احرصوا على ملء الساحة الثورية الجديدة!
إن خروج الناس إلى "ساحات التغيير" في فبراير 2011، كان خياراً أخيراً، بل والأمثل أيضاً، بعد إذ لم تعد حال البلد تحتمل المزيد من عبث وسوء نظام سلطة وقوى 5 نوفمبر 1967 ومتفيدي 1994. تلك القوى، التي ركبت موجة سبتمبر 1962 وسعت في الالتفاف على أهدافه، هي نفسها التي ركبت موجة فبراير وسعت في الالتفاف على أهداف ساحاته.
هي نجحت في ذلك كثيراً؛ غير أن هذا لا يعني أن بإمكانها تجاوز تداعيات زلزال فبراير وانبعاثاته الثورية وما أفرز من تصدعات. لقد نجحت في نقل فعل التأثير من ساحات العمل الثوري إلى دهاليز العمل السياسي، والتي أفضت بها إلى قصور الرياض؛ غير أن تداعيات الزلزال عادت بالأمر إلى صنعاء مرة أخرى؛ وإن بدلا من الفضاء المفتوح تحت سماء الساحات، إلى القاعات المغلقة بين جدران "موفنبيك".
ليس الأمر سوءا صرفاً. فلأول مرة، منذ زمن بعيد، لم يعد الأمر حكراً على "أهل الحل والعقد"، أولئك الذين هم أوصلوا البلد إلى ما وصل إليه. الجميع اليوم أهل حل وعقد؛ ذكورا وإناثا، شيبا وشبانا، حزبيين ومستقلين...
الغائب الأبرز اليوم هو بعض تلك الأطر والمكونات التقليدية الـ "ما قبل وطنية". فبعد أن كان الشيخ صادق الأحمر –مثلا– قد طمأن الشباب في الساحات ووعدهم بألا أحد سيسرق ثورتهم أو يلتف على هدفهم في إقامة الدولة المدنية؛ وجدناه يغير نبرته "الثورية" تلك ليصرح (مهنجما) بأن الدور "الثوري" الحاشدي يقتضي تمثيل "حاشد" (هكذا!) في مؤتمر الحوار. كذلك فعل، وإن بصيغة أكثر خبثاً، رجل الدين الزنداني.
وفي حين غابت "حاشد" و"العلماء" (الفقهاء)؛ كان للمرأة والشباب كثيف الحضور؛ وإن توزع على مختلف الأطراف والتمثيلات المتحاورة.
ذلك ما أردت التنويه به. أما ما أود التنبيه إليه فهو أن على النساء والشباب والقوى المدنية والحداثية أن يعوا جيدا طبيعة حضورهم هذا؛ إذ إن تمثيلاتهم السياسية المختلفة إنما تقوم على فرز عمودي أو رأسي لا يغير في الأمر شيئا. سيبقى الفقراء والمستضعفون على فقرهم وضعفهم، مادام أولئك يمثلون أطرافا سياسية لا تمثل إلا مصالح الأثرياء الأقوياء.
إذن، مؤتمر الحوار الوطني ليس إلا ساحة أخرى من ساحات الثورة، وبالتالي ينبغي على أولئك الذين يرون أنفسهم ممثلين للفقراء والمستضعفين، وفي صفهم، أن يرتقوا إلى مستوى الفعل الثوري، والكف عن اعتبار أنفسهم مجرد موظفين يؤدون بتفانِ و"أمانة" ما يوكله إليهم رؤساؤهم؛ جاهلين أو متجاهلين أن الأمانة الحقيقية إنما هي تلك التي أوكلتها إليهم الثورة والوطن وتلك الشرائح الفقيرة المستضعفة التي يزعمون تمثيلها.
- قرأت 448 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ