الدكتور ياسين ايقونة الحزب الاشتراكي أم أداة ضموره

دماثة الدكتور ياسين وكلامه المدعم بثقافة فيها قدر كبير من المثالية التي لا تخلو من التعبيرات العامة والمجردة بدرجة تجعلها تلامس الجميع أمر جميل قد لا نختلف عليه كثيراً لكن قيادة الدكتور ياسين لحزبه أمر يستحق التوقف عنده قليلاً، فالدكتور ياسين سعيد نعمان الذي تحول لأيقونة وطنية أو شخصية ذات إجماع وطني لا يعني بأي حال أن يغطي على وجود حزب بأكمله حتى صار الأقرب للواقع وصف الحزب الإشتراكي بحزب الدكتور ياسين وليس الدكتور ياسين كأمين عام للحزب الإشتراكي.
بالتأكيد حالة الهالة المقدسة التي صارت تحيط بالدكتور ياسين تجعل من عملية الخروج عن هذه الحالة وليس حتى نقدة عملية محفوفة بالمخاطر، خاصة وإننا للتو انتهينا من اسبوع كامل من الندب والولولة على شخص توفى منذ 35 عاماً، فمهما بلغت أهمية أو حتى عظمة شخصية مثل الرئيس السابق إبراهيم الحمدي فلا شئ يبرر حالة البكاء الجماعي التي انخرطنا فيها بهستيريا غير مبررة، فتبريرات من شاكلة إعادة الاعتبار أو المحاكمة العادلة لا وجود لها على أرض الواقع إذا تذكرنا العبارات التي ذاعت الاسبوع الماضي مثل اغتيال وطن وغيرها مما يعني إن حالة الندب الجماعي هذه لها علاقة بإحتياجنا لجلد الذات أمام المستقبل الذي تبدو أفقه ضائعة في احسن الحالات إن لم تكن مسدودة بالفعل. إذا كان هذا الحال مع شخصية فارقت الحياة قبل 35 عاماً، لازلنا بعيدين كل البعد عن تقييم مرحلة حكمه القصيرة بموضوعية. فما البال إذن مع شخصية صرنا نعلق عليها آمالاً فوق طاقتها أو قدرتها وصارت ترمز لنا برموز مقدسة مثل الوحدة والجنوب وغيرها. لكن أهمية الحزب الإشتراكي كحزب يتجاوز شخص الدكتور ياسين تستوجب طرق أمر مثل هذا، خاصة وإننا صرنا نتشدق بالديمقراطية ليلاً نهاراً والتي من موجباتها ألا يكون هناك شخص بحجم الوطن ناهيك عن حزب وهذا ليس تقليلاً من شخص ما لكنه نوع من وضع الأمور في سياقها وحجمها الطبيعي.
فالدكتور ياسين سعيد نعمان برمزيته الوحدوية يبدو مؤثراً رغم التغيير الذي اصابه من رئيس لأول مجلس نواب لدولة الوحدة صارم ومنضبط يمنع دخول السلاح ويلزم الحضور بسلوك يليق بنواب دولة القانون والنظام ينشدها الجميع لرئيس حزب ضمن تحالف يفرض عليه فيما يفرض القبول بالمسلحين خارج اطار دولة القانون والنظام وضمن جمهورية القبيلة التي ضربت الوحدة في الصميم، وبالتأكيد من رجل استهدفته الميلشيات المتطرفة المسلحة في غرفة نومه بالمنزل ضمن سلسلة محاولات الإغتيال التي طالت رفاق حزبه إلى رجل يتحالف مع بعض رموز هذه الميلشيات. هو ذلك التغيير الذي فرضته الأمور من افق واسع فتحته الوحدة لحياة سياسية فقيرة ومجدبة اعترت البلاد بعد حرب 1994م فرضت تبني سياسة الواقعية المنخفضة الطموح من سقف الأممية لسقف القومية حتى صارت ضمن سقف الإصلاحات البطئية والمتدرجة كحل أمثل.
كيف نصنع اصنامنا؟ ففي وقت تعد المؤسسية أساس أي عمل جاد مستدام يرجي منه نتائج، نتجه دوماً نحو الشخصنة الموغلة بالنرجسية والهوس لدرجة الدروشة. فالإستبداد بمفاهيمه الثقافية والسياسية هو المتحكم الاساسي بمنطلقات احكامنا وتعريفنا للأمور المخالفة كلياً لمفاهيم الديمقراطية التي تظل فيها المؤسسية متطلب اساسي لتحققها. هنا تأتي صورة احزابنا القاتمة التي لم تتغير قيادات بعضها منذ تأسيسها إضافة للاختيار اللايمقراطي لهذه القيادات ومن ثم السلطة المطلقة لهذه القيادات داخل احزابها، هذا كله يجري في احزاب تنادي بالديمقراطية. وبالطبع ديمقراطية لا تأتي من الاسفل من المؤسسات السياسية التي تشكل المشهد السياسي الديمقراطي وتكتفي بالعملية الفوقية من انتخابات مجلس نواب ورئيس جمهورية ليس إلا ديمقراطية هشة أو ربما تكون عبارة عن فوضى ممنهجة إذا ما تغيب عنها الإطار القانوني. لذا فإن غياب البعد المؤسسي للاحزاب اليمنية أدى لزيادة الشخصنة وتحولها من عمل جماعي مؤسسي لعمل جماعي قبلي يتصرف بمنطق القبيلة المتعصب والإنفعالي لجماعة تتحكم بها أوامر قيادات لا تتغير وهذا أمر مختلف عن العمل المؤسسي المخطط والذي يضمن علاقة سوية ومستمرة بين الجماعة والقيادة وليس علاقة القطيع بقائدة أو ربما في حالات اخرى انفصال كلي فيما بينهما.
من هنا الحزب الإشتراكي لا يشكل حالة استثنائية، فالدكتور ياسين استطاع أن يشكل ثقل سياسي مهم له نفحاته الطيبة في بعض الأحيان على الحياة السياسية اليمنية لكن هذا يتعلق به كشخص وليس بقيادته لحزب كبير لا يفترض الاستهانه به. فالحزب الاشتراكي هو آخر واجهة سياسية للقضية الجنوبية التي اتخذت أدوات تمثيلها الأخرى منحى العصبية وليس السياسة، وكذلك هو حزب لا يمتلك إرث الشراكة مع النظام السابق مما يجعله في موضع اتهام دائم في الشمال سواء من قبل الناصريين أو اليساريين أو الحوثيين. واضافة لهذا فهو حزب متخفف بشكل كبير من مراكز القوى المتخلفة من قبائل ورجال دين وغيرهم ممن كانت تبرر الأحزاب وجودهم بمنطق إن هذه طبيعة الاشياء في اليمن لكن ما حدث إنه عوضاً أن تقوم الأحزاب باحتوائهم ضمن العمل السياسي المدني قامت هذه الجماعات بإحتواء الإحزاب ضمن عملهم القبلي الديني الشديد البدائية. هذا كله مع تاريخ الحزب وقاعدته الجماهيرية الجيدة التي تؤهله للعب دور اكبر مستفيدة من هذا الإلتفاف الوطني حول قيادته، لكن ما يحدث هو تحول هذه القيادة إلى أداة لتغييب الحزب الذي لم نعد نعرف له قيادة سوى الدكتور ياسين نعمان ناهيك عن التعتيم الذي يمنع ظهور قيادات شابة داخل حزب اختصر بشخص صارت له حساباته في الحفاظ على هذه المكانة الوطنية بينما الحزب يحتاج لحركة اكثر تحرراً تتناسب مع ايديولوجيته وتوجهات كوادره وطبيعة المهام المرجوة منه وبعيداً ايضاً عن أسر تحالفه مع احزاب اللقاء المشترك الذي لا يزال تحالفاً على مستوى القيادات اكثر من كونه على مستوى الكوادر، يعاني فيها كل حزب من إرثه المثقل بالمشاكل ويجعل من التحرك الجماعي الدائم والمستمر ضمن منظومته عملية تكبيل ضخمة لحزب كبير مثل الحزب الاشتراكي يمتلك مقومات الإنطلاق سياسياً بشكل افضل في حال تطورت منظومته المؤسسية وقام بعملية تقييم لإدائه السياسي كأمر واجب على جميع القوى السياسية في المرحلة المقبلة، والأهم من هذا هو الفصل بين قيادته الدكتور ياسين كشخصية إجماع وطني والحزب الإشتراكي كحزب له إيديولوجيته ومهامه التي يعطي فيها لنفسه الحق في الإختلاف مع القوى الأخرى وربما التباين في مساراته معها لصالح اولوياته وعمله المؤسسي المستقل بذاته، فاليمن دولة تحتاج لأحزاب بعمل جماعي مؤسسي وليس لأيقونات وطنية.
نقلا عن نيوز يمن 

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
1 + 1 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.