المؤتمر لتحديد موقف جديد فاخذوا يقدمون استقالاتهم التي يمكن أن ننسبها في خمسة أسباب, فمن عصابة المؤتمر أولئك الذين فقدوا أقرباء لهم أو أصدقاء في تلك المذبحة أجبرتهم أن يحددوا موقفا ممن قتلهم حتى يستلموا التعويض المذل ولسان حالهم يقول :( ربي أني أبرأ إليك مما فعل خالد ) ومنهم من أحسوا بفقدانهم لاستمرار الفساد الذي تعودوا عليه معتقدين أن الثورة قد نجحت في المسألة لم تعد أكثر من مسألة وقت فأخذوا يتبرءون باسقالاتهم من تاريخهم الأسود ولسان حالهم يقول: (ربي أني تبت الآن)،
والنوع الثالث هم الأكثر انتهازية وهم الذين يأملون في مواطئ قدم في هيكل الثورة المتوقعة ولسان حالهم يقول (ذي ما يأخذ الصيد في المهاش يأخذ لاش)، أما النوع الرابع فهم الذين ابتاعتهم قيادة اللقاء المشترك ومدتهم بشئ من المال لسد فجوة الفقر المحفورة بين عيونهم (إن المشترك اشترى من المؤتمريين أنفسهم )، أما النوع الخامس من المستقيلين فهم الذين دفع بهم جهاز أمن علي عبدالله صالح ليخلخل بهم الثورة من داخلها (فلله جنود من عسل )، وهم الذين يتحكمون الآن في الساحة تحت مبرر الحماية والوعظ والإرشاد ليقنعوا الثوار بالاكتفاء بما قد تم لأن ثورتهم قد نجحت بإرغامها لعلي عبدالله صالح وإجباره بإعلان عدم التوريث والتمديد متناسين أن ثورة تونس ومصر هي التي أجبرت علي عبدالله صالح أن يعلن ذلك قبل إعلان الثورة اليمنية.
هذه الاستقالات المنوعة كانت كابحاً للثورة فاللقاء المشترك استند إلى هذا السلاح معتقداً إن كل من في الطرف الآخر سيقدمون استقالتهم حتى تأتي الساعة التي لا يجد على عبدالله صالح فيها من يرد عليه التحية فكانت النتيجة عكسية أتاحت للعصابة إن تسترد أنفاسها وتغري الكثيرين من قدموا استقالتهم لنفي الاستقالة وتعيد تجميعها وتجميع كل محتاج للسكن والأكل المجاني لتقطع بمخيماتهم طريق الثوار إلى الأماكن الحكومية الهامة وتستعرض بهم أمام العالم في يوم سوقها الأسبوعي تزامن مع ذلك تخدير عقول قادة المشترك بمبادرة وهمية مقدمة من علي صالح هذه المرحلة لم تطل أكثر من ثمانية أيام فقد انتهت في يوم السبت 26 مارس بتراجع علي عبدالله صالح عن توقيع مبادرته التي خدرت قادة المشترك لأكثر من أسبوع.
المرحلة الثالثة هي مرحلة مبادرة علي محسن باسم دول الخليج التي ابتدأت يوم 3 إبريل ولا زالت قائمة فرغم أن علي محسن صالح أعلن تأييده للثورة إلا أنه تحول من داعم إلى ملغم لها بواسطة صياغة المبادرات وقبولها وبسبب الموقف المتخاذل لبعض قيادات المشترك الذي أغراه إلى أن يدخلهم في مرحلة المبادرة التي صاغها ووقع عليها هو ورفيق دربه المنشق عنه وطلب من السعودية تقديمها باسم دول الخليج لينهوا بها الثورة اليمنية والغريب أنه نسي دوره المعلن وأصبح هو أول من يعلن موافقته على مبادرته العائدة من السعودية دون أن تكون له أي صفة، ليس هذا فحسب بل وجر قيادة المشترك لإعلان موافقتها على المبادرة التي تجبرهم على أداء اليمين الدستورية أمام رئيس طالما وصموه بالغير الشرعي، مبادرته هذه حولت الثورة الشعبية إلى قضية التغيير بأفراد الفرقة الأولى مدرع يتنطعون بين الشباب بالسلاح الناري ومحاصرا لهم في المكان الذي وجدهم بة يوم أعلن تأييده لهم حتى أن جنوده أصبحوا يطلقون النار على المعتصمين السلميين الذين لم يرضخوا لتوجيهاتهم مما أدى بشباب التغيير إلى الهتاف ضده فقد شاهدتهم في يوم الأرعاء الرابع من مايو وهم يهتفون في مسيرة داخل ساحة التغيير قائلين : (يا للعار يا للعار × الفرقة تضرب بالنار)
مبادرة علي محسن السعودية هذه إذا لم ترفض من قادة المشترك الآن فمن المتوقع أن تستمر مناقشة كل مبدأ من مبادئها الخمسة لمدة شهر كامل وكل خطوة تنفيذية من خطواتها العشر لمدة شهرين هذه الخمسة شهور والعشرين شهر اللاحقة كفيلة بأن تبقي علي عبدالله صالح إلى سبتمبر 2013 ليخرج رافعا رأسه مضمونا من الملاحقة الأبدية بعد أن يقطع لسان كل من وقف معه بشعره أو نثره، وراس كل من أدى اليمين الدستورية أمامه.
بقى القول إن على قادة المشترك والحوار الوطني أن يتذكروا انهم أعلنوا انضمامهم إلى ساحة التغيير كمتغير تابع وأن يدركوا أن الثوار في مسيرتهم اليومية يكتبون في شوارع العاصمة عبارات الرحيل لعلي محسن قبل علي عفاش وانه لن ينجيهم من موقفهم المثبط لمعنويات الثوار إلا اللحاق بصفوف المسيرة القادمة وهم يهتفون بعد أصوات الشباب الثوار. (أرحل يا علي محسن) (أرحل يا علي صالح) حتى يخرجوهما من مخابئهما مذمومين مدحورين وإلا فهم شركاؤهما فيما حدث.
نقلا عن صحيفة الديار
- قرأت 533 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ