*عاصفة الحزم الاختبار الأول لجاهزية الوكلاء *
مؤشرات التحول في سياسات الادارة الامريكية نحو تسوية جديدة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط ليستوعب خبراتها التي أكسبتها تجربتها في العقديين الماضيين ويتلافى أخطائها ,والتوقيع على اتفاق لوزان والتقارب الأمريكي –الايراني ,مؤشرات التحول هذه تلقاها قادة دول الخليج بغير قليل من التوجس والارتياب علاوة على انها ترافقت مع سلسلة من النجاحات الإقليمية لإيران ومحور الممانعة سواء على صعيد الأزمة السورية بإلغاء اوباما الضربة العسكرية التي كان قادة الخليج يراهنون عليها لالحاق هزيمة موجعة بالنوفوذ الإيراني على اعتبار ان سوريا تمثل بوابة إيران الى المنطقة العربية ,وفي اليمن تمكن انصار الله واللجان الشعبية من الاستيلاء على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة في اليمن وجاءت ثورة 21 سبتمبر 2014م لتنهي حقبة طويلة من الوصاية السعودية وترفع يد أمريكا عن اليمن .
هذه التحولات والتطورات قرائها كثير من المراقبين تراجعا للنفوذ السعودي وإخفاقا لسياساتها نتيجة لأنها لاتمتلك رؤية ولا مشروعا ,وسهل على ايران مهمتها لملئ الفراغ بنجاح ,وعززت من شعور ملوك وأمراء الخليج بان ثقة الغرب بهم بدأت تهتز مع إحباط من التخاذل الأمريكي وسلبيته في التفاعل مع الاضطرابات .
وفي هذا السياق جاءت عاصفة الحزم كمؤشر يؤذن بنوع من التغير في السياسة الخارجية للنظام السعودي وقرئت أكثر من قراءة .
المنزعجون من الاتفاق في الخليج وإسرائيل وأمريكا بالذات يصورون العاصفة باعتبارها رسالة للغرب في المقام الأول وانها –كما يقول احدهم -فاجأت إيران والدول الغربية و أظهرت أن السعودية قادرة على تشكيل حلف دولي يتصدى للتمدد الإيراني، وأن الولايات المتحدة اعترفت لها باستقلالية أوسع في القرار، وأن ترتيب شؤون المنطقة لن يحسمها أي توافق أمريكي إيراني يفتقد لإذن سعودي خليجي وان لا اتفاق على حساب مصالح العرب الإستراتيجية, وعلى حدهم- العاصفة شجعت على تزايد الأصوات الغربية المعارضة للاتفاق وضرورة ربطه بملفات الصراع الجو سياسي في الإقليم بعد أن كانت تجاوزت هذه القضية .
المحللون الصهاينة والصحيفة الاسرائيلة المقربة من نتنياهو ايضا هاجمت بشدة أوباما على خلفية "عاصفة الحزم"، معتبرة أن سلوكه هو الذي أجبر الدول العربية على المبادرة والتحرك بشكل منفرد ضد إيران في اليمن.
السناتور جون مكين نقل عنه القول "حسن فقد قام السعوديون بهذا بأنفسهم، والسبب في ذلك أنهم استنتجوا بأنهم ما عادوا يعولون على الولايات المتحدة، وهم يرون مثلما نرى أنه من غير المقبول التفاوض على صفقة سيئة، وفي ذات الوقت يغض الطرف عن العدوان الإيراني سواء على لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن
يجتمع معظم المتابعين على ان العملية العسكرية تؤشر على تحول كبير من جانب السعودية التي فضلت استخدام الدبلوماسية والمال والدين لحماية مصالحها ونفوذها على منطقة الخليج. لكن مسالة انها كانت مفاجأة للغرب او انها تمت من دون تنسيق هي نوع من المبالغة في العتب عند بعض الكتاب الخليجيين ويتنافى مع تصريحات المسئولين السعوديين والأمريكيين أنفسهم ,وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مقابلة مع ccn" "الأمريكية عندما كان سفريا قال بأن "السعودية ظلت تناقش مشكلة اليمن مع الولايات المتحدة لعدة أشهر وانهم على تنسيق وتشاور مستمر مع البيت الأبيض.
صحيح هناك قلق ينتاب القيادات الخليجية إزاء أن تؤدي المحادثات النووية مع إيران إلى تقارب بين واشنطن وطهران وتتلبسهم مشاعر باهتزاز ثقة الولايات المتحدة في الاعتماد عليهم وكلاء حصريين في المنطقة ولا يخفون احباطهم مما يعتبرونه سلبية من قبل أمريكا في مواجهة الاضطراب في المنطقة، ويعتقد محللون أن الحرب الجوية تشير إلى تحول صوب سياسة خارجية أكثر قوة لا تعتمد كليا الدور الأمريكي ,ويريدون من خلالها إثبات جدارتهم بثقة الغرب والولايات المتحدة .
وحايا ترتفع الاصوات الخليجية التي تنادي بضرورة تبنى سياسات اكثر استقلالية ومغادرة الاعتماد الكلى على الحماية الأمريكية وبهذا الصدد اكد تقرير ندوة الدوحة التي عقدها المركز العربي للأبحاث والدراسات لمناقشة تداعيات الاتفاق "إن الاتفاق يشير إلى أن مرحلة الاعتماد الخليجي شبه الكلي على المظلة الأمنية الأميركية لم يعد خياراً يمكن الاعتماد عليه..فهذا الخيار ساهم في إخراجهم من معادلة التوازنات الإقليمية وسهل لإيران ان تستفرد بالمعادلة ,وان البديل هو التحول للذات الرئيسية الفاعلة ومغادرة مشاعر التهديد المستمر واعتماد إصلاحات سياسية بنيوية للأنظمة العربية تمكن من قيام اتحاد إقليمي واو دولة إقليمية قوية ..."
لقد احتفى انصار العاصفة بما أسموه التحالف العربي الذي قادته السعودية واعتبروه مقدمة لتشكيل قوة ردع عربية ,واجتمع رؤساء الأركان العرب في الجامعة العربية لمناقشة تعجيل بناء قوة عربية مشتركة .
الا أنها تبقى في اطار الأمنيات والماينبغيات كما ان تشكيل قوة عربية تفتقر الى العقيدة القومية التي تجمعهم اذ يتعذر أن لم يستحيل على هذه الأنظمة أن تكون القيمة على مثل هذه العقيدة بل ان أي قوة تشكل على هذه العقيدة تشكل تهديدا مستقبليا لأنظمتهم , ومثله الحديث عن العربية السعودية كقوة إقليمية فقيادة المملكة تدرك أنها غير قادرة ولا تملك أحداث تغيير جذري في علاقتهم بأمريكا وغير مهيئين للاستغناء عن الولايات المتحدة او التصرف باستقلال عنها .
الدكتور خضر القرشي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي اكد ان "العلاقات التاريخية بين دول الخليج والولايات المتحدة يجب أن تبقى، لكن هذا لا يعني الاعتماد الكلي على واشنطن، فالتعاون الخليجي قد يغني مستقبلًا عن الاعتماد بشكل أو بآخر على أميركا في ما يتعلق بالعمل العسكري مثلًا"،.
كما أظهرت تطورات الحرب العدوانية هشاشة التحالف الذي قادته العربية السعودية وتفككه قبل أن يبدأ ,انه تحالف مدفوع الأجر الجامع الوحيد له هو المال الخليجي وبذلك يتحول عبئا على السعودية و الخليج أكثر مما هو قوة ردع لإيران .
والأقرب إلى الصواب والذي تعززة وتسنده الوقائع والمعطيات إن هذه الحرب العدوانية تأتي في سياق الإستراتيجية الأمريكية الجديدة ورغبة الولايات المتحدة في التعديل على جزء من التزاماتها الدولية في الشرق الأوسط وتقاسم الأعباء وتوزيع الأدوار بحيث يتحمل حلفائها مسؤوليتهم في مواجهة النفوذ الإيراني ولا ينظروا ان تخوض أمريكا حروبهم مباشرة كما حدث في حرب الخليج وكما كانوا يطالبون من أمريكا بتوجيه ضربة عسكرية لإيران ولاحقا سوريا مع تعهدها الا تتخلى عنهم ولعب دور الراعي والمتعهد والمرشد الأعلى .
الباحث في الشؤون العربية «مايكل نايتس» في معرض تحليله لعملية «عاصفة الحزم»، يقول أن «التعبئة العسكرية لتسع دول مســلمة، تشـــير إلى الهدف الاستراتيجي الأوسع للحملة، ما ينشئ نقطة حشد للعرب لمواجهة النشاط العسكري الإيراني المتزايد في المنطقة»، ثم يضيف قائلاً، وهنا النقطة الأهم: «تجد واشنطن نفسها الآن في موقفٍ غير معتاد، إذ أنها تدعم من دون ضجة ائتلافاً كبيراً متعدد الجنسيات يتألّف من دول إقليمية، وهذا هو على وجه التحديد نوع تقاسم الأعباء الذي لطالما حلمت الإدارات الأميركية المتعاقبة بتعزيزه "وسعت لإقناع دول الخليج للقبول به .
و بحسب الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية للشرق الأوسط، في أنقرة، أويتن أورهان أن السعوديين ربما أدركوا ان عليهم إذ كتب مؤخرًا: إيران اكتسبت تفوقًا على السعودية عبر وكلائها في العراق وسوريا ولبنان، في حين كان اليمن أول أرضية للتجربة، وبعد الدعم المالي أخذ السعوديون القيادة العسكرية ".
يتفق النظامان السعودي والأمريكي على الانزعاج مما يتصورونه توسعا منسقا للنفوذ الإيراني في الإقليم عبر من يصفونهم وكلاء محليين لإيران .ويتفقا على رفض كل النتائج التي أدت إليها ثورة 21 سبتمبر 2014م وسبق أن اشرنا ان احد نتائجها المباشرة رفع اليد الأمريكية والسعودية عن اليمن .
ويعتبر اليمن بلدا مهما لكلا النظامين كونه يشرف على أهم الممرات المائية ,غير أن النظام السعودي ينظر لليمن كمقاطعة تدخل ضمن النفوذ الحيوي له ,أيضا لا يخفيان قلهما من ترسانة الصواريخ الباليستية ورغبتهما في التخلص منها ,ويتفقان على ان يجب القيام بتحرك ما لكنهما يختلفان في تقديرهما للأمور والكيفية التي يكون عليها التحرك .
السعودية ظلت باستمرار تضغط لحث الولايات المتحدة على التدخل المباشر بتوجيه ضربة عسكرية سواء في سوريا أو في اليمن ,والولايات المتحدة تمانع فهي لم تعد راغبة بالتدخل المباشر ,وتخاف من تداعياته على الاتفاق مع إيران ولا تريد ان تقوم في هذه الفترة بالذات بعمل يفسد إتمام الاتفاق النهائي مع إيران ,وقد استمر الجدل بين السعودية وأمريكا لما يقارب الستة أشهر وبالتحديد منذ ثورة 21سبتمبر ,والتسوية التي توصلا لها تقضي ان تقود السعودية الحرب العدوانية على اليمن ,بينما تتعهد الإدارة الأمريكية بتوفير المظلة الدولية وحمايتها من أي تداعيات إقليمية او دولية من قبل إيران او المجتمع الدولي إضافة إلى الدعم اللوجستي وصفقات الأسلحة وغير ذلك هناك تتهم عدد من التقارير الولايات المتحدة بالمشاركة عبر بارجاتها في البحر الاحمر.
عاصفة الحزم هي الاختبار الأول لهذه الإستراتيجية والنتائج التي تسفر عنها اما ان تعزز اعتمادها كإستراتيجية فعالة في مواجهة النفوذ الايراني والدول والجماعات المارقة وتشجع على تجربتها في بلدان اخرى ,او ان يدفع صمود الشعب اليمني الى فشل الحلول العسكرية في تأديب المارقين وإعادتهم الى بيت الطاعة ويخلق قناعة ان استخدام القوة الأساليب لاستعلائية لتركيع وإذلال الشعوب لا توصل الى نتائج عكسية وبالتالي يعزز من رصيد الاساليب والوسائل الحوارية والتفاوضية واحترام حرية وسيادة شعوب المنطقة واحترام سيادتها والإقلاع عن غرائز الهيمنة .
- قرأت 4322 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ