الحوار الوطني..غياب البدائل وضعف الخيارات
خلف الاجواء الاحتفالية الكرنفالية للحوار الوطني يشتد جدلاً ضارياً حوله، وهذا مفهوماً بإعتباره احد اهم الاستحقاقات السياسية المطلوبة للمرحلة الحالية، لكن هذا الجدل يحتاج لضبط في تساؤلاته وفي تقديراتنا للموقف من تفاؤل مفرط وتشاؤم مبالغ فيه يحمل الحوار فوق ما يحتمل من سقف للنجاح أو تداعيات للفشل.
لا يخلو تاريخ اليمن القريب من الحوارات التي عادة ما يعقبها انفجار وهذا ربما يفسر وجود الذاكرة الجماعية السلبية حول الأمر. ابرز هذه الحوارات كان الحوار بين رفقاء الوحدة آنذاك في عام 1993م وافرز وثيقة العهد والاتفاق التي اعتبرها الكثير من الخبراء الوثيقة السياسية الاكثر تقدماً في الجزيرة العربية وربما الوطن العربي، لكن هذا لم يمنع من انفجار الموقف فيما بعد جراء حالة انعدام الثقة الكلي بين الطرفي. آخر هذه الحوارات أيضاً كان حوار احزاب اللقاء المشترك مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح اواخر عام 2010م التي اعقبها انفجار الموقف مرة أخرى، هذا الحوار اسفر عن اتفاق اولي لو تم تطبيقه لربما اوجد للبلاد مخرجاً سياسياً معقولاً بعد كل ذاك الانسداد الذي وصلت إليه.
إذن الحوارات في اليمن تسفر عن إتفاقات ناجحة ولكن تظل مشكلتها بالتطبيق، هنا مقياس النجاح والفشل يظل محدود، فالنجاح محدود بالحوار والفشل مرهون بعدم تطبيق مخرجاته اكثر مما هو متعلق بمسار الحوار ذاته. هذا ربما يقلل من سقف توقعات المتفائلين ويخفض من درجة التشاؤم قليلاً.
للمتشائمين اسبابهم الوجيهه فأجواء التهيئة لم تتوفر رغم إنها مطلوبة أمام هكذا استحقاق يحتاج لبناء ثقة بين الاطراف السياسية المختلفة وشواهد هذا الفشل في الجنوب حاضرة منذ اليوم الأول للحوار. سبب آخر لا يقل وجاهة هي الطريقة التي اتخذتها اللجنة الفنية في اختيار المشاركين حيث احالت معظم الفئات للرئيس بشكل متعمد فيه تغييب الشفافية المطلوبة في اجراء بهذا القدر من الأهمية، وعندما تغيب الشفافية تبدأ تلعب مراكز القوى في الظلام كعادتها وهي الحكومة الخفية لليمن ونجد أيادي تقاسماتها واضحة بضياع نصيب فئة المهمشين بالأكمل لصالحهم ضمن قوائم علي محسن وحميد الأحمر ناهيك عن الرئيس.
إذن التشاؤم يبرره غياب خطوات التهيئة التي ادت لانفجار الاوضاع بالجنوب منذ اسابيع مضت، والقوائم التي أدت لسخط عام حين كشفها، حيث شملت اسماء كثيرة غير معروفة وبعضها غير مستحقة بمعايير مختلفة بينما تغيب فئة المثقفين والصحفيين كلياً من القائمة بإستثناء شخص احترف الاساءة للناشطات اليمنيات مؤخرا، مما يفسر طبيعة الصحافة التي يفهمها صناع القرار اليمني ومدى استخفافهم بإسهامات النساء اليمنيات في الثورة وغيرها. كما تضمنت القائمة اسماء متكررة من ذات الأسرة مما فسره البعض محاباة لكنها ظاهره سياسية في اليمن كما دول أخرى مثل باكستان، حيث تبرز ظاهرة الأسر السياسية وهذا لا يمنع وجود عامل المحاباة في المسألة، خاصة مع العدد الكبير لهذه الأسر مما أخل بتوازن القائمة.
الأمر لا يخلو من اسباب للتفاؤل، هذه المرة الأولى التي يشمل فيها الحوار اطراف خارج الدائرة النخبوية التقليدية وتتسع خارطة المشاركين فيه بشكل يصعب فيه المواربة. لم تستطع الثورة اليمنية اسقاط مراكز القوى التقليدية لكنها كما يتضح من الحوار تعرضت لضربة قاصمة جعلها تضطر للجوء إلى الكثير من الآليات والأسماء التي كانت حصينة أمامها. هكذا صارت تحتاج لفئة من الشباب والنساء تسند بها شرعيتها المهلهلة وهذا يعد اختراق مهم ويفتح الباب واسعاً لظهور نخبة جديدة هذا من جهة، كما إن التفاعل الإيجابي مع هذا قد ينجح في ازاحة هذه القوى تدريجياً لو نجحت الاطراف الساعية للتغيير من الاستفادة من هكذا وضع.
هذا يعود بنا لمشكلة الخيارات التي طرحها المعارضون للحوار والتساؤل البديهي الذي قفز حينها، هل نشارك أم لا؟ هذا السؤال يكشف مأزق القوى التي تطالب بالتغيير أو الثورية. فهي تتعامل مع كل حدث يأتي لها بمنطق رد الفعل السلبي في كلا الخيارين، فبعد المبادرة اختلف الفريقان بسخونة إما رفض كلي دون بدائل تسقط من المبادرة أو تجعل من هذه المعارضة ذات قيمة فعلية، أو قبول دون مشاركة ومحاولة لفرض وجودها في الساحة السياسية ضمن المبادرة كفاعل لا يمكن تجاوزه.
تكرر الحال مع الحوار بذات التشنج والصخب في سؤال عدمي هل نشارك أم لا؟ المشاركة من عدمه لن تغير من واقع إن الحوار سوف يتم، وربما السؤال الأدق أو الاكثر ايجابية هو كيف نتعامل مع الحوار؟ فالمقاطعة السلبية بمنطق التخوين للمشاركين وتصويرهم كأناس متفائلين بسذاجة يتشاركون الحوار مع مجموعة فاسدين ومجرمين من جهة ومن جهة اخرى البطولات السخية التي اسبغت على من لم يشاركوا فيها قدر من الرسائل السلبية، غير حقيقة إن المشاركة بالحوار من عدمه ليست سوى خيار سياسي كغيره يتحدد مدى نجاحه بطريقة تعاملنا معه.
هذا الصخب الجدلي والذي يعد استمرار للشعور الكربلائي المستمر لهذه القوى العاجزة عن تقديم بدائل والدخول في دائرة الفعل وجهت رسالة سلبية للمشاركين في الحوار الذين يعبرون عنهم داخل الحوار وقطعت الصلة معهم دون مبرر، فالمقاطعة العدمية لحدث قد يحققوا من خلاله نجاح لا يتحقق في حالة السكون واللاحركة بهذا الشكل من المقاطعة. ، بمعنى من يقاطع دون متابعة دقيقة لما يجري من خلال الضغط على المشاركين ومساندة من يرى إنهم يمثلونهم ستجعل من مقاطعته أو عدم مشاركته متساوية تماماً مع من يشارك بمنطق الحاصل وكيفما اتفق دون محاولة لإيصال صوت الكثير من القوى الشبابية التي حضرت للحياة الساسية كعامل جديد بأدوات مختلفة وغير معتادة. هكذا نستطيع تلخيص خياراتنا بالبحث عن بديل عن الحوار أو التعامل مع الحوار كجماعة ضغط لها مصالحها وأولوياتها ضمن الحوار، وهي جماعة لا تستطيع مراكز القوى التقليدية تجاهلها لو نظمت فعلها.
التعامل مع الموقف بإيجابية ربما يخفف من تداعيات فشله والالتفاف عليه، ويظل في النهاية الحوار بحد ذاته ليس كافياً لحل أي من مشاكلنا بل قد تكون جزء من حل أي مشكلة، ولو فشل فهو لن يكون الاخفاق الاكبر لليمنيين في هذه المرحلة الذين سوف تنفجر مشاكلهم بأي حال سواء كان هناك حوار أم لم يكن
- قرأت 348 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ